المرصاد نت - متابعات
شاركتُ الأسبوع الفائت في حلقة أبحاث نظّمتها أكاديمية باريس للجيبولتيك في البرلمان الأوروبي في بروكسيل حول "مستقبل العلاقات اليمنية الأوروبية".
حاولتُ في ورقتي البحث عن مخارج للحرب الوحشية التي يشنّها التحالف السعودي على اليمن. وخلصتُ إلى معادلة تقول إن الخروج من الحرب يتم في ضوء الرِهانات التي انعقدت عليها.
ثلاثة رهانات عقدها التحالف السعودي على هذه الحرب لا تظهر كما ينبغي أن تظهر في وسائل الإعلام. الأهم بينها هو مشروع سعودي قديم لبناء أنابيب نفطية تمتد من السعودية عبْر محافظة حضرموت اليمنية الجنوبية وصولاً إلى المحيط الهندي. تُتيح هذه الأنابيب للرياض في حال اشتداد النزاع مع إيران تفادي المرور بمضيقيّ هرمز وباب المندب وبذلك يكون المصدر النفطي الأول في العالم قد عطّل جزءاً كبيراً من الأهمية الاستراتيجية للمضيقين علماً أن إيران تحتفظ بنفوذ حاسم في الأول بفعل المُشاطأة ويمكنها أن تمارس نفوذاً مهماً في الثاني عبر أصدقائها اليمنيين.
ما كان بوسع المملكة السعودية أن تنفّذ هذا المشروع عبر شراء أراضي مرور الأنابيب ومحيطها المباشر لأن الرئيس اليمني السابق علي عبدلله صالح رفض هذا العرض الذي يمنح السعودية سيادة خاصة على أراضٍ يمنية واقترح على الرياض ضمانات لمرور الأنابيب تحت السيادة اليمنية لكنها رفضت حتى لا تقع تحت رحمة حكومة صالح، فضلاً عن تزويد هذه الحكومة بمصادر دخل إضافية من شأنها أن تزيد الحُكم اليمني قوة واستقلالاً.
الرهان الثاني كشف النقاب عنه بعد الحرب الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي ويقضي بدمج إسرائيل في العالم العربي عبر تحقيق استقلال كردستان العراق وبالتالي إضعاف وتفكيك الجبهة الشرقية الطبيعية في مواجهة إسرائيل وذلك بعد تحييد وادي النيل من الجبهة عبر كامب ديفيد وتقسيم السودان بعد ذلك يبقى اليمن منفرداً في موقفه من إسرائيل في شبه الجزيرة العربية. وحتى يتم استيعابه اقترح عشقي إقامة " جسر النور الذي يربط بين جيبوتي وعدن على أن تقوم مدينتان باسم النور على طرفي الجسر في البلدين " وذلك يؤدّي إلى ربط عدن بالقواعد العسكرية الأميركية والغربية في جيبوتي وفي القرن الأفريقي عموماً حيث لأثيوبيا، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الكلمة الفصل، أضف إلى ذلك أن المدينتين تفتتحان مشروعاً تنموياً يُعيد الاعتبار لميناء عدن كما كان تحت الاحتلال البريطاني ويُعيد جنوب اليمن كياناً مستقلاً بشروط سعودية وأميركية. وفي هذه الحال تصبح الملاحة الإسرائيلية في باب المندب مضمونة في حالي الحرب والسلم ويحفظ للإسرائيليين كل وظائف ميناء إيلات الاستراتيجية. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس اليمني الراحل سالم ربيع علي منع الملاحة الإسرائيلية في باب المندب خلال حرب أكتوبر ــــــــ تشرين الأول عام 1973 ولعب اليمنيون كما هو معروف أدواراً مهمة في دعم الثورة الفلسطينية وكانوا على الدوام في العهود الجمهورية أقرب إلى محاور المقاومة ضدّ الدولة العبرية.
الرِهان الثالث يتّصل بالإمارات التي ترغب في استثمار ميناء عدن بما يتناسب مع وظائف ميناء دبي الذي ساهم في صناعة الثروة الإماراتية فضلاً عن جزيرة سقطرى الاستراتيجية التي يرغب الإماراتيون في تحويلها إلى منطقة حرّة.
ما كان بوسع السعودية الوصول إلى هذه الأهداف بوجود حُكم يمني قوي يمتلك جيشاً مهماً وثروة ديموغرافية صاعدة ومواقع استراتيجية أساسية وحضارة عريقة .
حمل الربيع العربي في اليمن فرصة لا تعوّض لوضع تلك الرِهانات موضع التطبيق. تدخّلت السعودية برعاية دولية وبمشاركة سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا لتفكيك الدولة اليمنية الموحّدة وإعادة بنائها على قاعدة ستة أقاليم يتمتّع كل منها بصلاحيات سيادية شبه مطلقة إلى حد القدرة على عقد اتفاقات وصفقات خارجية من دون الرجوع إلى المركز وانطوى المشروع على تهميش الزيديين وإضعافهم وعزلهم عن البحر ورهن مستقبلهم بالأقاليم المحيطة بهم وهم الذين حكموا اليمن لألف عام.
الجدير بالانتباه أن متظاهري الربيع لم يرفعوا مطلب الأقاليم. كان "الحراك الجنوبي" وحده يرفع مطلب العودة إلى الدولتين الشمالية والجنوبية السابقتين على وحدة العام 1990، فيما طرحت المبادرة الخليجية مشروع الأقاليم بوصفه ذريعة لحلّ القضية الجنوبية وحتى يتم الأمر كلّف السفير الفرنسي بالإشراف على صوغ دستور الأقاليم والسفير البريطاني برعاية الحوار بين اليمنيين والسفير الأميركي بالتنسيق مع حكومة هادي في محاربة الإرهاب.
هكذا أفضى "الربيع العربي" إلى وضع اليمن تحت وصاية اقليمية ودولية لتفكيكه وإعادة تنظيمه بما يتيح الوصول إلى الرهانات المذكورة أعلاه وكاد الأمر أن يتم بإرادة اليمنيين وبصمتهم لولا تمرّد أنصار الله ورفضهم التوقيع على خطة الأقاليم التي وقّع عليها مستشار الرئيس علي عبدالله صالح الراحل عبد الكريم الأرياني من دون موافقة قسم واسع من المؤتمر الشعبي العام.
سيتوصل المؤتمر والأنصار كل من موقعه إلى وجوب مقاومة مشروع تفتيت اليمن عبر التظاهرات والاعتصامات أولاً ومن بعد عبر تطويق وعزل الرئيس هادي ومن ثم عبر تمدّد الحوثيين من صعدة إلى عدن بمواكبة من ألوية الجيش اليمني واللجان الشعبية وكان هذا التحرّك يؤذن بتبديد المشروع المذكور الأمر الذي أثار حرباً مفاجئة اقليمية ودولية لفرض مشروع الدولة الاتحادية .
لم تفضِ الحرب الوحشية المستمرة إلى استسلام صالح والحوثي اللذين يقاومان معاً منذ أكثر من سنتين في مواقع على البحر الأحمر وباب المندب وعبر الجوف ومأرب وتعز وصولاً إلى أعالي جبال نقم وعصر وعيبان وعطان في صنعاء وتتوغّل قواتهما في جنوب المملكة وتصل الصواريخ اليمنية إلى مختلف المدن السعودية في مقاومة مشرّفة تتناسب مع تاريخ هذا البلد الذي لم يستعمر أبداً في شماله من أية قوة أجنبية .
موجز القول إن الخروج من الحرب اليمنية لا يمكن أن يتم على قاعدة الأقاليم الستة. فما لم يتحقّق بالحرب لا يمكن بلوغه سلماً والظن الغالب أن نتيجة الحرب تتيح مخرجاً واحداً ينطوي على دولة اتحادية باقليمين وحكم ذاتي في الوسط.
قراءة : فيصل جلول - باحث لبناني مقيم في فرنسا
المزيد في هذا القسم:
- باعوم : السعودية والإمارات تحتلان اليمن وعليهما الخروج المرصاد نت - متابعات طالب المؤتمر العام الثاني “للمجلس الأعلى للحراك الثوري لتحرير واستقلال جنوب اليمن” السعودية والإمارات بسحب قواتهما من أ...
- التشاطر الإماراتي مستمر: حقائق ووقائع الاحتلال في اليمن! المرصاد نت - متابعات يبدو أن قادة بعض الدول الخليجية لا يعرفون من الاستراتيجية غير ما يعزز صورتهم عند الجمهور. لكن المشكلة أنهم لا يهتمون إذا كانت الصورة سلبي...
- سرّي للغاية... معسكرات الاصلاح السرية في العاصمة صنعاء المرصاد نت - المراسل نت فشلت الكثير من الخطط التي وضعها تحالف العدوان بقيادة السعودية للسيطرة على العاصمة صنعاء بالعمل العسكري أو باشعال الوضع من دا...
- دير شبيغل: الغرب يتغاضى عن الموت الصامت لليمنيين لكي يبيع الأسلحة للسعودية المرصاد نت - متابعات تحدثت مجلة ألمانية شهيرة عن "موت صامت" للشعب اليمني في ظل صمت الغرب إزاء العدوان السعودي على اليمن واعتبرت هذه المجلة ان سبب التنكر لهذه ...
- لندن تدرب طياريين سعوديين برغم إتهامات الأمم المتحدة للرياض بارتكاب جرائم الحرب في اليمن المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة "الإندبندنت" في تقرير لها السبت 22 أكتوبر/تشرين الأول ن قيام عسكريين بريطانيين بتدريب طيارين سعوديين في ظل اتهامات دولية با...
- موقع أمريكي يكشف عن طرف ثالث.. كيف وصلت أسلحة التحالف للأيدي الخطأ باليمن؟ المرصاد نت - متابعات أكد موقع "إنسايد أرابيا" أن الأسلحة التي قدمت من الغرب بعد اندلاع الحرب في اليمن لعبت دورا مثيرا في تضخم سوق الأسلحة في البلاد. وقال المو...
- الأمم المتحدة : اليمن أكبر كارثة إنسانية في العالم والتحالف يستهدف النازحين المرصاد نت - متابعات أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أمس الجمعة أدانته لمجزرة الدريهمي قائلًا : أن 22 طفلاً على الأقل إضافة ...
- سقطرى.. أعاصير الطبيعة أرحم من أعاصير تحالف الاحتلال السعودي الإماراتي ومرتزقته! المرصاد نت - متابعات أفادت مصادر محلية في محافظة أرخبيل سقطرى أن الإمارات تواصل تسليح ميليشياتها والموالين لها في الأرخبيل في خطوة لتفجير الوضع. المصادر أكدت ...
- سلاح الجو المسيّر .. مرحلة جديدة وتدشين معادلة الردّ بالمثل المرصاد نت - متابعات بعد وصوله إلى مقر قيادة تحالف العدوان في مدينة عدن في الخامس من الشهر الجاري ضرب سلاح الجو المسيّر التابع للقوات اليمنية المشتركة هذه الم...
- بعد عملية العند.. غريفيث يواصل الكيل بمكيالين ويدعو لضبط النفس! المرصاد نت - متابعات دعا المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث أطراف الأزمة إلى "ضبط النفس والامتناع عن أي تصعيد لاحق" على خلفية استهداف قوات المرتزقة ف...