معادلة تيلرسون: تجاهل السلاح مقابل تكريس «خط هوف»!

المرصاد نت - متابعات

لم يجد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون رئيساً ولا وزيراً أو مديراً عاماً في استقباله. وصل قرابة العاشرة إلا عشر دقائق من صباح أمس فوجد عند سلم الطائرة الأميركيةTailrsaon2018.2.16 الخاصة على أرض مطار بيروت مدير المراسم بالتكليف في وزارة الخارجية السفير عساف ضومط والسفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد التي رافقت ضيفها في موكب للسفارة الأميركية توجه مباشرة إلى القصر الجمهوري في بعبدا.


عند باب القصر الخارجي وجد تيلرسون والوفد المرافق مدير المراسم في رئاسة الجمهورية الدكتور نبيل شديد في استقبالهم. دخل الزائر الأميركي على وقع العدسات الصحافية فيما كانت بعض المحطات التلفزيونية تنقل وقائع «الاستقبال» على الهواء مباشرة.

دخل تيلرسون إلى قاعة السفراء. صافح مستقبليه من أعضاء الوفد اللبناني الذي شارك في المحادثات الرسمية: المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم المستشارون ميراي عون الهاشم العميد الركن بولس مطر والسفير شربل وهبه مدير مكتب وزير الخارجية المستشار هادي هاشم ومدير الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا.

أين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل؟

سؤال صامت كان يردّده مرافقو تيلرسون بينما كان الأخير يقف أمام الكرسي المخصص له يلتفت يميناً ويساراً منتظراً عون أو باسيل في ظل حالة إرباك سادت الجانبين.

فجأة قرر تيلرسون الجلوس في مقعده استلّ رزمة من الأوراق من جيب سترته. طالعها وأعادها إلى مكانها. وزّع ابتساماته على المصورين والحاضرين. كان ينتظر... وانتظاره كان ثقيلاً. بعد خمس دقائق أطلّ من الباب الرئيسي نظيره اللبناني جبران باسيل مهرولاً. صافحه من دون أن يراعي بروتوكول أزرار السترة المقفلة. لم تمض ثوان حتى أطلّ عون من الباب الجانبي الفاصل بين مكتبه وقاعة السفراء. صافح تيلرسون لكن اللافت للانتباه عدم مصافحته أعضاء الوفد الأميركي. جلس الضيف إلى يمين الرئيس فيما خُصِّص إلى يسار عون مقعد لباسيل لوحظ ان مراسم القصر تحرص على تكريسه كعرف في استقبالات محدّدة.

أقفلت أبواب القاعة وبدأت المحادثات. نصف ساعة وغادر الضيف الأميركي بعد أن خطّ كلمات قليلة في سجل الشرف. جبران باسيل وبعد خلوة مع نظيره تعمّد إدارة ظهره فراح يمازح الصحافيين وتولى مدير المراسم نبيل شديد أيضاً وداع الضيف الأميركي حتى بوابة القصر الخارجية.

لم تهدأ الاتصالات بعد مغادرة الوفد الأميركي بيروت. البعض لام السفيرة الأميركية على سوء التنسيق مع البروتوكول اللبناني. كان جواب السفارة أن ما حصل في القصر الجمهوري هو عيّنة صغيرة لما يحصل يومياً في وزارة الخارجية مع معظم الضيوف والسفراء. حتى إن السفيرة ريتشارد قررت في الآونة الأخيرة أن لا تزور قصر بسترس إلا بطلب رسمي من وزارة الخارجية اللبنانية أو بطلب من بلادها.

ما هي خلفية ما قام به رئيس الجمهورية؟Lobnano2018.2.16

قال أحد المستشارين إن عون عندما شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول الماضي أبدى انزعاجه من «الإشكالات» التي رافقت الاستقبال الذي يقيمه الرئيس الأميركي على شرف الرؤساء المشاركين في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي تغيّب عنه عون حينذاك «لارتباطه بلقاء مع أبناء الجالية اللبنانية في نيويورك».

البعض الآخر وضع السلوك الرئاسي في خانة الاحتجاج على عدم توجيه دعوة رسمية أميركية إلى عون لزيارة الولايات المتحدة. أما المصادر الرسمية فتضع الأمر في خانة الـ«عادي»: «وصل تيلرسون إلى القصر قبل موعده، ووزير الخارجية جبران باسيل «علق في زحمة سير» والرئيس دخل القاعة في الموعد تماماً».

رغم ذلك يبقى أن ما جرى يمثّل سابقة في العلاقات اللبنانية ــ الأميركية. أول وزير خارجية أميركي يزور لبنان منذ أربع سنوات آخر زيارة قام بها جون كيري في عهد الفراغ الرئاسي. في عهد ميشال سليمان كانت العلاقات عادية. في عهد إميل لحود لم يصدق الأميركيون أن رئيس جمهورية لبنان أقفل سماعة الهاتف بوجه وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت.

يقول لحود في روايته إنه كان قد مضى في أيار عام ألفين (عشية التحرير) على آخر محادثة هاتفية نهارية بينه وبين وزيرة خارجية الولايات المتحدة نحو خمس ساعات. اتصلت به ليلاً وعندما احتدم النقاش الهاتفي قالت له: هل تعلم مع من تتكلم؟ أنت تتحدث مع وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية... فهل تعلم ما معنى ذلك «مستر» لحود؟ ويقول لحود إنه ردّ عليها سريعاً: «معنى ذلك أن الساعة عندنا صارت الخامسة فجراً نعست وأريد أن أنام وأقفلتُ خط الهاتف في وجهها».

معادلة تيلرسون: تجاهل السلاح مقابل تكريس «خط هوف»!

لم تدم زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبيروت أكثر من خمس ساعات جال خلالها على الرؤساء الثلاثة وكرر على مسامعهم معزوفة بلاده التقليدية: نزع سلاح حزب الله. تجفيف مصادر حزب الله وموارده المالية. انسحاب حزب الله من سوريا. الحفاظ على الهدوء في منطقة الجنوب اللبناني دعم الجيش اللبناني.

بدا واضحاً منذ المحطة الأولى في القصر الجمهوري أن موضوع الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة صار أولوية على جدول أعمال الأميركيين. انطلق تيلرسون في مداخلته مطالباً بنزع سلاح حزب الله وكذلك بانسحابه من سوريا وتجفيف موارد الحزب المالية للإيحاء بأن بلاده مستعدة للمقايضة: «التطنيش» عن موضوع السلاح مقابل قبول لبنان بالمعادلة التي يطرحها مساعده ديفيد ساترفيلد لترسيم الحدود البرية والبحرية.

ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون داعياً إلى «منع إسرائيل من استمرار اعتداءاتها على السيادة اللبنانية البرية والبحرية والجوية والالتزام بالقرار 1701. لبنان لا يريد الحرب مع إسرائيل ولكنها هي المعتدية وسلاح المقاومة ينتفي دوره ومهمته مع إحلال السلام العادل والشامل وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. أكد عون أن لبنان أقرّ سلسلة تشريعات وانضم إلى اتفاقيات دولية وهو يطبّق كل القوانين المالية بشفافية».

قارب رئيس الجمهورية موضوع انخراط حزب الله في الحرب السورية من زاوية محاربة الارهاب واعتبره موضوعاً يتجاوز لبنان. وقال إنه «كلما تقدمت جهود تحقيق السلام على الجبهة السورية وفي المنطقة انعكس ذلك إيجاباً على الوضع في لبنان والمنطقة، وانتفت الحاجة الى السلاح وحلت محله لغة الحوار».

وفيما نفت مصادر مطّلعة على المفاوضات عرض الوزير الأميركي إجراء مقايضة بين «خط هوف» و«التطنيش» عن السلاح عقد باسيل وتيلرسون خلوة سمع فيها الأخير بوضوح أن المقاربة التي جاء بها ساترفيلد في شأن ترسيم الحدود اللبنانية ــ الفلسطينية المحتلة تحت شعار «العرض غير القابل للتفاوض» (take it or leave it) غير مقبولة من لبنان.

باسيل أبلغ نظيره الأميركي أن الموضوع لا يتعلق برسم خط حدودي بل بـ«خط اقتصادي» يعطي لبنان حصته الكاملة من موارده النفطية. مصادر مطّلعة على المحادثات قالت إن أجواء المحادثات مع تيلرسون كانت «أكثر طراوة» من تلك التي جرت مع ساترفيلد كون الأول أكثر خبرة في ملف النفط بحكم عمله سابقاً في هذا القطاع.Palstain2018.2.16

أمّا في عين التينة التي أمضى فيها ساعة وخمس دقائق فكرر تيلرسون هجومه على المقاومة وعلى مسألة «تجفيف منابع الإرهاب» فما كان من برّي إلّا أن ردّ عليه. وكشف رئيس المجلس مساءً أمام زوّاره أن تيلرسون «تحدّث مطوّلاً عن حزب الله ثمّ تحدّثت أنا أيضاً عن حزب الله». وبعد أن قدّم برّي مداخلة تاريخية عن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان القديمة والمستمرة توجّه إلى ضيفه بالسؤال عن ردّ الفعل الأميركي إذا كان هناك من عدوّ للشعب الأميركي يحتلّ أرضاً أميركية فـ«هل تتفرّجون عليه؟ أم تحملون السلاح وتشكّلون مقاومة شعبية؟ نحن لا يمكننا أن نسكت عن الاعتداءات الإسرائيلية ولذلك حملت المقاومة السلاح للدفاع عن أرضنا». ثمّ فنّد بري للوزير الأميركي التشريعات والقوانين التي صادق عليها المجلس النيابي «المتعلقة بالحركة المالية والنقدية والمصرفية وفق المعايير العالمية».

في السراي الحكومي أصرّ تيلرسون على وصم حزب الله بالإرهاب وأن بلاده لا تفرّق بين الجناحين العسكري والسياسي. وردّ الحريري بأن «لبنان يلتزم بقراري مجلس الأمن الدولي 1701 و2373. ونريد أن ننتقل إلى حالة وقف إطلاق نار دائم لكن الانتهاكات الإسرائيلية اليومية لسيادتنا تعرقل هذه العملية وكذلك الأمر بالنسبة إلى خطاب إسرائيل التصعيدي.وهذا يجب أن يتوقف» ولفت الى أن «الحدود الجنوبية اللبنانية هي أهدأ حدود في الشرق الأوسط وقد طلبت مساعدة الوزير تيلرسون لإبقائها على هذا النحو».

كان يمكن لزيارة تيلرسون إلى بيروت أمس أن تكون «ناجحة» بالمقياس الأميركي لو أن مساعده ديفيد ساترفيلد نجح خلال الأيام الماضية في إقناع اللبنانيين بالتخلّي عن حقّهم والتنازل عن جزء من ثروتهم البحرية والقبول بـ«الوساطة» الأميركية التي تقدّم مصلحة إسرائيل على مصلحة لبنان. لكن الموقف الرسمي اللبناني الموحّد وأوراق قوّته المتمثّلة بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة منعت ساترفيلد الذي ينوي البقاء في بيروت ليومين إضافيين (يلتقي وزير الخارجية جبران باسيل ظهر اليوم) من انتزاع ما أتى من أجله بالتهديد والوعيد للتنازل والقبول بـ«الموجود»، أي خطّ «هوف» الذي يقسّم المياه اللبنانية ويمنح جزءاً منها مجاناً لإسرائيل.

 مجلس النواب يرفع سقف التحدي: 1500 كلم مربع لا 860

أمام لبنان الكثير من الأوراق التي يمكن أن يلعبها في مواجهة الأطماع الإسرائيلية في مياهه لكنه لا يزال يأمل بوساطة أميركية تثبت حقه في الاستفادة من موارده الطبيعية. إحدى أهم الأوراق التي نوقشت في مجلس النواب أمس هي العودة إلى حدود عام 1923 لا إلى حدود الهدنة في عام 1949. ذلك ينقل الصراع من مطالبة العدو الإسرائيلي بـ 860 كلم من المياه اللبنانية إلى مطالبة لبنان بـ 1500 كلم مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة.

بدا البلد أمس موحداً حول موضوع واحد: الحدود اللبنانية الفلسطينية. وزير الخارجية الأميركية ريك تيلرسون في بيروت للمرة الأولى حاملاً «هم» إيجاد حل للصراع الحدودي، طبعاً إلى جانب الهم الأميركي الدائم المتمثل في مواجهة «إرهاب» حزب الله. في المقابل كان الرؤساء الثلاثة ومن خلفهم مجلس الوزراء ثابتون على موقفهم الرافض للتخلي عن أي شبر من حق لبنان.

وكقوة دعم خلفية انضم مجلس النواب أيضاً إلى حملة مواجهة الأطماع الإسرائيلية فأكملت لجنة الأشغال العامة ما بدأته الأسبوع الماضي بالتلميح إلى احتمال تقديم اقتراح قانون لترسيم الحدود يخلص إلى تأكيد حق لبنان بمنطقة اقتصادية خالصة تفوق مساحتها بأضعاف مساحة الـ 860 كلم مربعاً التي تدعي إسرائيل ملكيتها.

بالرغم من توقيع لبنان وإسرائيل على خط الهدنة في عام 1949 وترسيم الحدود على أساسه إلا أن إسرائيل عادت وتراجعت عن توقيعها معتبرة أن خط الانسحاب في عام 2000 (الخط الأزرق) هو الحدود الفعلية ساعية بذلك إلى قضم أراض لبنانية شاسعة في البر وكذلك مساحة شاسعة في البحر تصل إلى 860 كلم مربعاً.

وفيما ساهم احتمال وجود نفط في شرق المتوسط بتدخل أميركا لحل الخلاف الحدودي إلا أن النتيجة كانت في حدها الأقصى الإقرار بحق لبنان بأقل من 600 كلم مربع من أصل 860 كلم2 بحسب رسالة كان قد أرسلها السفير أنطوان شديد في عام 2013 إلى الحكومة اللبنانية. لكن لبنان كان واضحاً في تمسكه بحقه كاملاً قبل أن يعود الموفدون الذين جاؤوا بعد فريديريك هوف إلى التراجع عن هذا الحد أكثر من 150 كلم مربعاً.

خلال فترة الانتخابات الأميركية والعام الأول من ولاية ترامب، تراجعت الوساطة الأميركية وبقيت كذلك إلى أن وقّع لبنان اتفاقية التنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية. عندها عاد الأميركيون بقوة إلى السعي لحل الخلاف الحدودي، لكن تبين في اللقاءات التي عقدها مساعد وزير الخارجية الأميركية دايفيد ساترفيلد في بيروت أن واشطن لا تملك مبادرة فعلية، بقدر ما تسعى إلى الضغط على لبنان للموافقة على اقتراحات تصب في مصلحة إسرائيل وهو ما تبدّى أيضاً في زيارة تيلرسون.

عندها كان لا بد من السعي إلى المواجهة. سحبت بعض الدراسات القانونية من الأدراج وطرحت أمس على طاولة لجنة الأشغال العامة. الهدف كما قال رئيس اللجنة محمد قباني دعم الحكومة في سعيها لتثبيت حقوق لبنان. نقطة ارتكاز الدراسة أن الحدود البحرية اللبنانية مبنية على أساس ترسيم الحدود البرية وفقاً لخط الهدنة في عام 1949 فيما يفترض في ظل وجود حدود دولية مرسمة في عام 1923 ومسجلة في عصبة الأمم، العودة إليها لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة.

وعليه فإن التأكيد على الترسيم التاريخي للحدود يؤدي عملياً إلى تغيير مكان النقطة B1 على الساحل اللبناني جنوباً بطول 1800 متر وهذا يقود تلقائياً إلى تغيير الحدود البحرية، بما يزيد حصة لبنان في البحر نحو 1500 كلم مربع لا 860 كلم مربعاً فقط.

هل يمكن أن تتحول هذه الدراسة إلى موقف لبناني رسمي؟ لم يحسم الأمر بعد لكن طُلب من أعضاء لجنة الأشغال العودة إلى كتلهم لتبيان مواقفها من تقديم اقتراح قانون يعيد ترسيم الحدود الجنوبية وفقاً للمعطيات السابقة وإلزام الحكومة بترسيم الحدود على أساسه.

هكذا خطوة إن حصلت يمكنها أن تساهم في نقل المعركة من داخل المياه الإقليمية اللبنانية إلى داخل المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة. في كلتا الحالتين تدرك كل الأطراف المعنية أن الضغط الحالي الذي تمارسه إسرائيل عبر أميركا لن يساهم في عرقلة انطلاقة أعمال الاستكشاف في البحر اللبناني أولاً لأن الشركات ستحفر بئرين على حدود البلوك رقم 9 لناحية العمق اللبناني وثانياً لأن هذا البلوك بحسب خط فريدريك هوف يقع في المياه اللبنانية بالكامل فيما توجد مشكلة بسيطة في البلوك الرقم 10 المحاذي للساحل اللبناني الجنوبي.

من يريد إدراج الحدود الجنوبية تحت الفصل السابع؟

يوماً بعد يوم يرتفع جدار «الساعة الرملية» في رأس الناقورة ويتمدد أفقياً باتجاه علما الشعب. يحجب الرؤية عن مستعمرة روش هانيكرا الواقعة عند سفح رأس الناقورة الجنوبي ومينائها العسكري ومقاهيها البحرية وقطارها الجوي (التلفريك) وشاطئها الرملي الشبيه بشاطئ صور وعن بحر حيفا ومينائها. من الواضح أن ورشة العدو الإسرائيلي لتشييد الجدار من رأس الناقورة إلى علما الشعب، مروراً باللبونة، لم تتأثر، حتى الآن، بالاعتراض اللبناني على انتهاك الأراضي اللبنانية المتحفظ عليها

حتى مساء أمس كان جيش الاحتلال قد رفع 98 مكعباً اسمنتياً عل طول نحو 150 متراً من النقطة العسكرية المعروفة بـ«أم 2» في رأس الناقورة حتى النقطة «بي 10» في خراج علما. ووفق المخطط الإسرائيلي سوف يمتد الجدار الاسمنتي على طول خمسة كيلومترات ونصف كيلومتر في القطاع الغربي بارتفاع ستة أمتار لكل مكعب وبعرض أكثر من متر. «يصنف العدو وجود مواقع مكشوفة أمنياً من رأس الناقورة إلى علما الشعب مستنداً إلى حوادث عدة وقعت في السنوات الماضية» وفق مصدر عسكري لبناني مسؤول مكلف بمواكبة الأشغال المعادية.

بادر العدو إلى تعديل مسار الجدار مبتعداً عن النقطة «بي 2» الواقعة ضمن المنطقة المتحفظ عليها وتراجع نحو الأراضي المحتلة بعمق حوالى 20 متراً خلف السياج الشائك، يؤكد المصدر العسكري موضحاً أن المنطقة المتحفظ عليها لبنانياً تتراوح مساحتها في محيط الجدار بين 27 متراً وسنتيمترات قليلة.

في حين أن المنطقة الخلفية لنقطة «بي 1» التي يقطعها خط حدود الهدنة تضم المعبر الحدودي ونقاط تفتيش عسكرية ومدنية للعدو فضلاً عن أن المسافة بين جانب النفق اللبناني المحتل والنقطة «بي 1» تبلغ حوالى 60 متراً.

وعلى بعد حوالى 17 متراً من النقطة «بي 1» فوق سطح مياه البحر يقع أول خط الطفافات الذي وضعها العدو برغم احتجاج لبنان محاولاً فرض خط أزرق مائي. صحيح أن الطفافة الأولى تقابل «بي 1» لكن الطفافات الأخرى تبدأ بالانحراف شمالاً إلى أن تأخذ شكل زاوية مثلثة عند الطفافتين الخامسة بعمق 537 متراً والسادسة بعمق حوالى 300 متر ثم يبدأ الخط بالانحراف جنوباً إلى أن تتموقع الطفافة العاشرة قبالة الطفافة الأولى أي قبالة خط الهدنة أو النقطة «بي 1». كيف تترجم الأمتار الـ 17 داخل البحر؟ ادعاء العدو أنه يملك المنطقة المتحفظ عليها لبنانياً ولا سيما عند سفح رأس الناقورة البحري «يغير في قياسات حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة وبالتالي في مواقع بلوكات النفط 8 و9 و10» يؤكد المصدر نفسه.

منتصف عام 2014 وقبل مغادرته لبنان بأشهر قليلة، عرض الممثل الأسبق للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي على مرجعيات لبنانية «حلاً إسرائيلياً» لمشكلة خروقات العدو للحدود البرية. الحل هو «ترسيم الحدود نهائياً عبر عقد صفقة تبادل بين المناطق الحدودية التي يتحفّظ عليها لبنان من جهة وبين منطقة أخرى محتلة يوافق العدو على التخلي عنها من جهة أخرى. إلى جانب اقتراح الموافقة على تثبيت ترسيم نهائي لنهر الوزاني».

لاحقاً، نقل الإسرائيليون عبر اليونيفيل اقتراحاً للبنان عبروا فيه عن «استعدادهم للتنازل عن سبع أو ثماني مناطق متحفظ عليها، في مقابل التمسك بمناطق أخرى؛ أبرزها رأس الناقورة ومسكاف عام قبالة العديسة. كما عرضوا انسحابهم من الجزء الشمالي لبلدة الغجر في مقابل التمسك بمزارع شبعا ومنطقة الجسر الروماني في الغجر ومنطقة أخرى تشكل مثلثاً بين لبنان وفلسطين والجولان على أن يحتفظ بطريق العباسية – الغجر لاستراتيجيتها» وفق المصدر العسكري. لكن أبرز المناطق التي «أصر العدو على عدم التفريط بها وإعادتها إلى أصحابها هي النقطة «بي 1» التي يتحكم من خلالها بالحدود البحرية ومواقع بلوكات النفط» علما بأن العدو يعترف بوجود ثلاث نقاط متحفظ عليها فقط، فيما يتمسك لبنان بتحفظه على 13 نقطة.

أخيراً، أعاد العدو طرح خطة مبادلة الأراضي وكلف مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد بهذه المهمة قبل أيام قليلة. إلا أن تلك الخطة قابلة للنقاش لبنانياً «ومن بين النقاط الثلاث عشرة المتحفظ عليها، تشكل النقطة بي 1 الأصعب على التفاوض. لبنان أقفل باب التفاوض بشأنها تمسكاً بحقه في بلوكات النفط. أما بالنسبة إلى النقاط الاثنتي عشرة، فالتفاوض قائم بشأنها على أساس أن تعاد إلى لبنان أراضيه الحيوية وخصوصاً أراضي المزارعين في بئر شعيب وبليدا ورميش وتلة الراهب في عيتا الشعب».

وبالتزامن عاد الهمس حول إمكان إدراج الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة تحت الفصل السابع وبإشراف مجلس الأمن الدولي، إذ يصبح لدى اليونيفيل «انتداب جديد بموجب القرار 2374 تمنع بموجبه أياً كان من الاقتراب من الجدار الحدودي» يقول المصدر العسكري اللبناني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فريق المراقبين الدوليين الذين تنحصر مهتمهم بمراقبة خط الهدنة باتوا يملكون حرية الحركة في جميع المناطق «لأن خط الهدنة لم يعد واضحاً، بعد تكريس الخط الأزرق على أنه الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة».

حتى الآن لم يحدد العدو موعد البدء بتشييد المرحلة الثالثة من «الساعة الرملية»، قبالة مستعمرة المطلة بعد إنجاز جدار كفركلا (2012) وسط استنفارٍ لجيش العدو عند الحدود بين كفركلا وسهل الخيام بسبب تشييد بلدية كفركلا رصيفاً وزراعة حوض بالزهور سيتم الاحتفال بإنجازهما غداً فيما بادر العدو إلى تسجيل اعتراضه لدى اليونيفيل مدّعيا أن الرصيف والحوض يشكلان خرقاً للخط الأزرق!

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية