المرصاد نت - رويترز
أوضحت وثائق حكومية وروايات مسؤولين حاليين وسابقين أن إدارة أوباما نفذت صفقة بيع أسلحة قيمتها 1.3 مليار دولار للسعودية العام الماضي رغم تحذيرات من بعض المسؤولين
من إمكانية توريط الولايات المتحدة في جرائم حرب بدعم حملة القصف الجوي التي تقودها السعودية في اليمن وسقط فيها آلاف القتلى من المدنيين.
كما أظهرت رسائل بالبريد الالكتروني وسجلات أخرى حصلت عليها رويترز ومقابلات مع أكثر من عشرة مسؤولين مطلعين على سير المناقشات أن المسؤولين في وزارة الخارجية أبدوا تشككهم في لقاءات غير رسمية في قدرة القوات المسلحة السعودية على استهداف القوات اليمنية دون قتل المدنيين وتدمير “البنية التحتية الحيوية” اللازمة لاستعادة اليمن عافيته.
وقال أربعة مسؤولين حاليين وسابقين إن خبراء القانون بالحكومة الأمريكية لم يتوصلوا بعد لرأي نهائي بشأن ما إذا كان الدعم الأمريكي للحملة الجوية يجعل الولايات المتحدة شريكا في الحرب بمقتضى القانون الدولي وإذا استقر الرأي على هذا الأمر فسيلزم ذلك واشنطن بالتحقيق في الاتهامات الخاصة بارتكاب جرائم حرب في اليمن ولأثار ذلك خطرا قانونيا يتمثل في إمكانية مقاضاة بعض رجال الجيش الأمريكي من الناحية النظرية على الأقل.
وعلى سبيل المثال أشارت إحدى رسائل البريد الالكتروني على وجه التحديد إلى حكم قضائي صدر عام 2013 في محاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلور عن جرائم حرب قضى بتوسيع نطاق التعريف القانوني الدولي للمساعدة على ارتكاب تلك الجرائم والتواطؤ فيها وقضى هذا الحكم القضائي بأن “المساعدات العملية أو التشجيع أو الدعم المعنوي” سبب كاف لتحديد المسؤولية القانونية عن جرائم الحرب. وتوصلت المحكمة إلى أنه ليس على المدعين إثبات مشاركة أحد المتهمين في جريمة بعينها.
ومن المفارقات أن الحكومة الأمريكية نفسها قدمت الحكم الصادر بحق تيلور إلى لجنة عسكرية في قاعدة خليج جوانتانامو في كوبا لدعم رأيها القانوني أن خالد شيخ محمد وغيره من المعتقلين من أفراد تنظيم القاعدة متواطئون في هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 وتسلط هذه المعلومات التي لم يكشف عنها من قبل الضوء على النقاش الدائر خلف أبواب مغلقة الذي صاغ رد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على ما وصفها المسؤولون بمعضلة مفجعة في السياسة الخارجية وتتلخص في كيفية تهدئة المخاوف السعودية من الاتفاق النووي مع إيران خصمها اللدود دون تفاقم الصراع في اليمن.
وتحمل الوثائق التي حصلت رويترز عليها بمقتضى قانون حرية المعلومات تواريخ من منتصف مايو آيار عام 2015 إلى فبراير شباط عام 2016 وهي الفترة التي درس فيها المسؤولون في وزارة الخارجية صفقة بيع الذخائر عالية الدقة في إصابة الأهداف للسعودية ووافقوا عليها للتعويض عن مخزون القنابل الذي استخدم في الغارات على اليمن وتعرضت الوثائق لعملية تنقيح واسعة لحجب معلومات سرية وبعض تفاصيل الاجتماعات والمناقشات.
وأسفرت غارة جوية للعدوان على عزاء في اليمن يوم السبت الماضي عن مقتل أكثر من 140 شخصا لتسلط الضوء من جديد على الخسائر البشرية الكبيرة بين المدنيين التي يرتكبها تحالف العدوان الذي تقوده السعودية ومسؤوليته عن الهجوم الذي أدى إلى أعنف رد لفظي من واشنطن حتى الآن إذ قالت أنها ستراجع دعمها للحملة “بما يتفق بشكل أفضل مع المبادئ والقيم والمصالح الأمريكية.”
وتكشف وثائق وزارة الخارجية تفاصيل جديدة عن الكيفية التي مارست بها الولايات المتحدة الضغط على السعوديين للحد من الخسائر بين المدنيين رغم شكوك المسؤولين فيما إذا كانت القوات المسلحة السعودية لديها القدرة على تحقيق هذا الهدف وقال مسؤول أمريكي إن الخبراء القانونيين بوزارة الخارجية استشاطوا غضبا مع تزايد أنباء الخسائر في صفوف المدنيين في اليمن خلال 2015 وقالت جماعات بارزة لحقوق الإنسان إن واشنطن قد تكون متورطة في جرائم حرب وطلب ذلك المسؤول وغيره من المسؤولين عدم نشر أسمائهم.
وخلال اجتماع عقد في أكتوبر تشرين الأول 2015 مع جماعات حقوقية خاصة اعترف خبير من وزارة الخارجية متخصص في حماية المدنيين في الصراعات بأن الضربات السعودية حادت عن مسارها ونقل تقرير لوزارة الخارجية حول الاجتماع عن هذا الخبير قوله إن “الضربات ليست عشوائية عن قصد بل ناتجة عن نقص الخبرة السعودية في إسقاط الذخائر وإطلاق الصواريخ.”
وأضاف “ومما يزيد نقص الخبرة السعودية سوءا الوضع غير المتناسق على الأرض حيث لا يرتدي مقاتلو المعتدي عليه زيا عسكريا ويختلطون بالسكان المدنيين وعلى الأرجح أن ضعف الاستخبارات يؤدي إلى تفاقم المشكلة وقد وصفت الحكومة السعودية الاتهامات عن الخسائر المدنية بأنها ملفقة أو مبالغ فيها ورفضت دعوات إلى إجراء تحقيق مستقل.
وقال التحالف الذي تقوده السعودية إنه يأخذ مسؤولياته بمقتضى القانون الإنساني الدولي بكل جدية وملتزم بحماية المدنيين في اليمن. وامتنعت السفارة السعودية في واشنطن عن التعليق.
وفي تصريح لرويترز بعد الهجوم الذي وقع يوم السبت قال نيد برايس المتحدث باسم مجلس الأمن القومي إن “التعاون الأمني الأمريكي مع السعودية ليس شيكا على بياض … فقد أبدينا مرارا قلقنا العميق من الضربات الجوية التي تردد أنها أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين وكذلك الثمن الكبير الذي يدفعه الشعب اليمني على الصعيد الإنساني وأضاف أن الولايات المتحدة تواصل حث المملكة على اتخاذ خطوات إضافية لتجنب “الإضرار بالمدنيين مستقبلا”.
ومنذ مارس آذار 2015 وافقت واشنطن على مبيعات أسلحة تتجاوز قيمتها 22.2 مليار دولار للرياض لم يتم تسليم جانب كبير منها ومن تلك الأسلحة صفقة بيع ذخائر موجهة لإصابة الأهداف بدقة قيمتها 1.29 مليار دولار أعلن عنها في نوفمبر تشرين الثاني عام 2015 والغرض منها بالتحديد التعويض عن المخزونات المستهلكة في حرب اليمن.
وقال المسؤولون إن وزارة الدفاع ومكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية أبديا ميلا في مناقشات داخلية للحفاظ على العلاقات الطيبة مع الرياض في وقت تزايدت فيه حدة الاحتكاكات بسبب الاتفاق النووي مع إيران.
ومن ناحية أخرى قال مسؤول آخر إن مكتب المستشار القانوني لوزارة الخارجية أبدى قلقه بشأن التورط الأمريكي في انتهاكات سعودية محتملة لقوانين الحرب وأيده في ذلك خبراء حقوق الإنسان في الحكومة الأمريكية. ولم تستطع رويترز تحديد توقيت هذا التحذير والشكل الذي كان عليه.
وقال ثلاثة مسؤولين إن قيام الولايات المتحدة بتزويد طائرات سلاح الجو السعودي بالوقود في الجو وما تقدمه من دعم لوجيستي ينطوي أكثر من مبيعات الأسلحة على خطر جعل الولايات المتحدة شريكا في الصراع اليمني بمقتضى القانون الدولي.
