المرصاد نت
عقولنا مقيدة بعصبياتنا، عقول تفتقد حرية التفكير، تفكر في حدود لا تتجاوز الإرث والدين والأعراف. تربيتنا من الصغر تحث على العيب والحرام والحلال من خلال نص جاهز، علينا أن نتقبله كما هو. البحث عن الصح والخطأ، أحيانا يعرّض الفرد فينا للتأنيب، ما لم يكن للعقاب.
فرق كبير بين عقول تفكر بحرية وتبحث عن الصح والخطأ من دون قيود وعقولنا المقيدة. ثمة عقول تطورت ونهضت، ونحن تخلفنا وتعثرنا، هم العالم المتطور الذي أنفق على التعليم وتنمية الإنسان والبحث العلمي والتجارب العلمية.
ونحن العالم المتخلف الذي قيدته غرائز التعصب والأصولية والعنف، أنفقنا على التسليح والاستخبارات لنراقب العقول ونحد من تفكيرها، ونضع المناهج بتعبئة العقل بصيغ جاهزة ورضوخ كامل للواقع وعدم الخروج عن ولي الأمر، فأصبح الخروج عن ولي الأمر دون وعي كارثة، تجعل من ترسانة الأسلحة وأجهزة الاستخبارات نقمة على الأمة في تفجير حروب كارثية، تمزّق الأواصر وتصنع شروخا اجتماعية ووطنية.
نحن نفكر كثيرا في الحاكم باعتبارنا رعية، ننضبط بعصاته كقطيع، فإذا انكسرت تلك العصا سقط الانضباط، فلا وعي ولا عقول قادرة، أن تكون البديل الضابط لإيقاع الحياة، فينحط كل شيء ونجد أنفسنا في زوابع من الانفلات والفوضى والعبث، ننتظر عصا تعيد ضبط إيقاع حياتنا من جديد.
ونبقى أمة متخلفة لا تهتم للتعليم، والبحث العلمي مجرد مستخدم لما ينتجه الآخرون، وأحيانا يكون مستخدما سيئا، سوق لمنتجات الآخرين، بعقول كسلى ونفوس جشعة، وأرواح أنانية، ومناطق متناحرة، وأوطان موبوءة بالتعصب الأعمى للإيديولوجيا والطائفة والأعراق والمناطق.
أسوأ ما يقتل الإنسان هو التعصب، بالتعصب زالت حضارات وفشلت دول وتجارب إنسانية عظيمة. التعصب هو رفض الآخر وانحياز تام للذات، مما يصعب على المتعصب أن يرى بموضوعية، فالتعصب هو عمى الألوان الفكري وفقدان البصيرة الواعية للحكم على الأمور باتزان.
المتعصب لا يحترم الآخرين، فالتعصب العقائدي لا يحترم العقائد الأخرى، ولا المذاهب ولا الأطياف. وهكذا التعصب السياسي يرفض قبول الرأي الآخر والفكر السياسي الآخر، وهذا ما يشحن المتعصب بالعنف ضد الآخر، كالتعصب للمشجعين في كرة القدم، لا يعترف المتعصب بالنتيجة، فتثار نوبات عنف شديدة في الملاعب.
التعصب مشروع قتل واستباحة أعراض وانتهاكات وقهر وازدراء من الآخر المختلف، هو منبع للكراهية والعنصرية، وهو القاعدة الفكرية لصناعة العنف والتدمير، هو مشروع انتحار للمتعصب نفسه ومن حوله والوطن الذي يسكنه. يتسلح المتعصب بأدوات العنف، محاولا إلغاء كل أدوات العقل والتنوير والفكر، لهذا أكثر بيئة صالحة للتعصب هي الحروب، يستخدم فيها المتعصب كوقود لإشعالها واستمرارها، يستخدم كأداة سهلة لتنفيذ أجندات غير وطنية ولا تخدم حتى مصالح المتعصب ذاته، فالمتعصب سهل التغرير والسحر بالشعارات والوعود الكاذبة.
ما يحدث اليوم في بلدي اليمن ومدينتي عدن هو نتاج لتعصب قاتل، سيطر على فئة استخدمت لضرب الثورة الشعبية وتطلعات الناس في مستقبل آمن ومستقر يسوده الحب والتسامح، وفي وطن يحقق المواطنة والكرامة ويسهل حق تقرير المصير بطرق آمنة وسلسة، وتمت المصادرة تلك من قبل الثورة المضادة وداعميها الإقليميين، بل من قبل الطامعين بوطن وأرض وإنسان.
كل المجرمين على مر التاريخ هم متعصبون، واليوم مجرّد ما تظهر استدلالات الجرائم يظهر لنا المتهمون من الأكثر تعصبا ضد الآخر، ممن يحملون خصومة فاجرة، تفجر مواقف عنيفة، تقتل وتستبيح وتنتهك أعراض الناس لتشبع تعصبها، والبقية مجرد أدوات ينجرون خلفها متعصبين أيضا لفكرة أو حل أو منهج سياسي وديني.
التعصب هو الإرهاب بذاته، فإذا أردنا محاربة الإرهاب علينا بمحاربة التعصب وتجفيف منابعه، علينا مواجهة التعصب كفكر بفكر التنوير. وهنا يأتي الاهتمام بالعملية التعليمية والثقافية والتنمية البشرية، لإشغال العقل بما هو أهم من التعصب، هو البناء والتنمية بالبحث العلمي لنتطور كسائر أمم المعمورة، لنكن أمة محترمة.
كتب : أحمد ناصر حميدان
المزيد في هذا القسم:
- لماذا إيران ؟ بقم : ضيف الله الشامي* المرصاد نت دأبت أبواق العدوان ومرتزقته وهلافيته ومغاويره وفرسانه وملوكه وأمرائه واﻷجير والمستاجر والنزلاء والمتصورين كلهم على وصف المقاتل اليمني بأنه (ميليشاو...
- مفاوضات طويلة في الكويت لماذا؟ بقلم : طالب الحسني المرصاد نتمنذ البداية لم يحدد السقف الزمني للمفاوضات التي باتت تشبه الى حد كبير مفاوضات موفمبك ربما بعلم الجميع عدا عن سير التفاوضات الان وتشكيل لجان والبدء ...
- المرتبات بحاجة الى صراحة ومسئول شجاع ! بقلم : شبيب منصور المرصاد نت الرواتب تلك المعضلة التي يتهرب أولي الأمر من توضيحها واطلاع الرأي العام على تفاصيلها ما هي إلا أمر يحتاج الى شفافية و وضوح .. فمن حق الموظفين ان يس...
- سبتمبر التحرر والسلام .. والحقد السعودي! المرصاد نت في خضم احتفالات شعبنا اليمني بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر فإن ثورة 26سبتمبر الخالدة ستبقى هي الثورة الأم وهي الشمعة التي أضاءت سماء...
- السقوط .. مـآل الاغبياء ! بقلم : علي جاحز المرصاد نت من يقرأ التاريخ بعيون البصيرة والحكمة يستطيع ان يقرأ الواقع بعيون الوعي والخبرة ومن يتجاهل التاريخ ودروسه يسقط امام امتحان الواقع ومنعطفاته . لا ا...
- رسالة عاجلة عن الجرعة القاتلة لانصارالله لايختلف اثنان ان انصارالله ( الحوثين ) اصبحوا قوة لايستهان بها وان تلك القوة لم تنشاء لان طرف سياسي اراد لها ذلك بل لانهم خاضوا معارك شرسة قدموا فيها الغالي وال...
- الوطن .. والبقرة .. والكاهن بقلم الكاتب جلال الجاك في قريش كان الكاهن يقول لعابدي الصنم : إن الصنم يطلب منكم بقرة حتى يلبي طلبكم !!! وطبعا الصنم لا يتكلم، ومن يريد البقرة ويستفيد منها هو الكاهن !! ولو قال الكا...
- علماء الاسلام يكسرون قرن الشيطان ! بقلم : عبدالجبار سعد المرصاد نت لم تقم أيّ من دول الإسلام وسلطناته وممالكه وامبراطوريّاته بدء من الخلافة الراشدة مرورا بالأمويّين والعباسيّين والعثمانيّين وحتّى المماليك وباقي الس...
- الحرب بالمقاولة "1" ! المرصاد نت كل الأحرار في اليمن والعالم يريدون ان يتوقف الحرب على اليمن الذي تم شنه بالمقاولة وليس بالوكالة كما تم الترويج له بيد ان الأسئلة الذي تطرح نفسها هي...
- اردوغان الرئيس الذي يدعو الله ويصافح الشيطان ! بقلم :أ.عبدالملك العجري المرصاد نت معظمكم سمع بالطرفة اليمنية التي تقول إن أبا وأما أرادا أن يختبرا مستقبل ابنهما فوضعا طاولة في طريقة وفوق الطاولة وضعوا مصحفا ,وقارورة خمر وألف ريال...