حرب الأنفاق في سوريا ... مدن تحت الأرض

المرصاد نت - متابعات

شهدت الحرب السورية على مدار أعوامها الـ7 الماضية أساليب جديدة في القتال استخدمت فيها أسلحة متطورة عديدة لكن أساليب الحرب القديمة كانت حاضرة أيضاً ولعل حربSyriaa2018.4.26 الأنفاق واحدة من هذه التكتيكات التي ظهرت بعض ملامحها جليّة بعد سيطرة الجيش العربي السوري على الغوطة الشرقية والكشف عن مدينة أنفاق تحت الأرض.


حرب الخنادق ورغم قدمها إلا أن جديدها في سوريا هو طريقة استخدامها فيما يعرف بـ"حرب العصابات" من أجل تفادي الرصد والوقاية من الضربات الجوية وبغية التخفي والقدرة على التواصل بعيداً عن أنظار الخصم فضلاً عن القدرة على الوصول لمناطق تحت سيطرة الطرف الآخر والوصول لأهداف حيوية كما حدث في مستشفى القصير بداية الحرب السورية.

ورغم أننا لا يمكن أن نقول إن الحرب في سوريا وضعت أوزارها بشكل كامل لكن على الأقل هناك مناطق واسعة كانت قد خرجت عن سيطرة الدولة السورية منذ سنوات وتم تحريرها منذ فترة قريبة بعد أن تم محاصرتها ودخول الجيش إليها في نهاية المطاف إما حرباً أو سلماً (عن طريق اتفاقات المصالحة)، وإن بقاء ومقاومة الجماعات الإرهابية المسلحة في هذه المناطق قبل تحريرها ورغم حصارها المطبق وقدرتها على استلام الأسلحة والإمدادات بمختلف أشكالها وحتى القوات الجديدة بقي سرّاً إلا أن الصور لاحقاً أظهرت أن شبكة الأنفاق العملاقة هي ما عززت من قدرة الإرهابيين فرغم حصارهم من فوق الأرض كانت الحركة تحت الأرض ميسّرة لهم.

وكواحدة من مخلّفات الحرب في سوريا والتي لم تحظَ بتغطية إعلامية كبيرة رغم أهميتها، هي قضية بناء الأنفاق ولا سيما في الغوطة الشرقية ومدينة دوما على وجه التحديد إذ أظهرت الصور القادمة من المدينة السورية شبكة أنفاق عملاقة ربما أضخم من "مترو الأنفاق" في بعض الدول وكأن تحت الأرض مدينة أخرى مجهزة بوسائل التنقل الخاصة بالسيارات وغرف العمليات والتحصين.

فمن يزور مدينة دوما حالياً ورغم حجم الدمار الهائل فوق الأرض بسبب ما خلّفه "جيش الإسلام" الذي قام بتفخيخ الأبنية والدوائر الحكومية التي كان يستخدمها لمصلحته، إلا أن السر في باطن الأرض فهناك مدينة كبيرة مصممة بطريقة تجعل الناظر إليها يشعر وكأنه في بلاد العجائب حيث الأنفاق ضخمة مجهزة بتقنيات حديثة من حيث الكهرباء والاتصالات ومرور السيارات بالإضافة إلى وجود نظام إضاءة كامل وأماكن لتصنيع الأسلحة والقذائف التي كانت تنهال على العاصمة دمشق ليل نهار ويبدو واضحاً إتقان بناء هذه الأنفاق من تصميم الهياكل بطريق هندسية متقنة وتحت إشراف أخصائيين كذلك سرعة تنفيذ العمل والبناء في وقت قصير بسبب الحساسيات في هذا المجال.

وبحسب الوثائق التي حصل عليها الجيش العربي السوري مما يسمى هيئة الأشغال والخدمات العسكرية لـ"جيش الإسلام" في مناطق مختلفة من الغوطة الشرقية، فإن عدد الأنفاق في قطاع الريحان وصل إلى 13 نفقاً بطول 15000 متر للنفق الواحد كما وصلت سماكة سقف الخندق إلى55 سم أما في منطقة الأعطلة فقد وصل عدد الأنفاق إلى 7 أنفاق ولم تتوفر معلومات عن أطوالها وفي حوش الضواهرة وصل عدد الخنادق إلى 8 خنادق بطول 294 متراً للخندق ووصل سقف الخندق إلى 35 سم أما قطاع دوما فيوجد 26 خندقاً بطول 832،66 متراً للخندق الواحد كما وجد 118 نفقاً وفي النشابية وما حولها يوجد 9 أنفاق بطول 724 متراً للنفق الواحد ويوجد 18 نفقاً في أوتابا و222 خندق جر ويوجد 24 خندقاً في حوش نصري وفي الشيفونية يوجد 22 خندقاً كما يوجد 9 خنادق في تل فرزات ولا تتوافر معلومات عنها، بينما تم العثور على 50 خندقاً في كرم الرصاص و11 خندقاً في منطقة أبو غسان و18 خندقاً في أكساد.

واللافت أيضاً في هذه الأنفاق أنها بينت بجهود السوريين (مدنيين وعسكريين) والمؤيدين للدولة السورية الذين تم أسرهم في بداية سقوط هذه المناطق بيد الجماعات الإرهابية المسلحة حيث تشير الوثائق الخاصة بـ"جيش الإسلام" أن أكثر من 500 أسير جرى استغلالهم لبناء هذه الأنفاق وقد قضى بعضهم خلال الحفر نتيجة ظروف العمل القاسية.

ولم يقتصر بناء الأنفاق خلال الحرب السورية على مدينة دوما والمناطق التي كانت خاضعة لجيش الإسلام بل تظهر الصور أيضاً أن فيلق الرحمن الذي كان يسيطر على مناطق واسعة من الغوطة الشرقية بنى أيضاً شبكة الأنفاق الخاصة به بعضها قدر طوله بحوالي 10 كيلومترات وعمقه حوالي 30 متراً.

كذلك في منطقة عفرين شمال سوريا وبعد استيلاء القوات التركية وميلشياتها على المدينة نشرت عدداً من الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر اعتماد الأكراد حرب الخنادق والأنفاق تحت الأرض في هذه المناطق.

إذاً وكما هو واضح فإن حفر الأنفاق وحرب الخنادق في الحرب السورية كان ضمن حسابات الحرب المهمة والتي كانت تؤخذ على محمل الجدّ من قبل الجماعات الإرهابية ومؤيديها، وخصصت هذه الجماعات وقتاً كبيراً أملاً في حمايتها من أي تقدم للجيش العربي السوري إلى المناطق التي احتلوها منذ أعوام وما ذكرناه في هذا المقال يشكل جزءاً صغيراً من مجمل ما تم إنشاؤه من خنادق وأنفاق تم من خلال جماعات ذات تعليم مدني وقسم كبير منها لا يعرف الهندسة المدنية ولم يسمع مطلقاً عن قسم التشييد وبناء الأنفاق والجسور ولكن ورغم الاختلاف معهم من حيث الهدف من الإنشاء واستراتيجيات الإرهابيين في الهجوم والدفاع من خلال هذه الأنفاق إلا أن العمل كان لافتاً ومميزاً بكل صدق.

شرق الفرات: لا مؤشرات على انسحاب أميركي «قريب»

على رغم انتشار محدود لدوريات فرنسية في عدد من مناطق سيطرة «التحالف الدولي» شرق نهر الفرات وتحضيرات أميركية لتسخين الجبهات المشتركة مع «داعش» لا تشير المعطيات على الأرض ــ حتى الآن ــ إلى وجود نيّة انسحاب أميركي «قريب» أو إمكان استبدال سريع للقوات الأميركية بأخرى عربية أو إقليمية

وسط تكرار الحديث الأميركي عن انسحاب «قريب» للقوات المنتشرة في الشرق والشمال السوري لحساب تعزيز تواجد قوات «حليفة» لواشنطن في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» لم يشهد الميدان هناك تغيرات كبيرة، عدا تحضيرات لإعادة تنشيط الجبهات المشتركة بين «التحالف الدولي» وتنظيم «داعش».

إذ انصبّ الجهد الأميركي خلال الفترة الماضية على بناء هياكل إدارية يمكن الاعتماد عليها كبديل عن المؤسسات الحكومية في مرحلة «إعادة الإعمار» الخاصة بمناطق النفوذ الأميركي وهي مرحلة قد تشهد بداية لسحب بعض الوحدات العسكرية الأميركية المنتشرة من منبج حتى شرق الحسكة مروراً بالرقة وبلدات الضفة الشمالية (الشرقية) لنهر الفرات في حال تم تحضير بديل مسؤول عن حفظ الأمن ومنع تغيّر خريطة السيطرة لحساب أطراف أخرى وبخاصة الحكومة السورية وحلفاءها.

