المرصاد نت - خليل كوثراني
لم يخرج الإنكليز من اليمن راضين مرضيين. عام 1967 أجبرتهم جبهة التحرير والجبهة القومية بدعم يمني شمالي ومصري ناصري على الخروج قبل الموعد المحدد تحت وطأة العمليات العسكرية ومقاومة رفاق راجح لبوزة وقحطان محمد الشعبي وعبدالله الأصنج.
مقاومة تأخرت انطلاقتها بصورة الكفاح المسلح الشامل المتدفق من جبال ردفان في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1962 أكثر من 120 عاماً في ظل استعمار هو من الأطول في تاريخ المنطقة.
قدّم اليمن وقتها انتصاراً حاسماً لمصلحة المعسكرين الاشتراكي والناصري إلا أن الجغرافيا الاستراتيجية ظلت محل أطماع القوى الغربية في مقدمها المستعمر القديم: بريطانيا نفسها. اليوم، وفي لحظة إعادة تشكيل المنطقة لا يكتفي البريطانيون بقواعدهم العسكرية في الخليج العربي. تتطلع المملكة المتحدة إلى حجز مكانها بجانب الأميركيين واستعادة موطئ قدم إضافي عند تقاطع المنافذ الاستراتيجية المائية من حول باب المندب.
تتحدث مصادر أمنية يمنية عن مسعى بريطاني حثيث للعب دور في تلك المنطقة ولا سيما في ملف الملاحة البحرية الدولية يكون منطلقه قاعدة دائمة في عاصمة الجنوب اليمني عدن.
وترصد «أنصار الله»، وفق مصادر في الحركة تحركات بريطانية «مشبوهة» منذ أشهر في المياه الإقليمية والمنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج مروراً ببحر العرب. تتضافر الدلالات على اهتمام بريطاني باستعادة أدوار قديمة عند المنافذ البحرية الاستراتيجية في أكثر من نقطة من بينها اليمن. وفي جنوب اليمن تحديداً يعتقد البريطانيون على ما يبدو أنها اللحظة «المثالية» لاستعادة شيء من المكاسب السابقة. في المعلن تبرز بعض الأخبار التي تعزز المخاوف اليمنية من المطامع البريطانية وإمكانية بناء القاعدة العسكرية. منها
زيارة وفد عسكري بريطاني برفقة آخر سعودي لعدن قبل أسابيع وقيامهما بـ«جولة استطلاعية». حينها لم تقنع الكثيرين تصريحات رسمية خرجت على لسان قائد القوى البحرية والدفاع الساحلي في القوات الموالية لهادي عبدالله سالم النخعي وضعت الجولة في إطار تقديم الدعم العسكري اللازم وإعادة بناء وتأهيل وتدريب منتسبي القوى البحرية «وخاصة المجندين الجدد المرقمين أخيراً والبالغ عددهم قرابة ألف مجند للقيام بمهمات تأمين خليج عدن وباب المندب والمياه الإقليمية». وأكد الجنرال النخعي «تلقي القوات البحرية اليمنية وعوداً بالدعم من بريطانيا»، مضيفاً أن «وفداً عسكرياً من المملكة المتحدة زار القوى البحرية مطلع الشهر الماضي، وعرض تقديم مساعدات لإعادة بناء وتأهيل القوات البحرية اليمنية».
بالعودة إلى المصادر الأمنية فإن القوات المشار إليها يراد لها أن تكون جزءاً من ترتيبات أمنية وعسكرية على طول المنطقة البحرية الاستراتيجية تخضع لإدارة بريطانية يرجح أن تعمل من مقر البحرية اليمنية في منطقة التواهي بعدن. وفي الأخبار المعلنة كذلك، تحرص بريطانيا على التحذير من «الخطر المتزايد» على سفن الشحن التجاري في باب المندب وخليج عدن. أحد هذه التحذيرات تضمّن عبارة تلمّح إلى المساعي البريطانية تلك عبر القول إن «هناك حاجة إلى تخطيط صارم للعمليات في المياه المحيطة باليمن».
هذه الأطماع إن صحت المساعي إليها في الوقت الراهن ظلت على الدوام مطلباً بريطانياً حتى لحظة الخروج من اليمن. يقال إن البريطانيين غداة خروجهم من اليمن الجنوبي قبل 50 عاماً (تشرين الثاني/ نوفمبر 1967) ألحّوا على الثوار بتوقيع اتفاق على إبقاء قواعد عسكرية «ولو رمزية» مقابل خمسة ملايين دولار لخزينة الحكومة المشكلة حديثاً من قيادات جبهة الثورة. إلا أن مطلبهم أجهض وقوبل برفض صارم من حكومة «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية» كما ستعرف لاحقاً. وظلت العين على الجزر اليمنية الاستراتيجية مع محاولات لانتزاع بعضها من اليمن، كما تؤكد الوثائق التاريخية (منها: جزيرة كمران وجزر بريم وكوريا موريا).
يصر سياسيون يمنيون على التحذير الدائم من المشاريع البريطانية لبلادهم ومن بينها التقسيم ويؤكدون أن الإنكليز لديهم «تركات» في اليمن أبرزها رعاية بعض الزعامات السياسية أو القبلية التي كانت متعاونة معهم وللمفارقة أن من بين هؤلاء والد هادي الشيخ القبلي النافذ في أبين (اللافت أن مصادر تتحدث عن مساعدة المخابرات البريطانية لهادي في هروبه من العاصمة صنعاء عام 2015 والجدير بالذكر أن هادي درس في بريطانيا بعد حصوله إبان عهد الاستعمار على منحة دراسة عسكرية هناك، بعد أن عمل مرافقاً لضابط عسكري بريطاني في اليمن).
الواقع الأمني والسياسي في الجنوب اليمني اليوم يشبه بحسب حديث سياسيين يمنيين تماماً خريطة الأوضاع إبان الاستعمار البريطاني. وتظهر المقارنة التاريخية استعادة الإماراتيين الأوراق البريطانية نفسها في تلك الحقبة، وخصوصاً أسلوب تفريخ التشكيلات العسكرية ومجالس الحكم المناطقية المتفرقة وإحكام السيطرة على الجزر الاستراتيجية. وتجزم مصادر يمنية أمنية بصحة معلومات حول وجود ضباط ومستشارين في عدن يلعبون دور الدعم اللوجستي والاستشاري والإشراف على نشاط «التحالف» السعودي الإماراتي، ولا يصرح عن نشاطهم علناً كما هي حال المشاركة الأميركية في الحرب.
بين 14 أكتوبر 1962 و14 أكتوبر 2017 متشابهات وفيرة وفوارق شاسعة في آن. انقلبت الصورة في اليمن الجنوبي وانقلبت مفاهيم وتبدلت أدوار وبقي المشترك بين زمنين: الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية بما تتوافر عليه من موقع استراتيجي وثروات، ساحة لعبث الغرباء ومسرحاً للأطماع ونهب المهيمنين القدماء والجدد.
«الزمن الجميل» لآخر جبهات التحرير والتحرر من أطول الاستعمارات في المنطقة (128 عاماً)، ذهب مع انحسار المدين اليساري والناصري. ما بقي من تلك الحقبة مسميات وشعارات ونجمة حمراء أعيد «تدويرها» اليوم تحت المسمى نفسه: «المقاومة الجنوبية» ولو كانت «مقاومة» من خندق المحتلين الجدد. والمحتلون هؤلاء «محرِّرون» وفق مقتضيات انقلاب المفاهيم وتبدل الأدوار. بالعودة إلى عام 1962 عام اندلاع الثورة اليمنية ضد المستعمر البريطاني، يتكرر مشهد اليوم المتمثل بطابور طويل من المنتفعين والمهادنين للمستعمر من إمارات وسلطنات ومشيخات وميليشيات. لكن مع استعادة تاريخ ليس بقديم فإن الطامعين ليسوا بمأمن من خروج مقاومة جدية تلاقي ثورة حقيقية في الشمال، ولو بعد عشرات السنين وهو ما يشهد عليه 14 أكتوبر من كل عام.
المزيد في هذا القسم:
- تسحب قواتها وتبقى مليشياتها .. الإمارات والأدوار المثيرة للجدل ! المرصاد نت - متابعات في بداية تموز/ يوليو الماضي نشرت وكالات الأنباء، ومواقع التواصل الاجتماعي أخباراً عن اعتزام الإمارات سحب جزء من قواتها التي تقاتل في اليم...
- أمسيات ثقافية وفنية في عدن المرصاد-متابعات يواصل مكتب الثقافة بمدينة عدن (جنوب اليمن)، اليوم السبت، تنظيم أمسياتٍ ثقافية وفنية، بدأ بتنفيذها الأسبوع الماضي. وبحسب مسئولي المكتب، فإن الأ...
- انفجار سيارة في جولة كالتكس في المنصورة بعدن المرصاد نت - عدن انفجرت سيارة نوع صالون ظهر اليوم الجمعة بجولة كالتكس في مديرية المنصورة بمدينة عدن جنوب البلاد . ونقلت مواقع إعلامية مقربة من العدوان عن ش...
- مجزرة الأطفال بصعدة هزت مجلس الامن ..ماذا عن الدول العربية والإسلامية؟ المرصاد نت - متابعات استنكرت منظمات دولية و حقوقية المجزرة التي ارتكبها العدوان السعودي الاميركي الصهيوني بحق اطفال ضحيان اما الدول والشعوب العربية والإسلامية...
- تحركات قادمة لـ 'ولد الشيخ' لاستئناف العملية السياسية في اليمن المرصاد نت - متابعات قالت مصادر مطلعه إن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد سيبدأ خلال الأيام القادمة جولة جديد لاستئناف العملية السياسية في اليم...
- البيان رقم 1 السعودية تنصب الجنرال الاحمر رئيساً لقصر المعاشيق المرصاد نت - سليمان ناجي آغـــا فيما يشبة البيان رقم واحد لتنصيب الجنرال العجوز علي محسن الأحمر رئيساً لبعض منطاق الجنوب بث تلفزيون اليمن المستنسخ من الرياض...
- من وحي خطاب القائد .. اليمنيون رجال إسلام لا إستسلام المرصاد نت - صادق البهكلي أتى الخطاب المهم في ذكرى مهمة وعزيزة وغالية على قلوب اليمنيين وفي مرحلة زمنية يستدعي اليمنيين فيها مواكب المجد ويستذكرون فيها ب...
- الجنوب نحو الفوضى والصراع على النفوذ المرصاد نت - أحمد الحسني انفراط عقد الشراكة بين الحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي من جهة وبين حكومة هادي من جهة أخرى بعد القرارات التي اتخذها هادي وقضت بإبعاد ...
- منظمة حقوقية تطالب بإنقاذ المعتقلين بسجون الإمارات في عدن ! المرصاد نت - متابعات طالبت منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان في العالم العربي (غير حكومية مقرها أمستردام) الأربعاء الأمم المتحدة بالتحرك العاجل لإنقاذ حياة ال...
- إصابة أمير سعودي بطلق ناري في الربوعة متابعات : أصيب أمير سعودي خلال مواجهات بمدينة الربوعة بعسيرعندما حاول العدوان السعودي الزحف تجاه المدينة . وقالت مواقع مقربة من العدوان بإن “الأمي...