المرصاد نت - متابعات
"أنا مستعد أن أُقسم على 3 حافلات مليئة بالقرآن والتوراة والإنجيل بأن العراق لن يستقر على الإطلاق" هذا الكلام وَردَ على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدالانتخابات العراقية الأخيرة التي كان من المفترض أن تأتي بحكومة جديدة تتفرغ لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب على داعش.
كان يمكنُ النظر إلى تصريح ترامب كمحاولة لحث العراقيين على تجاوز أزمتهم الحكومية، لو لم تكن تصريحاته السابقة حول النفط العراقي مدعاة للشك في نواياه. فالرجل قال جاداً في مناسبات مختلفة إن على بلاده أن تصادر نفط العراقيين "...العراق يحتوي على ثاني احتياطي للنفط في العالم بعد السعودية قيمته 15 ترليون دولار. المجتمع العراقي فاسد. لو عاد الأمر لي لأخذت هذا النفط. عليهم أن يدفعوا لنا ترليون ونصف تريلون دولار على الأقل ثمن تحريرهم. معروف أن الغنائم الى المنتصر في الحرب" ثم يضيف " .. يقولون لي أن هذا البلد سيد.
ألا ترون الناس ينهبون هناك كل شيء؟ سوف آخذ ثروتهم. سوف آخذ النفط. لا يوجد شيء اسمه العراق. إنهم منقسمون إلى فصائل مختلفة سأضع حلقة حماية حول النفط وآخذه كله لا أمل في الدولة العراقية. ولا أمل في الشعب. إنهم لصوص جاءوا بفضلنا إلى الحكم بعد أن أسقطنا النظام السابق" والكلام دائما لرئيس الدولة الأقوى في العالم.
هذا الكلام المتواصل ردده ترامب في ظروف مختلفة قبل وبعد انتخابه رئيساً. لم يتخلله اعتذار أو توضيح أو نفي مرة واحدة ما يؤكّد أن الرجل يعني ما يقول، دون أن يؤدي قوله (مع الأسف الشديد) إلى طرد السفير الأميركي من بغداد أو نزول العراقيين بكافة فئاتهم إلى الشوارع ، دفاعاًعن كرامة بلدهم وحرصاً على ثروتهم.
بخلاف أصوات معروفة بمقاومتها للاحتلال الأميركي كان سلوك معظم الكتل السياسية يصب الماء في طاحونة ترامب. القسم الأكبر منها يبحث عن محاصصة بمباركة أميركية ترجحه وتضمن مكاسبه. لم نلحظ خلال الشهور الماضية التي تلت الانتخابات طرفاً عراقياً واحداً لوّح بالتنازل من أجل تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تتفرغ لمعالجة أثار الحرب على داعش، ومواجهة المشاكل الناجمة عن انهيار البنى الخدماتية الأولّية، خاصة في البصرة حيث يُستخرَجُ القسم الأكبر من الثروة النفطية العراقية، فضلا عن مشاكل البطالة والأمن.
ثمة من يرى أن عدم اكتراث القوى السياسية العراقية (معظمها) بكلام ترامب ليس ناجماً عن استخفاف به وإنما عن حسابات متصلة بشروط الحكم التي تنطوي بالضرورة على تشريع أميركي للحاكم حتى لو كان منتخباً. ألم يقل ترامب أن الحكام الذين تولّوا السلطة هم أصدقاء واشنطن؟! لكن ما يجدر ذكره هو أن شروط الحكم نفسها قد وُضِعت بإشراف أميركي في دستور العام 2005 وبالتالي فإن الحكم في هذا البلد هو من أثر ذلك الدستور.
بكلام آخر ما يأخذه الأميركي اليوم على الحكم "الفاسد" هو ما صنعه الأميركي نفسه عام 2005 في هذا البلد بعد أن فكك دولته ودمر بناه التحتية دون ان يتيح للحكام الجدد بناء دولة مستقرة وحكم قابل للحياة. كل ذلك جرى تحت ستار أكاذيب "ديمقراطية" و" فدرالية" مضللة من قبيل دس السم بالعسل.
لنعاين معاً هذا السم بالعسل. لنعاين معاً شروط "الديمقراطية" التي فرضت على العراق، لقتله بالفوضى بدلاً من إنهاضه، ولنهبه بدلاً من تنميته ولتفتيت مجتمعه بدلاً من توحيده. إن التعريف المتفق عليه للديمقراطية هو أنها نظام سياسي تمارس السلطة فيه تحت رقابة الشعب على أن تتولى الحكم الأغلبية التي تخرج من صناديق الاقتراع، في ظل تعددية سياسية وفصل تام للسلطات وقضاء مستقل.
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على العراقيين فدرالية الطوائف والأعراق لتضرب مفهوم الشعب وليقترع الناس كل ضدّ طائفة الاخر أو عرقه أو مذهبه وقسمت البلاد الى أقاليم ليقترع كل ضد إقليم جاره فصار الاقتراع وسيلة لتفتيت فرص التوافق بين الناس بدلاً من تكوين جسم انتخابي موحد المصالح، يكون السيد المطلق في العملية الديمقراطية المفترضة.
إن تفتيت الجسم الانتخابي بحكم الدستور وشرطه بالعرقية والطائفية لم يحفظ حتى وحدة الاعراق والطوائف بل ساهم في تفكيكها. فالأكراد ما عادوا كتلة متراصة والعرب صاروا فرقاً متعادية ومتنافسة إلى حد الالغاء، حتى الشيعة الذين يوصفون بأنهم يحكمون البلد نراهم اليوم أكثر من ست كتل كل منها تتطلع الى إقصاء منافسيها بدلا من التفاهم معهم على شروط الحد الادنى.
إن الدستور الذي أشرف عليه المحتل الأميركي كان يرمي ليس إلى استبدال المركزية المطلقة التي كانت سائدة من قبل باللامركزية الرحبة التي تتيح تنمية البلاد وتمويل حاجاتها الأساسية وانما بنوع من التقسيم المجرم الذي يضع الناس بمواجهة بعضهم البعض، ويحول دون بناء دولة قادرة ووطن مستقر، وطبقة سياسية متنافسة على خدمة العراق وحمايته بدلا من ضمان وحماية مصالحها الفئوية.
إن الدستور الذي وضع بإشراف المحتل الأمريكي يفرض على الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات أن تتفاهم مع الكتل المهزومة على تسمية رئيس وزراء جديد. يفرض عليك انت الناجح في حملة إنتخابية ضد الفساد ونهب المال العام أن تتفق مع خصمك الذي اتهمته بالفساد ونهب المال العام على تشكيل حكومة لا تحاكم الفاسد بل تعيد اليه الاعتبار. بهذه الطريقة تفقد مصداقيتك أمام ناخبيك وتصبح شريكا في الفساد وعضواً في نقابة الفاسدين الموصوفين أعلاه في تصريحات دونالد ترامب.
لقد ظلم المحتل العراق والعراقيين وهذا ليس مستهجناً فكل المحتلين في العالم دمّروا وفككوا وفتتوا البلدان التي احتلّوها لذا كان الناس بعد كل اندحار للعدو يكنسون آثار الاحتلال حتى يتمكنوا من استعادة بلدانهم وفرض احترامها على الآخرين.
لن يستقر العراق ما لم يكنس العراقيون آثار الاحتلال الأمريكي من بلادهم ويجتهدوا في صياغة وثيقة دستورية تنطوي على أولويات وطنية لا فضل فيها للمحتل. وثيقة تأخذ بعين الاعتبار حسن الجوار مع محيط البلد وجيرانه حيث عاش العراقيون ويعيشون وسيعيشون في المستقبل.
لقد حان الوقت لكي يرمي العراقيون "العسل الديمقراطي المسموم" في أقرب عادم للنفايات فهم يملكون 15 تريلون دولار يستطيعون بواسطتها بناء أجمل البلدان بدلاً من أن يتطلع اليانكي الى نهبها بوصفه مخلصهم من نظام تحالف معه حتى أنهكه في حروب ضدّ جيرانه قبل أن يجهز عليه..
فيصل جلول - باحث لبناني
المزيد في هذا القسم:
- الدول الأوروبية ترفض الضغط الأميركي: لن نضع جنودنا في مواجهة مع حزب الله المرصاد نت - متابعات لم تنجح الضغوط الإسرائيلية والأميركية في تعديل مهمّة «اليونيفيل» في مجلس الأمن الدولي لتصبح عدوّاً لحزب الله وأهالي الجنوب. ...
- الرياض بلا حلفاء في مواجه أزمة النفط وتهديد المتطرفين المرصاد نت - متابعات يتابع الكيان الإسرائيلي عن كثب التطورات والمستجدات على الساحة السعودية، إن كان من الناحية الداخلية أْو من الناحية الخارجية تحديدا بعد ...
- بن سلمان لعباس: العلاقة مع تل أبيب موجهة ضد إيران المرصاد نت - هاني إبراهيم بعد نحو 40 يوماً من إعلان دونالد ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل» يعقد «المجلس المركزي المنبثق عن «المجلس الوطني...
- المغرب يواصل هذيانه بالجزائر والبوليساريو المرصاد نت - متابعات عاد المغرب إلى توجيه اتهامات مستفزة للجزائر تتعلق بـ«تحريض جبهة البوليساريو على القيام باستعراضات عسكرية في مناطق متنازع عليها&raqu...
- أستمرار العمليات العسكرية والمعارك في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس! المرصاد نت - متابعات تتواصل المعارك في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس حيث أعلنت قوات المشير خليفة حفتر أن "العمليات العسكرية في المنطقة الغريبة تسير وفقاً للخطة...
- اشتباكات عنيفة بين قوات خليفة حفتر وقوات حكومة الوفاق جنوب طرابلس! المرصاد نت - متابعات اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وقوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق في محور الخله جنوب العاصمة ا...
- صراع خفي بين انقرة وواشنطن .. والمنطقة الامنة في سوريا بيت من زجاج! المرصاد نت - متابعات عادت تركيا تهدد من جديد بشن عملية عسكرية شرقي الفرات السوري. فيما اكد وزير الدفاع التركي اصرار بلاده على انشاء منطقة أمنة في سوريا بعرض 3...
- قمة بين الكوريتين تبحث نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية المرصاد نت - متابعات استقبل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الثلاثاء رئيس كوريا الجنوبية مون جي إن في مطار بيونغ يانغ. وستسمر زيارة الرئيس الجنوبي للجارة ال...
- انتي ميديا: كيف تصنع أمريكا الحرب وتدعي صنع السلام في سوريا المرصاد نت - متابعات قال موقع انتي ميديا الأمريكي في مقال على لسان الكاتب الشهير "داريوس شاهتاسماسيبي" إن أمريكا تحاول منذ فترة طويلة إظهار نفسها كصانع للسلام...
- العفو الدولية: البحرين والسعودية والإمارات تصدر أحكاماً بالإعدام بالاستناد إلى اعترافات قس... المرصاد نت - متابعات أكدت منظمة العفو الدولية إنها رصدت أحكاماً بالإعدام أصدرتها المحاكم في البحرين والسعودية والإمارات وغيرها من الدول وذلك بالاستناد إلى اعت...