المرصاد نت - الأخبار
«أتمنى أن استيقظ من النوم ذات صباح فلا أجد غزة على الخريطة». هكذا كاشف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في اجتماع ضمهما بقصر الإليزيه بمشاعر لم يعد بوسعه أن يخفيها وكوابيس تلاحقه في النظر إلى مستقبل الدولة العبرية. كان ذلك مطلع تسعينيات القرن الماضي وأحاديث تسوية القضية الفلسطينية تتسيّد كواليس الديبلوماسية الدولية. لم تكن العبارة الكاشفة التي نقلها الرئيس الفرنسي مندهشاً من رسائلها إلى صديقه القديم الأستاذ محمد حسنين هيكل تعبيراً مجازياً مبالغاً عن هواجس ومخاوف بقدر ما كانت تأسيساً لاستراتيجية كاملة حكمت إدارة إسرائيل للمفاوضات مع الفلسطينيين في «أوسلو».
أيّاً كانت الخلفيات السياسية والانتخابية التي تكمن وراء قرار وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالاستقالة من منصبه وهي صحيحة المؤكد أنها شكّلت إحدى أبرز النتائج السياسية لانتصار المقاومة في قطاع غزة. وأنه لولا ما أسماه «الخضوع» للمقاومة ما كان ليبادر إلى هذه الاستقالة في هذا التوقيت. بعبارة أخرى نحن أمام حدث ساهم في بلورته عاملان أساسيان لكل منهما كان له موقعه الأساسي انتصار المقاومة في قطاع غزة والتنافس السياسي والحزبي على القاعدة اليمينية المتطرفة.
منذ اللحظة التي فشلت فيها إسرائيل في قمع المقاومة وردعها عندما ارتقت في اعتداءاتها على قطاع غزة وأظهرت فيها فصائل المقاومة حزماً واستعداداً للذهاب إلى أبعد مدى في ردودها الصاروخية والعسكرية أدركت تل أبيب أنها أمام خيار من اثنين، إما الذهاب في معركة مفتوحة يتعرّض فيها العمق الإسرائيلي وصولاً إلى تل أبيب وما بعدها، إلى القصف الصاروخي أو القبول بصيغة وقف إطلاق النار التي تمت في محاولة لتجنب المزيد من الخسائر البشرية والأمنية والسياسية والردعية.
واستناداً إلى التجارب السابقة وما تملكه من معلومات حول التطور الذي شهدته قدرات المقاومة في القطاع، إضافة إلى إدراكها للخيار الذي انتهجته قيادة الفصائل في القطاع، وجدت القيادتان السياسية والأمنية نفسها ملزمة بتحديد موقف صريح حول الهدف الذي تريد أن تحققه من أي خيار تتبناه هل هي تريد احتلال القطاع؟ وماذا بعد ذلك؟ هل هي تريد إضعاف قدرات المقاومة من دون أن تصل إلى الاحتلال العسكري المباشر؟ أم تريد فقط تعزيز قدرة ردعها؟ وكيف يمكن تحقيق كل من هذه الأهداف مع أقل قدر من الخسائر وبوقت أقصر؟ وهل هي مستعدة لتحمّل تكاليف بشرية وأمنية واقتصادية كبيرة لتحقيق أي من هذه الأهداف؟
أدت استقالة ليبرمان أيضاً ومعه وزيرة الهجرة والاستيعاب وعضو حزبه «إسرائيل بيتنا» صوفا لاندفر إلى اهتزاز الحكومة التي تقلصت قاعدتها البرلمانية إلى 61 عضو كنيست (أي نصف زائد واحد). وهو ما يؤشر إلى أن القيادة السياسية دخلت في مأزق حقيقي إزاء الخيارات الواجب اتباعها مع قطاع غزة وأيضاً إلى أن خياراتها الأمنية تختلط أيضاً بالحسابات الانتخابية. وكان لافتاً في هذا الإطار أن ليبرمان لم ينتقد قيادة الجيش التي روجت ودفعت للموافقة على وقف النار بل ركّز تصويبه على رئيس الحكومة وهو ما برره بالقول إن «المؤسسة الأمنية كلها خاضعة للمستوى السياسي ومن يحدد السياسات هو المستوى السياسي وبرأيي هذا المستوى قد فشل ولم يتخذ القرارات الصحيحة».
ونتيجة هذا الاهتزاز الحكومي تراوحت التقديرات داخل الساحة السياسية بين من يرجح أنه سيسعى لمواصلة عمل الحكومة بائتلاف ضيّق وهو ما سيعرِّضه للمزيد من المزايدات، خصوصاً أن إسرائيل دخلت عملياً في أجواء الانتخابات حتى لو لم يتم الإعلان عن ذلك رسمياً، هذا من دون إلغاء سيناريو اضطراره للإعلان عن تقديم موعد الانتخابات. وبحسب تقارير إعلامية، سيتسلّم نتنياهو بنفسه حقيبة الأمن، على رغم مطالب «البيت اليهودي» بتسليمها لرئيس الحزب نفتالي بينيت، كشرط للبقاء في الائتلاف وهو ما سيعرضه لمزيد من الضغوط من قبل أحد أهم منافسيه على المعسكر اليميني.
حملة أمنية للمقاومة: قوة العدو مكثت قبل العملية في منزل أحد العملاء
الي ذلك استطاعت المقاومة اعتقال عدد من العملاء الذين سهّلوا تسلل القوة الإسرائيلية والإمساك بأحدهم خلال هربه نحو الأراضي المحتلة في وقت تستمر غزة بقطف ثمرات انتصارها الأخير على أن يعود التواصل بين الفصائل والقاهرة قريباً
لم تنتهِ المواجهة المباشرة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي حتى سارع أمن المقاومة إلى شنّ حملة موسعة امتدت من وقت متأخر أول من أمس حتى مساء أمس لمتابعة ملف القوة الإسرائيلية الخاصة التي دخلت شرق خانيونس جنوب قطاع غزة وقد أفضت إلى اعتقال عدد من العملاء الذين ساعدوا القوة على التسلل. وفي هذا الوقت كان الغزيون يوزعون الحلوى فرحاً باستقالة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على خلفية المواجهة الأخيرة،
يقول مصدر في المقاومة إن «الاستخبارات العسكرية» التابعة لـ«كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» بدأت بالتعاون مع جهاز «الأمن الداخلي» التابع للحكومة منذ الساعات الأولى لبدء التهدئة مع الاحتلال حملة مكثفة شملت المناطق الشرقية لخانيونس جرى خلالها اعتقال عدد من المشتبه فيهم بمساعدة القوات الإسرائيلية التي دخلت المنطقة متخفية قبل كشفها على يد عناصر المقاومة. وأشار المصدر إلى أن بعض المشتبهين اعترفوا خلال التحقيق بمساعدة القوة جراء ارتباطهم بجهاز «الشاباك» وهو ما كشف معلومات أكثر دقة عن طبيعة القوة الإسرائيلية والمهمة التي دخلت من أجلها.
وفق الاعترافات هذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها قوات عسكرية خاصة إلى عمق القطاع كما أن القوة التي تم اكتشافها مكثت أكثر من 24 ساعة على الأقل قبل الحادث، في منزل يعود إلى أحد العملاء، قبل خروجهم لتنفيذ مهمتهم التي لم تكتمل بعد كشفهم على يد القيادي في «القسام» الشهيد نور بركة. وساد لدى المقاومة منذ اكتشاف الوحدة الخاصة تقدير بوجود قوات أخرى دخلت القطاع ولم تخرج بعد ما دفعها إلى إغلاق جميع منافذ القطاع وزيادة المراقبة والمتابعة في المناطق الحدودية خشية أي تحرك غريب وهو ما أسفر عن اعتقال عميل أثناء محاولته الهرب باتجاه السياج الفاصل.
يقول المصدر إن «الضربة التي تلقاها عملاء الاحتلال في اليومين الماضيين كبيرة فقد كشفت أجهزة المقاومة بطريقة فنية عدداً من العملاء الخطيرين الذين ساعدوا القوة داخل غزة ولم تكن حولهم أي دلالات تشير إلى ارتباطهم بالعدو».
«الانتصار يتواصل»
ولليوم الثاني على التوالي تظاهر مئات الفلسطينيين احتفاء بما حققته غزة خلال اليومين الماضيين. ووصلت مسيرة أمام منزل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية دعماً للمقاومة واحتفالاً باستقالة ليبرمان كما وزع الشبان الحلوى في مناطق متفرقة من القطاع وسط هتافات داعمة للمقاومة. ورأت «حماس» في استقالة ليبرمان «اعترافاً بالهزيمة والعجز في مواجهة المقاومة» و«انتصاراً سياسياً لغزة التي نجحت بصمودها في إحداث هزة سياسية في ساحة العدو». كذلك رأت «الجهاد الإسلامي» أن الاستقالة «انتصار لإرادة المقاومة وثبات الشعب الفلسطيني في وجه العدو» كما قالت «لجان المقاومة الشعبية» إن خروج ليبرمان «انتصار نوعي للمقاومة بعد الفشل الأمني والعسكري للعدو».
من جهة أخرى وصفت «حماس» ادعاءات رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بأنها من «توسلت» من أجل وقف النار بأنها «تثير السخرية وهي محاولة لمواجهة حالة الإحباط الإسرائيلي نتيجة الفشل والعجز الأخير» في وقت حذرت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» من «الركون إلى جهود التهدئة مع الاحتلال لأن احتمالات العدوان قائمة».
في غضون ذلك، حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في فلسطين جيمي ماكغولدريك من تدني قدرات مستشفى الشفاء وهو أكبر مستشفيات القطاع، مؤكداً أن القطاع الصحي يعاني من شحٍّ حاد في التمويل منذ سنوات. وقال ماكغولدريك الذي زار غزة أمس إن الحصار منذ 12 عاماً يحول دون دخول السلع والإمدادات والأدوية الأساسية موضحاً أنه حتى إيجاد حل سياسي «يتعين زيادة الدعم للخدمات الأساسية المنقذة للحياة».
القاهرة على الخط مجدداً
على الصعيد السياسي، نفى مصدر قيادي في «حماس»، في حديث إلى «الأخبار» أن تكون حركته قررت إرسال وفد قيادي منها إلى القاهرة اليوم الخميس، مؤكداً أن الاتصالات جارية مع المصريين، وتوجد دعوة لكن «حماس» لم تحدد موعدها بعد، وذلك في وقت سرت أنباء عن وصول وفد أمني مصري إلى القطاع اليوم. وكان عضو اللجنتين «التنفيذية لمنظمة التحرير» و«المركزية لفتح»، عزام الأحمد، قد قال إن وفداً من «حماس» سيتوجه إلى القاهرة اليوم بعد أن تأجل هذا اللقاء بسبب العدوان على القطاع، متهماً إسرائيل بأنها شنت العدوان على غزة كجزء من التخطيط لاستمرار الانقسام. إلى ذلك، استشهد عصر أمس الصياد الفلسطيني نواف العطار (20 سنة) بعد إطلاق قوات الاحتلال النار عليه أثناء عمله في بحر شمال قطاع غزة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
المزيد في هذا القسم:
- جيشا مصر وسوريا: قواسم التاريخ ومشتركات الحاضر المرصاد نت - متابعات يعدّ جيشا مصر وسوريا من أعرق الجيوش العربيّة ورغم انتزاع الجيش الجزائري أو المغربي لقب أقوى الجيوش العربية من الجيش المصري إلا أن تاريخ ا...
- الذكرى السبعين للنكبة: التحدّي الراهن للحركة الوطنية الفلسطينية المرصاد نت - متابعات تأتي الذكرى السبعين على ما تمّت تسميته «النكبة الفلسطينية» أو اختصاراً في المفهوم الشعبي «النكبة» وسط تراجع مخيف ...
- ماكرون: عصر فرنسا الأفريقية انتهى المرصاد-متابعات أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن عصر "فرنسا الأفريقية" قد انتهى، وأن بلاده الآن صارت "محاورًا محايدًا" في القارة السمراء يتحدث إلى الجميع،...
- ما حقيقة الهجوم المسلّح على سجن "جو" في البحرين؟ المرصاد نت - متابعات ثمة شيء مهم وغير مطمئن سيحدث في البحرين فبعد أيّام على محاولة قوّات "آل خليفة" اقتحام منزل الشيخ عيسى قاسم في البحرين خرجت وزارة الداخلية...
- فلسطين : صفقة ترامب ــ كوشنر عودة الإمبريالية المستنيرة؟ المرصاد نت - متابعات يجمع العديد من الخبراء الأميركيين على فكرة مفادها أن خطة ترامب ـــ كوشنر لـ«السلام» في الشرق الأوسط، «ولدت ميتة». ذلك ينسحب أيضاً على بعض...
- 71 عاماً مابين نكبة 1948م و"نكبة القرن".. القضية مستمرة! المرصاد نت - متابعات يحيي الفلسطينيون في فلسطين والمنفى والشتات الذكرى الـ 71 للنكبة وعيونهم ترنو إلى يافا وصفد والجليل مطهرة من الاحتلال عائدين إلى قراهم ومد...
- السودان : التوقيع النهائي على الاتفاق اليوم وترقّب لما بعد تشكيل الحكومة! المرصاد نت - متابعات حسمت قوى «إعلان الحرية والتغيير» مرشحها لرئاسة الوزراء بعد توافقها على الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك ليدير دفة العمل التنفيذي في البلاد...
- اسرائيل تحقق الإكتفاء الذاتي من نفط الجولان ! المرصاد نت - متابعات ضربت "إسرائيل" اتفاقيات لاهاي الدولية التي تحظرها من استغلال الموارد الطبيعية، في الجولان العربي السوري المحتل عرض الحائط وسمحت لشركة ...
- مصر : تسارع التحضيرات للاستفتاء.. السيسي باقٍ حتى 2030 م! المرصاد نت - متابعات استقرّ البرلمان المصري على تمديد ولاية عبد الفتاح السيسي عامين لتنتهي في 2024م على أن يحق له الترشّح مجدداً لولاية واحدة فقط لا اثنتين في...
- الإعتقالات والإعدامات حوّلت البحرين الى سجن كبير المرصاد نت - متابعات غصّت سجون البحرين بالمعتقلين السياسيين والمعارضين السلميين لنظام آل خليفة القمعي وأعيت الحكومة الحيلة في تقديم أحكام منصفة بحقهم بل وقامت...