تحايلها على مبادرة صنعاء أوقعها في العجز والفشل.. ماذا ستختار الرياض؟

المرصاد نت - متابعات

لم تمر أيام من ارتكاب طائرات التحالف مجزرة بحق المدنيين في محافظة الجوف حتى نفذت القوة الصاروخية وسلاح الجو الكسير هجوماً مشتركاً على العمق السعودي في عملية تم تصنيفها ب Yanbao2020.2.22“توازن الردع الثالثة”. العملية الكبيرة التي جاءت كرد سريع ومناسب على جريمة التحالف بحق المدنيين التي ارتكبتها الاسبوع الماضي بعد أن تمكنت قوات الدفاع الجوي اليمنية من اسقاط طائرة حربية سعودية من نوع “توريندو” في الجوف.

التحرك اليمني السريع يشير بوضوح إلى أن الهدنة التي كانت معلنة وشبه سارية من قبل سلطة صنعاء لن تظل مطروحة من طرف واحد إلى الأبد كونها كانت مشروطة بتوقف التحالف السعودي عن قصف المدن اليمنية وبناء عليه فإن أي خرق سعودي لتلك الهدنة سيقابل برد أعمق وأعنف.

12مسيرة و3 باليستيات استهدفت شركة أرامكو في منطقة ينبع في العمق السعودي وأهداف حساسة وبحسب بيان القوات المسلحة فإن العملية رد طبيعي ومشروع على جرائم التحالف التي تطال النساء والأطفال في عموم المدن والقرى اليمنية،

من جديد وقفت منظومات الدفاعات الجوية الاميركية عاجزة عن التصدي للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي واصلت طريقها لتصل الى أهدافها في ارامكو وينبع وتصيب اهدافها بدقة عالية . لم تفلح المنظومات الجديدة من باتريوت وثاد الاميركية التي أعلن عنها البنتاغون في الـ 20 من يناير والتي نشرت بعد عملية توازن الردع الثانية التي استهدفت حقلي بقيق وخريص النفطتين التابعة لشركة ارامكو بعشر طائرات مسيرة في الـ 14 من سبتمبر 2019 في إيقاف الهجمات وحماية المنشئات النفطية .

هذا العجز حول آمال السعودية ورهانها على انظمة الدفاعات الاميركية الى سراب لتظل هذه المنشئات أهدافاً مكشوفة أمام هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية اليمانية مما يعني فشل سعودي في حماية منشئاته النفطية التي تعتبر عصب الاقتصاد السعودي وتدميرها يعني مزيد من الخسائر الاقتصادية للمملكة خصوصاً وأن صنعاء استطاعت في عملية توزان الردع الثانية من ايقاف تصدير نصف النفط للمملكة .

وبالتوازي مع الفشل السعودي المستمر يبرز التطور الكبير في قدرات صنعاء في عملية توزان الردع الثالثة من خلال العملية المشتركة بين الطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة فقدرة صنعاء إستخدام أكثر من سلاح في عملية وأحدة يحتاج الى تكنولوجيا متطورة جداً والمعروف ان سرعة الصواريخ الباليستية تختلف عن سرعة الطائرات المسيرة ووصول الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الى أهدافها في نفس التوقيت يدل على أمتلاك صنعاء لهذه التكنولوجيا المتطورة .

بعد عملية توازن الردع الثالثة أصبحت جميع منافذ تصدير النفط السعودية تحت مرمى الصواريخ الباليستية اليمنية والطائرات المسيرة فالرياض لا تمتلك سوى منفذين شرقي وغربي لتصدير نفطها حيث تم إستهداف المنفذ الشرقي في عملية توزان الردع الاولى والثانية بضرب حقل الشيبة وحقي بقيق وخريص لتاتي عملية توزان الردع الثالثة التي أستهدفت المنفذ الغربي بضرب ارمكو وينبع وبهذا تكون صنعاء قد اطبقت الحصار على المنفذين مما يضع السعودية أمام خطر ايقاف تصدير نفطها التي يتم عن طريق المنفذين خصوصاً وانها الى اليوم لم تستطيع إيقاف هذه الهجمات في ضل تصميم كبير من صنعاء لتدمير هذه المنشئات الاقتصادية الحيوية .

ومقابل التصعيد العسكري تستمر صنعاء في إرسال رسائل السلام عبر كل القنوات المتاحة وترد على رسائل الحرب في الوقت والمكان المناسب ويبقى على الأمم المتحدة أن تلتقط رسائل السلام بجد وعلى دول التحالف أن تأخذ رسائل الردع على محمل الجد والعدول عن الاستكبار والجلوس لطاولة مفاوضات تنهي الحرب والحصار وتتوقف عن التدخل في الشئون اليمنية.

تحايل السعودية على مبادرة صنعاء أوقعها في ورطة كبيرة وعجز وفشل مستمر!

إشترطت مبادرة صنعاء التي قدمتها في الـ 20 من سبتمبر 2019 أيقاف كافة أشكال الاستهداف والقصف الجوي للأراضي اليمنية مقابل وقف إستهداف الاراضي السعودية بالطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة وكافة أشكال الاستهداف . لم تقبل السعودية المبادرة ولم ترفضها بشكل صريح وضل موقفها غير واضح رغم ان صنعاء ضلت بانتظار التفاعل الايجابي مع هذه المبادرة طيلة الفترة الماضية .

وفي بداية شهر يناير 2020م ظهر الرفض الواضح للمبادرة من قبل الطرف السعودي من خلال قصف طائرات التحالف لأهداف مدنية في مديرية نهم ومحافظة الجوف وأرتكاب عدد من الجرائم بحق المدنيين وأخرها جريمة المصلوب في الخامس عشر من فبراير الحالي بمديرية المصلوب في محافظة الجوف التي راح ضحيتها أكثر من أربعين قتيل وجريح من المدنيين .

وبهذه الجريمة تكون السعودية قد أوصلت المبادرة الى طريق مسدود ودفعت بصنعاء الى إنهاء المبادرة بعد ان وصلت الى قناعة ان هذه المبادرة لن ترى النور وان التحالف العسكري السعودي الهمجي ماض في جرائمه وان قصف طائرات تحالف العدوان للأراضي اليمنية واستهداف المدنيين لن يتوقف وبعد ان وصلت صنعاء الى قناعة تامة بان هذه المبادرة لم يعد لها جدوى أستأنفت عمليات استهداف الأراضي السعودية والمنشئات الاقتصادية في العمق السعودي بعملية توزان الردع الثالثة وأستهداف شركة أرامكو وأهداف حساسة في ينبع .

لا نعلم ان كان بإمكان السعودية الخروج السريع من هذه الحرب والنجاة من مستنقع رمال اليمن خاصة وأنها اليوم الحلقة الأضعف في اليمن بعد ان تمكنت الإمارات من بناء قواعد خاصة بها في الجنوب وأنشأت مليشيات خاصة بها بما فيها “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي سيطر على جميع مفاصل المراكز الإدارية في جنوب البلاد ليتم عقد إتفاق بعد ذلك يتم بموجبه إعادة سيطرة هذه المراكز إلى حلفاء السعودية ونقصد هنا ماتسمي ب“الشرعية” وعلى الرغم من توقيع هذا الإتفاق إلا ان الرابح الأكبر كانت الإمارات التي تحاول تبييض صفحتها أمام السعودية والعالم والمجتمع الدولي إلا إنها في الحقيقة لا تزال المسيطر الفعلي في الجنوب وبإمكانها الانقلاب في اي لحظة على حلفاء السعودية إلا إنها غير مضطرة في الوقت الراهن لكونها تسيطر على كل ما تريد عن بعد لذلك تدعي بين الفينة والأخرى انها أعادت تموضع جنودها أو إعادة جنودها إلى الإمارات ولكن كل هذا الكلام غير دقيق وانما يأتي في سبيل الدعاية السياسية للإمارات خوفاً من عواقب تدخلها العسكري في اليمن على المستوى الدولي وعلى مستوى مهاجمة اليمنيين لها واستهداف مدنها.

أسباب فشل التحالف العسكري السعودي في اليمن؟
أولاً: طبيعة الجغرافيا الصعبة في اليمن، وتنامي قدرات الجيش واللجان الشعبية حالت دون تمكن قوات التحالف من انهاء المعارك في اليمن لمصلحتهم.
ثانياً: السعودية لم تعد قادرة على تحمل المزيد من النفقات العسكرية على حرب اليمن خاصة وانها لم تتمكن من تحقيق اي هدف يذكر.
ثالثاً: أمريكا تدفع نحو استمرار الحرب في اليمن لأن استمراريتها تعني شراء المزيد من الاسلحة وبالتالي انتعاش الاقتصاد الامريكي، لذلك ستحاول واشنطن عدم انهاء الحرب تحت اي ظرف، خاصة وانها لا تشارك جنودها في هذه الحرب بشكل مباشر.
رابعاً: تحولت الحرب في اليمن الى حرب استنزاف بعد ان نجحت صنعاء في توجيه ضربات للسعودية بطيارات مسيرة لمطارات وأماكن حيوية وشن حرب عصابات على الحدود في مناطق عسير ونجران وجازان في ظل عدم قدرة سعودية على خلق معادلة ردع للآن كما ان معارك الحسم العسكري التي تعلن منذ أشهر سواء في السيطرة على الحديدة أم اقتحام صنعاء أم صعدة في ضوء ما يحدث لا تكاد تكون صعبة بل مستبعدة الآن ولا أحد يتصورها وكذلك فإن الموافقة السعودية الأخيرة على القبول بوجود قوات أمريكية ببلادها لا تعبر عن دعم أمريكي حقيقي خاصة أن الحديث عن 3000 جندي وليس تشكيلات قتالية.

في الختام..

الحل العسكري لن ينجح ولن تتمكن السعودية من إعادة المياه الى مجاريها لعدة أسباب أبرزها، أطماع الإمارات في اليمن والتي لن تتخلى عنها بما فيها السيطرة على الموانئ وعلى المضائق المهمة في اليمن والأمر الثاني أن السعودية دمرت الحياة في اليمن وتسببت في كارثة لم يشهدها التاريخ لهذا البلد الفقير وجوعت شعبه وشردته ودمرت بنيته التحتية، ومع ذلك تبحث اليوم عن مخرج ولذلك نعتقد ان الحل السياسي لن يتحقق الا اذا قدمت السعودية الكثير من التنازلات وقد تنجح وقد لاتنجح. فالحرب أتت على كل شيء، ومكلفة، والاقتصادات الخليجية لن تتحمل في ظل إقبال سعودي وإماراتي على مشاريع عملاقة ويخشى الطرفان الرئيسان من مستنقع الاستنزاف يومياً.

المزيد في هذا القسم: