ماذا بعد سَحْب الفصائل المُسلّحة أسلحتها من إدلب؟

المرصاد نت - متابعات

خلال اليومين الماضيين سحبت الفصائل المعارضة المُسلّحة الخاضِعة للنفوذِ التركي في الشمالِ السوري أسلحتها الثقيلة مثل راجمات الصواريخ ومدافع الهاون، مع الإبقاء على Idalib2018.10.11syعناصرها مع أسلحتهم الخفيفة والمتوسّطة من المنطقة التي يُفترَض أن تكون عازلة بعُمقٍ يمتدّ من 15 إلى 20 كيلومتراً في إدلب تطبيقاً لاتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي.

تزامُناً مع الانسحاب بدأت تركيا بإرسالِ أسلحةٍ وسياراتٍ مُدرَّعة استعداداً لتنفيذ دوريات في مناطق الفصائل المسلحة بموازاة ما ستقوم به القوات الروسية في مناطق سيطرة الحكومة السورية.

لكن تطوّرات الأحداث لا تحمل المراقب على الجَزم بأن الاتفاق سيمضي إلى نفس الخواتيم التي تشتهيها جميع الأطراف المُنخرِطة فيه. فلكلّ طرفٍ تفسيراته وتأويلاته الخاصة لبنود الاتفاق. فموسكو كانت واضِحة على لسان وزير خارجيتها بضرورة عودة إدلب إلى كَنَفِ الحكومة السورية في نهاية المطاف. أمّا الرئيس التركي فبدا جازِماً أن قواته لن تخرج من سوريا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية فيها بما لا يتّفق ومُقرّرات سوتشي. في حين كل فصيل مُسلّح في إدلب لديه تفسير مختلف أو مُتباين عن تفسيرات الفصائل الأخرى في فَهْمِ بنود الاتفاق. بدوره الرئيس الأسد كان صريحاً أن الاتفاق هو إجراء مؤقّت وليس نهائياً.

وكانت عدّة مؤشّرات دلّلت على المصاعِب التي تواجه تركيا في تنفيذ اتفاق سوتشي في إدلب:

منها نفي "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضمّ عدداً من الفصائل المُقاتِلة وجود أيّ بندٍ في اتفاقِ سوتشي يقضي بتسليم المجموعات المُسلّحة سلاحها لأية جهة كانت.

ومنها أيضاً، مطلب "جيش العزّة" الذي ينشط في ريف حماة الشمالي، أن تكون المنطقة العازِلة مُناصَفة حيث تشمل مناطق تقع تحت سيطرة القوات الحكومية. ورفضه تسيير دوريات روسية داخل الأراضي الخاضعة للمُعارضة.

وخِلافاً لكل الفصائل المُسلّحة لم يصدر عن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة المُرتبطة بالقاعدة سابقاً) منذ توقيع الاتفاق ما يُحدِّد موقفها من الاتفاق. المؤكَّد أنها تجري مُحادثاتٍ داخلية مُكثّفة قبل صدور بيانها الرسمي. والراجِح أنها ستذعن للانسحاب وإن لم تباركه. فهي تفضّل المُداراة على المواجهة في هذه الحال.

ليس من المُبالغة إذا قلنا إنّ الكرة لم تعد في ملعب تلك الفصائل بل هي في ملعب الأتراك حصراً. اعتراض فصيل على بعض بنود الاتفاق أو ذهاب آخر نحو تأويله لن يكون بذي الأهمية. فهي – أيّ الفصائل المُسلّحة - ليس لديها رفاهية الخيارات في رفض الاتفاق من الأساس.

الاتفاق التركي الروسي في قراءته الأولى وضِعَ على سكّة التنفيذ وكلّ المؤشّرات على الأرض تشي بذلك. ربّما العقبة الجدّية أمام تنفيذ تركيا كامل بنود الاتفاق، تكمُن في موضوع المُقاتلين الأجانب المُختَلف حول حجم أعدادهم. وقد يتسنّى لنا لاحِقاً الحديث عن السيناريوهات المطروحة تركياً للتعامل معهم.

حالياً تركيا التي تتهيّأ لعقدِ القمّة الرُباعية (تركيا – روسيا – فرنسا – ألمانيا) في إستنبول في النصف الثاني من الشهر الجاري لا تمتلك سوى إنجاح الاتفاق كون مصالحها المشتركة مع الروس وغيرهم أضحت على المِحكّ. فهي تُجاهِد الوقت للحدّ من حجم خسائرها في سوريا في سبيل الحفاظ على ما تبقّى لها من نفوذ، بغية استثماره في المفاوضات السياسيّة الجديّة التي ستعقب الحلّ العسكري في عموم سوريا. وهذا ما يُفسِّر ربط أردوغان توقيت خروج قواته من سوريا بالانتخابات الرئاسية فيها.

بكل الأحوال لا يرغب أردوغان الظهور حالياً بصورة الرجل المُخفِق أو العاجِز أمام نظيره الروسي فلاديمير بوتين. فقد منحت روسيا تركيا الفُرَص العديدة للحفاظ على التفاهُم القائم بينهما في سوريا وطمعاً في تطوير العلاقة إلى شراكة استراتيجية تكفل تحييد أنقرة عن حلف الأطلسي في علاقات الأخير مع موسكو.

لا يطيق الأتراك طرح سيناريو فشل الاتفاق في إدلب. ولا يتحّملون حتى تخيّل هذا السيناريو. فالمسؤولون الأتراك وصحافتهم المحلّية تتجنّب طرح السؤال: ماذا لو فشل الاتفاق؟ ماذا لو لم ننجح في ضَبْطِ الفصائل المُسلّحة جميعها هناك؟

نشاط لتهيئة «إدارات محلية» في إدلب

تستغل أنقرة والجهات السياسية العاملة تحت مظلتها الوقت المخصص لسحب «الإرهابيين» وإنشاء المنطقة «المنزوعة السلاح» في التخطيط لهياكل إدارية جديدة في إدلب ومحيطها على غرار ما جرى في مناطق «درع الفرات»

بعد أيام من التغطية الإعلامية والسياسية لتحريك السلاح الثقيل بعيداً عن خطوط التماس في محيط إدلب توّجت تركيا جهودها بإعلان رسمي لنهاية المرحلة الأولى من «اتفاق سوتشي» القاضي بإنشاء منطقة «منزوعة السلاح». وأصدرت وزارة الدفاع التركية بياناً أكد إنجاز المهمة ضمن المهلة المحددة وتحمّل أنقرة «مسؤولياتها، بصفتها دولة ضامنة» لتنفيذ الاتفاق. وتوافقت تقارير وسائل الإعلام الموالية لتركيا على تصوير انسحاب «كامل» للسلاح الثقيل برغم ما بقي منه - وإن بشكل غير معلن - في جبهات يتعدى امتدادها نصف خطوط التماس في محيط إدلب.

القراءة الأولية للمرحلة التي انقضت أمس تقول إن أنقرة نجحت في استغلال الفرصة التي وفّرها الجانب الروسي لتجنّب أزمة جديدة على حدودها. وتمكّنت - إلى الآن - من ضبط فتيل النزاع بين الفصائل التي ترعاها تحت مظلّة «الجبهة الوطنية للتحرير» وباقي التنظيمات العاملة داخل منطقة «خفض التصعيد» ولا سيما «هيئة تحرير الشام». كذلك أتاح هذا الواقع إعادة ربط مسار الميدان (الهادئ) بالفريق السياسي المعارض المحسوب على تركيا وهو «الائتلاف»، بما قد يفتح المجال لاحقاً أمام طرح «سياسي» جامع في جيب إدلب الخارج عن سيطر الدولة السورية، يحظى بتمثيل على طاولة التفاوض وربما ضمن «اللجنة الدستورية». وبدا لافتاً أن الجانب الروسي رحّب بإدارة تركيا لتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، على لسان وزير الخارجية وديبلوماسيين في الوزارة، من دون أن يخرج أي تفاصيل - حتى مساء أمس - من وزارة الدفاع في هذا الشأن. قد يصبّ هذا الغياب في خانة الانتظار إلى حين انتهاء مهلة إنشاء المنطقة «منزوعة السلاح»، في الخامس عشر من الشهر الجاري.

خاصة أن الأيام المقبلة يفترض أن تشهد (وفق الاتفاق) انسحاباً للفصائل «الإرهابية» من تلك المنطقة. ولفتت وزارة الخارجية الروسية في هذا السياق إلى أن «أكثر من 1000 من المتشددين» غادروا حدود المنطقة «المنزوعة السلاح»، مع نحو 100 وحدة من الأسلحة الثقيلة. أما الوزير سيرغي لافروف، فقد قال إنه «في يوم 15 تشرين الأول تنتهي المهلة المحددة لتشكيل المنطقة المنزوعة السلاح و(التأخر) ليوم أو يومين لن يغيّر أي شيء. فالأهم جودة هذا العمل ونحن نؤيد بقوّة ما يقوم به الشركاء الأتراك».

وعقب زيارة وفد سياسي معارض لإدلب ومحيطها نقلت وكالة «الأناضول» عن رئيس «الائتلاف» الذي قاد الوفد أيضاً عبد الرحمن مصطفى قوله إن «اتفاق سوتشي يقوي المعارضة والحل السياسي». وأضاف مصطفى أن «كثيراً من الدول تبذل جهداً في سبيل إفشال الاتفاق والجيش العربي السوري الحر مدرك لهذا ولا يرد على هذه المحاولات» من دون أن يسمي الدول التي يقصدها. ولفت إلى أن «الواقع الجديد الذي أنتجه اتفاق إدلب يدفعنا إلى العمل لإعداد خطة جديدة لإدارة المنطقة» مضيفاً أنه «يجب وضع الخطة بالتنسيق مع المؤسسات التي تعمل بتماس مباشر مع الأهالي وأن تضمن توفير الخدمات والحياة الكريمة للمدنيين بأسرع وقت ممكن، والاستفادة منها في تعزيز الإدارة المدنية وتمكينها». ويذكّر هذا التوجّه بالآليات التي طبّقتها تركيا في المناطق التي احتلتها في ريف حلب الشمالي، عقب انتهاء عملية «درع الفرات».

وبعيداً عن إدلب تستمر المعارك ضد «داعش» في ريفي السويداء ودير الزور. فبينما يستكمل الجيش عملياته في بادية السويداء الشرقية وامتدادها نحو ريف دمشق تتواصل عمليات «قوات سوريا الديموقراطية» في محيط بلدة هجين من دون إحراز أي تقدم لافت. ويبدي التنظيم مقاومة شرسة في كلا الجيبين مستغلاً وعورة التضاريس وصعوبة التقدم فيها للقيام بهجمات مضادة سريعة.

أما في دمشق فقد أقرّ مجلس الشعب بأغلبية الثلثين النسخة المعدلة من «المرسوم رقم 16»، التي تتضمن 26 تعديلاً أو حذفاً للمواد وحُوِّل إلى رئاسة الجمهورية لإقراره ليصبح نافذاً أو لاقتراح تعديلات جديدة عليه.

في المُحصّلة يترقّب الأتراك بيان هيئة تحرير الشام ويراهنون على انخراطهم في تطبيق بنود الاتفاق مع ضريبةٍ أو صفقاتٍ مُرّة الهَضْم ستمرّر. ويسعون في تخفيف هواجس المُسلّحين لجهة بعض بنود اتفاق سوتش الطريق الدولي الممتد من شمال سوريا إلى جنوبها إحدى تلك الهواجس حيث لا ترغب الفصائل المُسلّحة بأيّ وجودٍ أو سيطرةٍ للقواتِ الحكوميةِ السوريةِ على تلك الطريق السريع. ويفضّلون – وهذا ما تدعو إليه تركيا - أن يكون الإشراف عليه بيدِ الأتراك أو بالشراكة مع الروس في أماكن سيطرة المُعارضة.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية