دُروس السنوات العِجاف !

المرصاد

كتب: د. ياسين الشيباني

FB IMG 1593857714645



     عندما تشيخ الأنظمة الحاكمة ، تتجمّد الدماء في عروقها ، وتتكلّس مفاصلُها ، وبالتالي تصاب بالعجز وعدم القدرة على مواجهة تحديات البقاء الأساسية ، وتزداد مشاكلها وأزماتها الى درجة يختنق معها النظام الحاكم نفسه ، ولعدم وجود بدائل أخرى ، يختنق معه المجتمع كُله !!
 
و لهذا ، وصلت كثير من الأنظمة العربية إلى طريق مسدود ، والسبب الرئيس ، أنها كانت تفتقر إلى آليات مؤسسية ، جادة ومسؤولة ، للتقويم والمراجعة والنقد الذاتي .

 حيث لم يكن لكثير من الأنظمة العربية من مشروع وطني ، غير المحافظة على بقاء النظام الحاكم ، وبالتالي تسخير كل امكانيات المجتمع من أجل هذه الغاية وحدها !

وحيث لا يكون هناك مشروع وطني جامع ، تفشل السياسات ( مهما كانت قوة النظام العسكرية والأمنية ) والتي يفترض أن يكون هدفها الأول  هو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعب ، بما يقتضيه ذلك من خطط مدروسة وعمل جاد وإدارة فعالة للموارد ، وقيادة تتمتع بالرؤية الشاملة والقدرة على استشراف المستقبل و استباق المشاكل والأزمات ..

ولأن معظم الأنظمة الحاكمة التي كانت قائمة في المنطقة العربية تفتقر إلى مثل هذا المشروع ، وإلى آليات ومؤسسات التقويم والمراجعة والنقد الذاتي ، وقعت في أزماتٍ عميقة ، فحدثت " الثورات والانتفاضات والاحتجاجات " التي كانت - في ظل انعدام البدائل الأخرى - هي الوسيلة الأخيرة التي عبّرت من خلالها المجتمعات عن غضبها ورفضها لإدارة الدولة ومقدراتها بأساليب ارتجالية غير مدروسة ..

ولكن " الثورات والانتفاضات الجماهيرية " بدورها جاءت عمياء ، وتفتقر الى القيادات المُحنكة وإلى الرؤية الواعية التي يمكن من خلالها إدارة عملية التغيير والتحوُّل الاجتماعي بشكل إيجابي ، فتم اختراقها ( إن لم يكن قد تم صناعتها منذ البداية ) و توظيفها واستخدامها كأدوات لتفكيك المجتمعات والدول تمهيداً لإعادة صياغة المنطقة بما يخدم ويعزز مصالح القوى الأجنبية النافذة ، وكانت النتيجة للأسف هذه الحروب وهذا الخراب والدمار الذي طال الإنسان والبُنيان.

والأمل الآن ، بعد مسيرة الآلام هذه ، أن يعي الحُكامُ والمحكومون، أن مسؤولية انقاذ أنفسهم ومستقبل ابنائهم وبلدانهم ، هي مسؤولية مشتركة ، لا يُعفى منها احد ، ولا يُستغنى فيها عن احد .

 ولا يتطلب النهوض بهذه المسؤولية أن نُعيد اختراع العَجَلة،  فهناك نماذج كثيرة ناجحة يمكن الأخذ بها في إدارة التناقضات السياسية والإجتماعية القائمة بما يحقق المصالح المشروعة لأبناء البلد الواحد ، وكذا إدارة التناقضات التى قد تطرأ بين المصالح الوطنية والأجنبية .

وهذا لا يتطلب سِوى أن تتخلى الأطراف المُتصارعة ، بالأصالة او الوكالة ، عن انانيتها الشديدة ورغبتها الجامحة في الاستئثار بكل شيء ، فقد ثبت بالتجربة أن الأنانية - فردية كانت أو فئوية - ليس لها سوى نتيحة واحدة مؤكدة هي : الهلاك الجماعي.*

المزيد في هذا القسم:

  • استشعار وتهريج د. ياسين سعيد نعمان فيما يشبه الاستشعار المسبق لما قد تؤول إليه الأمور ، وخاصة بعد وصول قوات العمالقة في فبراير الماضي إلى حريب بعد استعادة عسيلان وبيحان وعي... كتبــوا
  • المنتصر يفرض شروطه كتبوا للمرصاد: قاعدة معروفة عبر التاريخ القديم والوسيط والمعاصر وعلى كل بقعة في الكرة الأرضية .. وأنصار الله تقدموا في خمس جبهات حرب فتحت ضدهم . من يعتقد ... كتبــوا
  • باريس وصنعاء هناك فرق حادثتان إرهابيتان وقعتا في وقت متزامن تقريبا في صباح يوم السابع من يناير ٢٠١٥ في كلٍ من باريس وصنعاء. في الاولى حصدت إثني عشر قتيلاً وعدد كبير من الجرحى، وفي ... كتبــوا