المرصاد نت - متابعات
واحد وأربعون عاماً مضت على زيارة الرئيس المصري أنور السادات للكيان الصهيوني فقد فاجأ الرئيس السادات الشعب المصري والوطن العربي والعالم حين قال في خطابه أمام مجلس الشعب(البرلمان) يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1977: "ستُدهَش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم إني مُستعد إلى الذهاب لبيتهم نفسه إلى الكنيست الإسرائيلي ذاته" وهو ما رحَّب به الإرهابي الصهيوني السابق ورئيس الوزراء آنذاك "مناحيم بيغن" والأميركيون بإعلان السادات وتم تحديد يوم السبت الموافق 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 وبالفعل في ذاك اليوم هبطت طائرة الرئيس السادات في مطار بن غوريون في "تل أبيب"، وزار السادات "الكنيست" أو البرلمان الإسرائيلي وألقى خطاباً أكّد فيه أن السلام في الشرق الأوسط ممكن لكنه بحاجة إلى زعماءٍ شُجعان واعتقدنا أن المبادرة جاءت إلهاماً من السادات في سياسة "الصدمات" ولكن ما عرفناه في ما بعد أن الزيارة كان مُخطّطاً لها من قبل، ولم يكن خطاب الرئيس السادات عفو الخاطر وكان الرئيس الروماني الراحل "نيكولاي شاوشيسكو" أهم الوسطاء السرّيين بين السادات ورئيس وزراء الكيان المحتل وأيضاً كان للملك المغربي الراحل "الحسن الثاني" دور في لقاء مسؤولين مصريين ويهود في الرباط، قبيل الإعلان عن الزيارة وأن السادات زار السعودية وإيران(الشاه) قبيل الزيارة أيضاً وحصل على موافقة الجميع..
ثم حدثت أمور كثيرة منها تظاهرات في مصر وخارجها ضدّ الزيارة ولكن وفي النهاية ونتيجة لزيارة السادات للقدس تم توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي "مناحيم بيغن " في 17 أيلول/سبتمبر عام 1978 وكان من نتيجتها مُقاطعة عربية كاملة لمصر وشبه كاملة مع العالم الإسلامي لأن الاتفاقية نصّت في ما نصّت على : "إنهاء حال الحرب بين البلدين - انسحاب إسرائيل من سيناء على مراحل خلال 3 سنوات - إقامة علاقات طبيعية وودّية بعد المرحلة الأولى من الانسحاب - خفض التواجد العسكري للبلدين على الحدود".
وقد خلت المعاهدة من أيّ ذِكرٍ للقضية الفلسطينية وفي هذا اليوم تحقّق لإسرائيل ما لم تكن تحلم به اخترقت إسرائيل الوطن العربي من خلال أكبر دولة فيه، ففقد الكثير من قوّته ومِنعته كما ضعف موقف مصر في العالم العربي ففقدت كثيراً من قوّتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية لصالح مَن يُسمّون أنفسهم بدول الاعتدال العربي وعلى رأسهم الدولة السعودية فرغم التزامها قرارات قمّة بغداد عام 1979 بقطع العلاقات مع مصر لكنها كانت راعية للسلام مع الكيان الصهيوني ثم قامت باستغلال المواقف وزيادة أسعار النفط فروَّجت ونشرت ودعمت الفكر الوهّابي التكفيري وهو المُعادِل والمُعاوِن للكيان الصهيوني في تجزئة وتمزيق الدول العربية وفي النهاية عادت العلاقات إلى طبيعتها بين مصر والدول العربية والإسلامية ربما ما عدا دول المُمانعة أو المقاومة لأن الدول العربية بدأت تدخل في بؤر الهزائم بعد اتفاقية "كامب دايفيد" ولكن دائماً ما كان للشعوب رؤى كثيرة مخالفة للرؤى الرسمية، فلو عدنا إلى الذاكرة سنجد أن المواقف الشعبية المصرية والعربية نابعة من الضمير الديني والقومي معاً صحيح في داخل مصر كثيرون من طوائف الشعب المصري رأوا أو اعتقدوا أن الزيارة ستؤدّي إلى السلام في المنطقة، وتكفُّ نار الحرب التي لم تهدأ منذ العام 1948 وأن مصر قدّمت مائة ألف شهيد دفاعاً عن القضية الفلسطينية وأنها تمكّنت من هزيمة الكيان الصهيوني والعبور فوق الهزيمة وعبور قناة السويس فانهار خط بارليف وتحرَّر جزء من الأرض عام 1973 وقالوا لا مانع من استكمال تحرير سيناء بالسِلم من دون إراقة الدماء تلك رؤية كان لها بالفعل أنصارها وروَّجها النظام ومؤيّدوه :- المؤسّسة الدينية الأكبر أي الأزهر الشريف – الصحف – المجلات – التلفزيون...الخ.
ولكن في المُقابل رأت غالبية المصريين وكل العرب والمسلمين، أن الصهيونية اليهودية لا أمان لها وأن الكيان الصهيوني لن يتوَّرع عن إخراج مصر من دائرة الصِراع ومن ثمّ يمكن إثارة الحروب مع الدول العربية الأخرى وأهمها ما تُسمّى "دول الطوق" وهي سوريا والأردن ولبنان وتوجد مقولة شائِعة في العالم العربي "لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سوريا" وهي فيها بعض الحقيقة لأن الكيان الصهيوني استغلّ السلام مع مصر فحدثت الهزائم المُتتالية للدول العربية : قام بإقناع "صدّام حسين" بالحرب ضدّ إيران بعد نجاح الثورة الإسلامية وعدائها للصهيونية لمدّة ثماني سنوات – غزو إسرائيل للبنان ودخول بيروت عام 1982 – غزو واحتلال صدّام حسين للكويت 1990 – اتفاقية أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل 1993 – اتفاقية سلام "وادي عربة" بين الأردن والكيان الإسرائيلي 1994 – مبادرة السعودية في مؤتمر القمّة العربية عام 2002 في بيروت للاعتراف بالكيان الإسرائيلي في مقابل دولة فلسطينية هزيلة تمنع عودة اللاجئين لا تعترف بالقدس الشريف عاصمة لها – غزو واحتلال أميركا للعراق عام 2003.
كل هذا حدث ومصر غائِبة عن المشهد العربي أو موافقة عليه فكانت اتفاقية السلام بداية سلسلة الهزائم العربية لم ينتج منها سوى هزيمة الاحتلال الصهيوني أمام المقاومة الإسلامية في لبنان عامي 2000 و2006، وفي حربي غزّة 2008 و2012 ولكن هذا لم يمنع استمرار المؤامرة، فكان الأخطر هو ما حدث منذ العام 2011 عندما اندلع ما أسموه "الربيع العربي" ولكنه كان خريفاً بائساً مروّعاً فقد كاد يتحقّق ما كتبه الصحافي البريطاني "جوناثون كوك" في كتابه "إسرائيل وصراع الحضارات" كيف استغلّ المُتطرّفون في إسرائيل صدمة الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 لتعميق التمزّق العِرقي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط، فيرجع الكاتِب هذه الخطّة لأيام حُكم "ديفيد بن غوريون" قبل أكثر من ستين عاماً والتي شرحها الكاتِب الإسرائيلي "أوديد ينون" في مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية لعام 1982 بقوله: "علينا تحويل العالم العربي لموزايك مُفكّك من مجموعات عِرقية وطائفية ضعيفة يمكن أن تستغلّها إسرائيل كما تشاء..
كما علينا تحويل مصر لنمرٍ من ورق والعمل على تحطيمها اقتصادياً وتفكيكها بصراع بين الأقباط والمسلمين وبإضعاف مصر الموحّدة للعرب ستستطيع إسرائيل تفتيت باقي دول المنطقة من المحيط إلى الخليج، والسيطرة عليها لحماية وجودها..." وهي نفس رؤية الكاتب الصهيوني الراحل "برنارد لويس" وقد حدث هذا كله في ظلّ السلام المصري مع الكيان الصهيوني ويمكن تلخيص هذا كله في أن المؤامرة تعتمد على حلفاء من الداخل الإسلامي والخارج الصهيوني، فقد تحالف الإرهاب الوهّابي الداعشي التكفيري مع الرؤية الصهيونية القائمة على تمزيق الدول العربية، خاصة تلك الدول التي تمتلك جيشاً قوياً، وكانت سوريا بؤرة الصراع الدموي عشرات الآلاف من الإرهابيين من كل الجنسيات تدخل الأرض السورية الآلاف من الجيوش النظامية وغير النظامية، الأميركية والبريطانية والتركية وتمويل خليجي سخيّ لكل الإرهابيين والمُستعمرين على السواء لإسقاط الدولة السورية ولكن نجت سوريا من الفخّ الظالم لأسبابٍ كثيرةٍ تؤكّد أن المقاومة دائماً ما تلتقي بمَن يؤازرها بعد عون الله فكانت الدولة الروسية هي التي ساعدت ومعها إيران دولة المقاومة وكما صمدت اليمن ومصر نجت بالفعل من مستقبلٍ دامٍ عندما تصدّت وحاربت الخطر الصهيوني في زيّه التكفيري.
المُثير أن مقولة الرئيس أنور السادات عندما أعلن أن 99% من أوراق مشكلة فلسطين في يد أميركا سقطت عندما قامت روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي بدعم مصر وجيشها وهو الدعم الذي أسهم في صمود الجبهة المصرية ضدّ الصهيونية، وضدّ الفوضى التكفيرية فالسلام مع إسرائيل مثل مَن ينام مع الثعابين في جحورها ويظل يُحسَب للشعب المصري أنه ظلّ ومازال يعرف أن عدوّه الطبيعي هو الكيان الصهيوني ولقد عبّر الفنُّ المصري في فيلم من بطولة الفنّان عادل إمام "السفارة في العمارة"، ليعزف على وتر الرفض الشعبي للتطبيع أو التعاون أو تبادُل الزيارات، فاستقبله المشاهدون بقدرٍ من التفاؤل والحَذَر والكراهية أيضا للصهيونية وللسلام الذي مضى عليه أربعون عاماً وأكثر...
كتب : علي أبو الخير - كاتب مصري.
المزيد في هذا القسم:
- علم فلسطين فوق الأقصى وإسرائيل تعتدي على المصلين في باحات المسجد المرصاد نت - متابعات في ضربة حققها الفلسطينيون ضد الإحتلال الإسرائيلي استعاد المواطنون والمصلون المسجد الأقصى بعد تراجع إسرائيل عن إجراءاتها على أبواب المسجد ...
- تونس : إضراب عام لزيادة الأجور و«اتحاد الشغل» يتجه إلى التصعيد ! المرصاد نت - متابعات لم تفضِ مفاوضات اللحظات الأخيرة في الوصول إلى اتفاق يُلبّي مطالب الاتحاد النقابي الأكبر في تونس يطوي صفحة خلاف امتد أكثر من عام. تقول الحك...
- أيّ خيارات للرد على الانقلاب السعودي؟ المرصاد نت - هيام القصيفي على وقع الاستشارات التي يجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد استقالة الرئيس سعد الحريري طغت على النقاشات السياسية محاولة فهم وت...
- فلسطين : لا اتفاق فصائلياً على آليات «مواجهة صفقة القرن»! المرصاد نت - متابعات بينما باتت قضية مواجهة الخطة الأميركية المسمّاة «صفقة القرن» في علم الغيب فلسطينياً رسمياً وفصائلياً على وجه التحديد أجّل رئيس السلطة الف...
- قمّة «العشرين»: فرصة جديدة لتهدئة الحرب التجارية ! المرصاد نت - متابعات في سياق البحث عن حل للحرب التجارية المشتعلة بين الصين والولايات المتحدة تسعى بكين إلى نزع فتيل هذه الحرب وذلك خلال لقاء رئيسي البلدين &la...
- أبو ظبي تستعين بـ«السي آي اي» لبناء «إمبراطورية تجسس» المرصاد نت - متابعات كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن أن دولة الإمارات تدفع أموالاً طائلة لمسؤولين سابقين في «وكالة الاستخبارات المركزي...
- بين العسكريين والليبراليين الجُدُد: الحلقة المفرغة للسلطة السياسية في الدول العربية"2" المرصاد نت - متابعات «نخبة السلطة» في البلدان العربية: «الليبراليون الجدد» في مواقع الحكم تناولنا في مقالتنا السابقة ظاهرة «العسكريين» ودورهم النافذ في معادل...
- الرياض - طهران ... «التهدئة» تتواصل! المرصاد نت - متابعات في توقيت سياسي حساس يعقب ذروة التصعيد الإقليمي المرشّح للاستمرار بصور مختلفة جاء تصريح وزير الخارجية السعودي حول إيران ليسلّط الأضواء على...
- السعودية.. تفاعل واسع على تصريح روسي رسمي عن محاولة "إلغاء" المملكة المرصاد-متابعات تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا وما قالته عن محاولات عزل وتهميش ...
- الجزائر .. خريف بوتفليقة المرصاد نت - يوسف عبدالعزيز ظهر الرئيس أخيراً بعد شهر من الغياب والشائعات ورسم السيناريوات المحتملة وغير المحتملة عن كيف سيزفّون الخبر للناس. ظهر يجالس وزي...