وقال مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في أغسطس آب إن حوالي 3800 مدني لقوا مصرعهم في اليمن وإن ضربات جوية بقيادة السعودية على أسواق ومستشفيات ومدارس كانت سبب 60 في المئة من عدد القتلى لكنه امتنع عن توجيه الاتهام بارتكاب جرائم حرب لتحالف وقال إن هذا الأمر من اختصاص محكمة وطنية أو دولية.
وأوضحت رسائل البريد الالكتروني أن البيت الأبيض عقد اجتماعا في أغسطس آب عام 2015 لبحث أفضل السبل في التواصل مع السعوديين حول تزايد الخسائر البشرية بين المدنيين في بادرة على تزايد القلق جراء تلك المسألة. وفي ذلك الشهر نفسه اجتمع مسؤولون بوزارة الخارجية لبحث كيفية متابعة تلك الخسائر.
وأظهرت رسالة بالبريد الالكتروني لأحد مساعدي انتوني بلينكن نائب وزير الخارجية أن بلينكن رأس في أواخر يناير كانون الثاني 2016 اجتماعا مع مسؤولين من مختلف إدارات الوزارة لبحث موضوعات من بينها “خيارات الحد من الانكشاف الأمريكي فيما يتعلق بالمخاوف الخاصة بقانون الصراع المسلح.”
ويحظر قانون الصراع المسلح – وهو مجموعة من القوانين والمعاهدات الدولية – مهاجمة المدنيين ويلزم الأطراف المتحاربة بالعمل على تقليل القتلى والخسائر المادية في صفوف المدنيين إلى أدنى حد ممكن.”
وقال المسؤولون إنه رغم الحفاظ على العلاقات العسكرية مع الرياض فقد حاولت إدارة أوباما تقليل الخسائر المدنية وذلك بتقديم قوائم بأهداف لا يجب ضربها إلى الجانب السعودي لتجنب مهاجمتها وأوفدت إلى السعودية خبيرا أمريكيا في التخفيف من الخسائر المدنية وطالبت بإجراء مباحثات لإحلال السلام.
وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية “إذا كنا سندعم التحالف فعلينا أن نقبل درجة من المسؤولية عما يحدث في اليمن ونمارس تلك المسؤولية على النحو السليم.”
وقال مسؤول ثان كبير إن إحدى هذه القوائم سلمت للسعوديين في الفترة من منتصف إلى أواخر عام 2015 وتضمنت منشآت للمياه والكهرباء والبنية التحتية الحيوية لتوصيل المساعدات الإنسانية.
وجاء في رسالة بالبريد الالكتروني لوزارة الخارجية أن البيت الأبيض أمر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في منتصف أكتوبر تشرين الأول عام 2015 بتجميع قائمة منفصلة “للبنية التحتية الحيوية” التي يجب عدم المساس بها.
وأوضحت صياغة أولية سرية لنقاط رئيسية وضعت في الشهر نفسه لاستخدامها في الحوار مع المسؤولين السعوديين أن ضرب المواقع المتضمنة في القائمة قد “يلحق ضررا بالغا بقدرة اليمن على التعافي بشكل سريع” من الحرب.
وقالت إحدى هذه النقاط “نحن نحثكم على ممارسة أقصى درجات الحيطة في عملية تحديد الأهداف وأخذ كل الاحتياطات لتقليل الخسائر بين المدنيين والأضرار للبنية التحتية المدنية.”
وقالت منظمة أوكسفام الدولية الخيرية إن قنابل تحالف العدوان دمرت الجسر الرئيسي الواصل من ميناء الحديدة إلى العاصمة صنعاء والذي يمثل طريقا رئيسيا للإمدادات من المساعدات الغذائية الإنسانية وذلك بعد انهيار محادثات وقف إطلاق النار في أغسطس آب واستئناف الضربات الجوية.
وقال مسؤول أمريكي آخر إن هذا الجسر كان على إحدى القوائم الأمريكية ولم تطلع رويترز على تلك القوائم.
وقال المسؤولون إن واشنطن أوقفت في مايو آيار مبيعات للرياض من الذخائر العنقودية التي تطلق عشرات القنابل الصغيرة وتعتبر شديدة الخطورة بصفة خاصة على المدنيين.
ويحث أكثر من 60 عضوا من أعضاء مجلس النواب الأمريكي أوباما على وقف صفقة سلاح جديدة للسعودية. وفشلت محاولة لتعطيل تلك الصفقة في مجلس الشيوخ الأمريكي في 21 سبتمبر أيلول ويقول بعض المنتقدين إن النهج الذي اتبعته الإدارة الأمريكية قد فشل.
وقال تيد ليو عضو الكونجرس الديمقراطي عن كاليفورنيا وهو مدع عسكري سابق “في قانون الحرب من الممكن أن تكون مذنبا بالمساعدة في ارتكاب جرائم حرب والتواطؤ فيها وعند نقطة ما … ستظل الأدلة تتزايد وأعتقد أن الإدارة الآن في وضع ضعيف.”
المزيد في هذا القسم:
- لوموند :الحرب التي تقودها السعودية بضوء أمريكي على اليمن حرب “قذرة” المرصاد نت - لوموند وصفت صحيفة “لوموند” الفرنسية في عددها الصادر اليوم الجمعة الحرب التي تقودها السعودية على اليمن بأنها حرب “قذرة” ...
- صحيفة خليجية تكشف عن أسوء المعتقلات والسجون في دول الخليج وتكشف عن حجم معاناة المعتقلين ال... سجون الخليجكشفت ” صحيفة شؤون خليجية ” الإلكترونية في تقرير صحفي عن ملف السجون سيئة السُمعة في دول الخليج أبرزها السعودية وقطر ومعاناة المعتقلية وحقوقهم السلوبة ...
- قواعـد عسكريـة بغطـاء "تحالـف العدوان" فـي قلـب بـاب المنـدب ! المرصاد نت - متابعات تحت غطاء مساندة ماتسمي بالشرعية خضعت المنافذ البحرية الاستراتيجية في البحر الأحمر وباب المندب لسلطة وإشراف قوات عسكرية إماراتية وسعودية و...
- رسائل عُمانية للإمارات: حدود نفوذكم خارج المهرة المرصاد نت - متابعات تثير التحركات الإماراتية في محافظة المهرة شرق اليمن مخاوف لدى السلطات العُمانية التي تعتبر هذه المحافظة جزءاً من مجالها الحيوي. وفي مح...
- الحوثي يوجه دعوة عاجلة للفنان عطروش المرصاد-متابعات وجه عضو المجلس السياسي الأعلى القيادي “محمد علي الحوثي” دعوة إلى فنان اليمن الكبير “محمد محسن عطروش” لزيارة صنعاء من أن يتم معالجته من ...
- اليمن.. ما الذي يعنيه سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا على شبوة؟ المرصاد-متابعات بدت المعارك الأخيرة التي حسم فيها المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا سيطرته على محافظة شبوة، جنوبي شرق اليمن، معركة مؤجلة منذ أغسطس/آب 2019 بعد ...
- الإمارات.. بين دعم الإرهاب ولعبة «التقسيم» المرصاد نت - متابعات لم يعد خافياً على أحد ما يرسم له النظام الإماراتي من توسيع للسيطرة وتعزيز للنفوذ في العديد من الدول العربية ظناً منه أنه قادر بما يملك من...
- الحراك التهامي يرفض نقل الحجوري الى الحديدة ويحذر المجتمع الدولي من خطورة هذا الأجراء خاص: رفض الحراك التهامي ما تناولته الانباء عن وجود قرار رئاسي لحلول الأنهاء للقتال الدائر بمحافضة صعده مفاده انتقال يحيى الحجوري وجماعته المس...
- رسالة نارية من ناطق الجيش إلى النظام السعودي المرصاد نت - صنعاء وجه الناطق الرسمي للقوات المسلحة والامن العميد الركن شرف غالب لقمان رسالة نارية إلى النظام السعودي كشفت حجم العنجيهة المزيفة التي يحاول ...
- "ميدي" تعمق جراح السعوديين وتفاقم أزمة البشير المرصاد نت - إبراهيم الوادعي ميدي شمال اليمن على الحدود السعودية اليمنية، الثامن عشر من يناير 2018م. المكان : مكرر منذ 3 سنوات شمال صحراء ميدي. التوقيت : ا...