الحديث المتكرر عن توسيع الدور الفرنسي في مناطق نفوذ «التحالف الدولي» لم ينعكس في شكل لافت وكبير على أرض الواقع، حتى الآن على رغم ظهور دوريات للقوات الفرنسية في عدد من تلك المناطق. أبرز النقاط التي حضر فيها الفرنسيون كانت حقول «كونوكو» والجفرة والعمر النفطية والغازيّة في ريف دير الزور الشرقي وهي مناطق توتر بين «قوات سوريا الديموقراطية» والقوات الحليفة للجيش السوري تُرجم باشتباكات أكثر من مرة. كذلك شهد ريف منبج الشمالي حضوراً فرنسياً مشتركاً مع الأميركيين في منطقة عون الدادات قرب نهر الساجور الذي يشكّل الحد الفاصل بين مناطق سيطرة «قسد» ومناطق النفوذ التركي جنوب جرابلس. وعلى رغم هذا الانتشار فإن حجم الحضور الفرنسي لا يزال هزيلاً هناك، ولا يمكن البناء عليه مرحلياً للقول إن الأميركيين في طريقهم إلى انسحاب «قريب».

في المقابل بدا لافتاً بعد أشهر من الهدوء انطلاق تحضيرات لعودة التصعيد بين قوات «التحالف» و«داعش» على طول المناطق التي يسيطر عليها الأخير، من محيط البوكمال الشمالي، وعلى طول الحدود شمالاً حتى بلدة تل صفوك الحدودية في ريف الحسكة. وأتت هذه التحضيرات بعد غارات عراقية متكررة استهدفت عدداً من مواقع «داعش» على الضفة الشمالية للفرات.

المعركة التي يتوقع أن تنطلق خلال مهلة قصيرة، استبقت بعديد من عمليات الإخلاء التي نفذها «التحالف» في مناطق سيطرة «داعش» عبر تكثيف لعمليات الإنزال الجوي خلال الأسبوعين الأخيرين كذلك شهد الأسبوع الجاري لقاءات بين قادة عسكريين في «التحالف» وممثلين عن «قسد»، ناقشت التطورات المرتقبة في تلك المنطقة.

وفي انتظار جلاء الغموض الذي يلفّ الخطط الأميركية عن «نشر الحلفاء» لقوات عسكرية هناك، تتضارب الأحاديث حول الدور المرتقب لتركيا في المناطق المحاذية لحدودها، والتي سبق لأنقرة أن هددت غير مرّة باجتياحها. كذلك ينتظر الدور السعودي هناك في ضوء الحديث عن «كبح النفوذ الإيراني» في الشرق السوري وتعزيز المملكة لتعاونها مع «قسد» منذ انطلاق عمليات «تحرير» الرقة.

وأثارت التصريحات الكردية التي تحدثت عن مفاوضات تشارك فيها أطراف إقليمية متعددة لنقل عناصر «جيش الإسلام» إلى الرقة جدلاً واسعاً، قبل أن ينفي المتحدث باسم «الجيش» حمزة بيرقدار وجود مثل هذا الطرح حالياً.

بدوره، نفى رئيس «مجلس سورية الديموقراطية» رياض درار وجود أي مفاوضات أو اتصالات لدخول «جيش الإسلام»، ولا لدخول «قوات من دول عربية» إلى مناطق سيطرتهم. ولفت في الوقت نفسه إلى «إمكان حصول اتفاق لمشاركة قوات عربية إلى جانب الأميركيين في حماية المنطقة على رغم عدم وجود مؤشرات كهذه حتى الآن» مبدياً تخوفاً «من انسحاب أميركي مفاجئ من المنطقة لأنه سيفتح المجال أمام الأطماع التركية بتحقيق حلم الكانتون الإسلامي في المنطقة».

ولفت درار إلى «وجود رغبة لدى مجلس سورية الديموقراطية بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية، بعيداً حتى عن التنسيق مع التحالف الدولي» معتبراً أن ذلك «غير ممكن حالياً بسبب عدم امتلاك الحكومة السورية قرارها خصوصاً أن التقارب كان ممكناً من خلال عفرين إلا أن ذلك قوبل بخذلان سببه الرفض الروسي لتقارب كهذا».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية