المرصاد نت - متابعات
كوكبان - اليمن ظلت القلعة الملكية الواقعة في أعلى أحد الجبال هنا شمال غرب اليمن محصنة من جيوش المحارب الإسلامي صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الهجري.
وبعد أربعمائة عام من احتلالي المصريين والعثمانيين الأتراك ظلت القلعة على حالها وعبر أجيال من الحكام والحروب، ضلت أسوارها سليمة.
وحتى فبراير الماضي وقبيل الفجر أطلق طيران تحالف العدوان بقيادة السعودية المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية أربعة صواريخ على كوكبان وقتل سبعة من أبناء المدينة التي تقع في حصن القلعة ودمرت بوابتها التاريخية. وخلف حطام الأسوار أصبحت المنازل- التي بنيت قبل سبعمائة سنة والتي تشتهر بالهندسة العمرانية المذهلة- أكوام من الركام.
وفي أرجاء هذه الدولة التي مزقتها الحروب دمرت أيضا المصانع والمستشفيات ووحدات الكهرباء مما يهدد مستقبل اليمن. وفي كوكبان وأماكن أخرى أصبحت الأثار والعمران التاريخي ركاما.
وقال المواطن احمد الأشوال الشهر الماضي:” وقعت حروبا في الماضي، لكنها لم تكن مطلقا مثل هذه.”
وخلال الـ 21 شهرا الماضية قتل آلاف المدنيين في العدوان على اليمن وتزداد الأزمة الإنسانية حدة. لكن اليمنيون- الذين يدركون مكانة هذه الدولة كواحدة من أقدم الحضارات التي يعود تاريخها إلى قرون قبل الميلاد- عبروا عن غضبهم جراء الخسائر التراثية. أضف إلى ذلك، خربت أو دمرت الجماعات الإسلامية المتطرفة المساجد القديمة والكنائس ونهبت المتاحف أيضا. واستهدفت الضربات الجوية المواقع التاريخية التي تصنفها منظمة اليونسكو أثرية.
وهناك ثمة إجماع على أن الهجمات إهانة لعزة اليمن وكرامته جلبه للبلد جيران أغنياء بالموارد النفطية ويحضون بدعم دولي لكنهم يفتقرون إلى الموروث الثقافي. وتهدد الضغينة بتعقيد جهود السلام، بينما يشل الدمار عائدات السياحة في المستقبل، والتي تعتبر حتمية من أجل إعادة إعمار البلد.
وقال محمد أحمد السياني، الذي يدير الهيئة الحكومية للمتاحف والآثار ” تأخذ الندوب وقتا طويلا لتلتئم.” وحسب بيانات السياني استهدف حوالي 85 موقعا تاريخيا” بشكل مباشر أو غير مباشر” منذ اندلاع العدوان علي اليمن في مارس 2015.
ويسعى تحالف دول العدوان بقيادة السعودية مدعوما بمعلومات استخباراتية وتدريبات ودعما اخر من البنتاجون لإعادة الرئيس هادي وتخشى الدول الإسلامية السنية من حكومة دينية للحوثيين والدعم المزعوم من الحكومة الإيرانية الشيعية. وتزيد أفعال فرع القاعدة في اليمن وظهور جماعات الدولة الإسلامية الطين بلة.
وتقول رضية المتوكل مديرة منظمة مواطنة الحقوقية والتي وثقت تدمير 17 موقعا تاريخيا واثريا:” لم تبد الأطراف أي نوع من الاهتمام بالقيمة التاريخية لهذه المواقع وفي بريد الكتروني أرسل له امتنع المتحدث باسم تحالف العدوان الذي تقوده السعودية التعليق عن هجوم كوكبان لكنه أنكر أن قوات التحالف تستهدف مواقع تاريخية.
وقال عسيري أن تحالف العدوان يتدخل في اليمن من أجل حماية الحقوق المستقبلية وأمن وازدهار الشعب اليمني وليس لدينا أي مصلحة في تدمير أي جانب من اقتصاد اليمن او الموروث الثقافي وامتنع كذلك كريستوفر شرود المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية من التعليق، مشيرا :” الجيش الأمريكي لا يشارك في الاستهداف، سواء اختيار الاهداف أو اشتباك الأهداف” في دعمنا لتحالف العدوان بقيادة السعودية.
ظلت كوكبان في مختلف العصور معقلا للشيعة الزيدية التي ينتمي إليها الحوثيين حيث دحر الحكام الزيود مختلف المحتلين الأجانب عبر القرون وعندما اندلعت الحرب الأهلية في الستينات، كانت القلعة واحدة من المعاقل الأخيرة، واستسلمت مؤخرا للحكومة الجديدة. ويقول محليون أن المدينة قصفت في ذلك الوقت لكن كانت الخسائر أقل.
ووقع الهجوم بينما كان محمد البحيري يستعد لصلاة الصبح وعندما اهتز منزل أسرته المبني من الطين وتحطمت النوافذ، لجأ إلى غرفة المعيشة للنوم مع زوجته وخمسة أطفال صغار. ويقول البحيري وهو مدرس:” سمعنا الطيران ورأينا ومضات الضوء من النوافذ ثم لحقت الضربة الثانية وأمضينا وقتنا وكأننا في فيلم رعب.”
لكن لم ينجو سليم العمشا البالغ من العمر 87 عاما. حيث يقول الولد تعرض أبيه لإحدى المواد الحادة التي سقطت من السقف عليه وهو مريض على سريره ويقول كان لا يزال يتنفس عندما سحب من الركام لكنهم تأخروا ساعتين في المدينة بانتظار ازالة الركام من البوابة ويقول العمشا: مات أبي في طريقه إلى المستشفى،” وظهر على وجهه الكرب وهو يحدق في بانوراما الدمار قسمت المنازل إلى قسمين: النصف الأول عبارة عن ركام كأنه سحق بقدم عملاقة وتحت الركام يعيش من تبقى على قيد الحياة.
ومات طفل عمره 12عاما في الهجوم
في المقابلات يقول المحليون لم يتمركز في المدينة اي من أنصار الحوثي أو صالح ولم نجد في تجوالنا داخل المدينة أي علامة لمخازن أسلحة أو نشاط عسكري لكن يقول باحثين احتل المتمردون بعض المواقع التاريخية الهامة التي استهدفتها طائرات التحالف منها سد مأرب التاريخي ويقع شمال مدينة مأرب ومسجد الحسيني والمتحف العسكري الشهير في مدينة عدن الساحلية.
وأنكر عبدالملك العجري وهو مسئول سياسي حوثي، أن المتمردينن يستخدمون مواقع تاريخية كقواعد لهم أو من أجل تخزين الأسلحة. وقال أن السعودية كانت تستهدف المواقع التاريخية” بسبب الحقد والكره لأنه ليس لديهم تاريخ أو موروث تاريخي.”
ويدحض السياني هذه المزاعم مستشهدا بمأرب وعندما تذمر من توزيع مدافع المتمردين بالقرب من المواقع التاريخية، قال إنه أخبر أنهم هناك من أجل حماية موروث البلد ويقول:” الحقيقة ضايقنا هذا أي تواجد مسلح يمكن أن يستخدم كذريعة من أجل الهجوم لكن من الصعب أن نقنع المقاتلين أن التمركز في أو بالقرب من المواقع التاريخية خطأ.”
وفي الجنوب قام مسلحون من القاعدة والدولة الإسلامية بتدمير أضرحة القبور والكنائس كما يفعل أصحاب عقيدتهم في استهداف الأضرحة في سوريا والعراق. وفي محافظة حضرموت، يقول السياني دمر على الأٌقل 13 موقع تاريخي يعود تاريخها إلى مئات السنين.
وفي العام الماضي استخدم المتطرفون المعاول والجرافات في تدمير قبر البجبار واستخدموا سيارة مفخخة لتخريب البيوت التاريخية في المدينة المسورة شبام التي تصنفها اليونسكو على أنها أقدم ناطحات سحاب بسبب علوها وارتفاع مبانيها الطينية. وفي محافظة لحج، دمر المسلحون ضريح الولي الصوفي الذي دفن فيه قبل 800 عام.
وفي حديثه عن الدمار يتقطع صوت السياني متأثرا. ثم تساءل غاضبا لماذا لم تحض الاثار اليمنية بنفس الاهتمام الذي حضي به تدمير المساجد والكنائس ومواقع العصور الوسطى عندما قامت الدولة الإسلامية بتخريبها في العراق وسوريا.
ويقول:” لماذا كل هذا الصمت الدولي؟”
وفي العاصمة صنعاء يوجد حي صنعاء القديمة- وهو أيضا ضمن المواقع الأثرية في قائمة اليونسكو- لأنها مسكونة من قبل 2500 عام. ويقول نبيل عبدالحميد أنه يفعل كما فعل أجيال من عائلته قبله اعتاد أن يصحو يوميا ليرى المنظر الجميل الذي تشكله صفوف المباني المبنية من الطوب المحروق والمزينة بالقمريات والأشكال الهندسية الجميلة.
لكن يبدو المشهد الان غريبا كأسنان مفقودة بعد الضربة الجوية العام الماضي، تحطمت أربع مباني وهناك مخاوف من تأثر أسس المنازل المجاورة.
ويقول عبدالحميد: ” لم نتوقع منهم ان يستهدفوا المدينة القديمة, كأنهم ينتقمون من الحضارة اليمنية.”
ولدى الكثير في كوكبان نفس الشعور. حيث توقف تدفق السواح بسبب الاختطاف والإرهاب. وقطعت ضربة فبراير أي أمل في انتعاش السياحة.
وفي الصعود إلى كوكبان هناك من رسم العلم الأمريكي على منعطفات الطريق .
سودارسان راغافان - صحيفة” واشنطن بوست” الأميركية - ترجمة : محمود السامعي
المزيد في هذا القسم:
- شهادة في الوقت الضائع .. مذبحة العلم ليست الأولى ولا الأخيرة. كل مذابح اليمنيين وإبادتهم ... المرصاد-متابعات كشف السياسي ووزير النقل المستقيل من “حكومة هادي”، صالح الجبواني، عن المتسبب الأول في مقتل وإصابة 300 مجندا من “قوات هادي” بغارات ...
- الحرب والمفاوضات ومآلاتها.. محطة ستوكهولم واتفاق الحديدة"3" المرصاد نت - متابعات البحر الأحمر وحروب السيطرة .. – ستشرف لجنة تنسيق إعادة الإنتشار على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة وستشرف أيضا على إزالة الألغام م...
- الناتو: أمريكا شريكة في المجازر التي ترتكبها السعودية في اليمن المرصاد نت - متابعات أكد مسؤول كبير في حلف شمال الاطلسي ” الناتو” أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة في المجازر التي ترتكبها السعودية في اليمن. ...
- وزير الحرب الامريكي : يجب ايقاف الهجمات الصاروخية للحوثيين على السعودية المرصاد نت - متابعات أعلن وزير الحرب الأميركي جيمس ماتيس في تصريحات له عقب وصوله الرياض اليوم الثلاثاء أنه يجب وقف الهجمات الصاروخية لمن أسماهم الحوثيين نهائي...
- السيــد الجمهوري عبد الملك الحوثي:- ننادي بالتعجيل في المصالحة الوطنية - الدولة التي ننشد... نادى السيد عبد الملك الحوثي كافة القوى السياسية اليمنية الى التعجيل بالمصالحة الوطنية بين مكونات الشعب اليمني لما تمكنه من ايجاد توجه ايجابي لتنفيذ مخرجات...
- مجزرة الجوف .. عندما تقتل الأمم المتحدة اليمنيين بصمتها! المرصاد نت - متابعات تجرد التحالف من كل القيم الإنسانية والدينية، وتجاوز حدود وقوانين الأرض والسماء، من دون رادع، لتكرمه الأمم المتحدة باستبعاد السعودية من قا...
- القوات اليمنية المشتركة تعد الإمارات بالهزيمة في الحديدة المرصاد نت - متابعات في محاولة لهزم سلطات صنعاء نفسياً وإعلامياً أعلنت الإمارات انتهاء المهلة الممنوحة للجهد السياسي توازياً مع الدفع بتعزيزات ضخمة إلى جنوب م...
- انتهاء جلسة المفاوضات اليمنية الثانية في الكويت المرصادنت - الكويت انتهت قبل قليل جلسة المفاوضات اليمنية الثانية المنعقدة في دولة الكويت وسط تأكيد الوفد الوطني على ضرورة الإلتزام بوقف إطلاق النار. وأفاد ...
- اليمن مقبرة الغزاة .. من يذهب إليها لا يعود ! المرصاد نت - متابعات لم تكد تنتهي مدة الثلاثين يومًا التي حددتها الولايات المتحدة لتحالف العدوان "السعودي - الإماراتي" لإنهاء حرب اليمن والتي تنتهي فعليًا في ...
- اليمن إلى أين .. مع الإدارة الأمريكية الجديدة وإلى أين تسير تحركات الحلف المشؤوم ؟ المرصاد نت - خاص ها هو العالم يطوي حقبة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" والتي أشعلت المنطقة بحروب الجيل الرابع بالربيع العربي الدموي والدعشنة والتي أسقطت أنظمة...