المرصاد نت - علي فواز
فيما تعيد الانتخابات المحلية التركية تشكيل الخارطة السياسية في الداخل يتعرض حكم إردوغان إلى المزيد من الضغوط الخارجية في إطار علاقته المتوترة مع الإدارة الأميركية. ضغوط قد تتحوّل إلى إجراءات مؤلمة بحق الرجل الذي تلقى صفعة قاسية في صناديق البلديات ولا ينقصه المزيد من الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تستثمرها المعارضة.
شكّل البعد الاقتصادي عاملاً مرجحاً في تحديد النتائج التي أفضت إليها صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية التركية. هذا ما ذهبت إليه صحف أجنبية وعدد من المهتمين والمتابعين للشؤون التركية.
النتائج مثّلت ضربة قاسية لحزب العدالة والتنمية وأثارت أسئلة حول مستقبل الرئيس التركي في الحكم. على صفحتها الرئيسية كان سؤال صحيفة "الغارديان": "هل تكون صدمة نتائج الانتخابات المحلية بداية نهاية إردوغان؟"، فيما جاء عنوان "بلومبرغ" معبّراً بمعانيه الرمزية: "إردوغان يعلم أن الامبراطوريات السياسية يمكن أن تذوب في مدينة واحدة"، في إشارة إلى اسطنبول المدينة الأبرز التي خسرها.
منذ صعوده إلى الحكم عام 2002 م عّزز حزب العدالة والتنمية حضوره عبر نجاحه في إدارة الملف الاقتصادي. استطاع إنقاذ البلاد من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية. أزمة أفضت إلى انهيار الليرة وارتفاع التضخم إلى نسبة 70% وإفلاس نصف البنوك ووصول معدلات البطالة إلى مستويات قياسية. في أقل من عقد وتحديداً في عام 2011م وصلت تركيا إلى المرتبة الثانية عالمياً وحلّت بعد الصين في النمو الاقتصادي حيث بلغ نموها 8.8% .
ورث الحزب منذ انتخابه اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي وُقّع عام 2001م أجبره ذلك على اتخاذ مجموعة إجراءات قاسية من ضمنها الاعتماد على استراتيجية السوق وتعويم سعر الليرة ورفع استقلالية البنك المركزي.
يفتخر إردوغان بأن بلاده نجحت بتسديد المتوجبات التي عليها. إلا أن الإجراءات والإصلاحات الهيكلية التي فُرضت عليها أثناء ذلك كانت من بين الأسباب التي خلّفت أزمة بنوية في الاقتصاد التركي. ثغرة نجحت دول مناوئة لتركيا مثل السعودية والإمارات من النفاذ عبرها في الأشهر الأخيرة والضغط على العملة التركية.
الاقتصاد التركي يعاني مجدداً اليوم. المؤشرات المالية والاقتصادية بلغت مرحلة من الخطورة التي تتفاقم على إثر الخلاف الناشب مع الولايات المتحدة على خلفية مجموعة من الملفات. أبرز هذه الملفات قضية الكرد في سوريا. في الثالث من الشهر الحالي حذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنقرة من عواقب أي عمل عسكري تركي منفرد شمال شرقي سوريا. تحذير يأتي عقب تصريح آخر لنائب الرئيس الأميركي مايك بينس على خلفية قضية شائكة أخرى، هي صفقة إس 400 مع روسيا. أعلن بنس صراحة، أنه ينبغي على تركيا الاختيار بين الشراكة مع حلف الناتو أو شراء منظومات الدفاع الروسية.
تهديدات تتساوق مع تلويح بالعقوبات مصدره هذه المرة مسؤول أميركي رفيع المستوى. المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته هدّد أنقرة الثلاثاء الماضي بفرض المزيد من العقوبات حال شرائها أنظمة إس-400.
علاقة أنقرة مع الناتو لم تكن على ما يرام في السنوات الأخيرة. إلا أن وارثة الخلافة العثمانية تدرك في النهاية حجمها وتأثيرها وأهمية موقعها الجيوسياسي. موقع يؤهلها لدور وازن في الإقليم ويجعلها حاجة للأطراف المتنازعة. يوم الجمعة في الخامس من الشهر الحالي ردّ أردوغان على تعليقات غربية تتعلّق بالانتخابات البلدية. قال إن الولايات المتحدة وأوروبا تحاولان التدخل في شؤون بلاده الداخلية، وعليهما أن تعرفا حدودهما.
ليس من السهولة التخلي عن تركيا من قبل الغرب. يتعزّز ذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 م وفي ظل التقارب التركي مع روسيا، وغياب أي بدائل في الداخل التركي مستعدة للقبول بأي سياسة غربية لا سيما بالنسبة إلى الكرد. ذلك لا يعني أنه لا يمكن إيلام أردوغان وإحراجه داخلياً من خلال الضغط على العملة التركية وفرض المزيد من العقوبات على اقتصاده المترنح. من شأن هذا الأمر أن يضع حكم العدلة والتنمية أمام ضغط شعبي ويوفّر للمعارضة هامشاً أوسع للتصويب على سياسة أردوغان.
خلال الحقبة الذهبية لحكمه كان الاستقرار السياسي الناتج عن انفراده بالسلطة أحد عوامل القوة التي أتاحت لحزب أردوغان تنفيذ مشاريعه التنموية. هذه المعطيات تغيّرت مع إعادة تشكل الخارطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة. صحيح أنها انتخابات محلية وأن هناك متسع من الوقت أمام "العدالة والتنمية" لإجراء مراجعة باتت ضرورية قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، إلا أنه مع نجاح المعارضة في الوصول إلى البلديات الوازنة، لا سيما في اسطنبول، بات بإمكانها فتح ملفات تحوم حولها شبهات فساد بملايين الدولارات. تجدر الإشارة إلى أن موازنة بلدية اسطنبول لعام 2018 م بلغت نحو 11 مليار و144 مليون دولار بحسب معطيات رسمية. وفقاً لوكالة الأناضول فإن هذه الميزانية تجاوزت ميزانيات 18 وزارة تركية كل على حدة.
في خضم هذه المرحلة الشائكة بملفاتها يجد إردوغان نفسه محاطاً بمجموعة ضغوط داخلية وخارجية. لكنّ إردوغان المعروف ببراغماتيته غير قاصر ربما على إدارة التبيانات مع حلفائه في إطار السياسة الخارجية. يدرك الطامح إلى استعادة أمجاد السلطنة العثمانية في النهاية حدود قوته ويعرف كيف يتجنب "كسر الجرة" مع السيد الأميركي. إفراجه عن القس الأميركي أندرو برونسون العام الماضي والتي جاءت بعد رفع سقف التصريحات تجاه واشنطن، يشكّل مثالاً على سلوك سياسي يمكن أن نتوقّع تكراره مستقبلاً.
ورغم التصريحات الحادة والمواقف المتوترة ما زال من المبكر الحديث عن خروج تركي من الناتو. وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رد على تهديدات بنس آنفة الذكر. قال إن أحداً لا يمكن أن يخيره بين الناتو وبين روسيا وأن تركيا ماضية في الصفقة مع روسيا. لا يعني ذلك أن المخارج أغلقت. تركيا صاحبة ثاني أقوى وأكبر جيش في الناتو بعد أميركا مستمرة في عضويتها. لكنّها في السنوات الأخيرة باتت أكثر تقرباً من روسيا. تقرّب لا يسمح بأن تستعيد قاعدة أنجرليك، التي لعبت دوراً محورياً في التجسس على الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة دورها السابق.
العلاقة مع روسيا باتت محورية في السنوات الأخيرة بالنسبة لأنقرة. أبعادها الاقتصادية على قدر كبير من الأهمية من دون أن يقلل ذلك من أهميتها السياسية.
تسعى تركيا اليوم إلى استقلالية خارج إطار "الدولة الوظيفية" التي تريدها لها الولايات المتحدة. يتيح لها ذلك قدرة على إمساك العصا من الوسط وعلاقة متوازنة في عالمٍ يشهد سيولة قُطبية. هذا الدور الجديد هو بالتحديد أكثر ما يزعج الأميركيين. هو أساس الخلاف ولو اتخذ أشكالاً وعناوين متعددة.
المزيد في هذا القسم:
- الغرب يعرقل مسار عودة اللاجئين السوريين إلى أرض الوطن المرصاد نت - متابعات رغم الجهود الدولية ولاسيما من جانب البلدان المجاورة وحلفاء دمشق الهادفة إلى توفير ظروف مواتية لعودة المشردين واللاجئين ووضع حدّ لفترة طوي...
- ماذا يحدث عندما يقرر آل سعود شقّ عصا الطاعة؟ المرصاد نت - جعفر البكلي في شتاء سنة 1965 استرعت انتباه عملاء الـ«أف بي آي» أنشطة غريبة يقوم بها تجار السلاح في الولايات المتحدة كان هؤلاء يسعون إل...
- عن القمة الاقتصادية العربية في بيروت: إلى متى تستمر "مقاطعة" سوريا؟ المرصاد نت - متابعات انتفى الغرض من القمة العربية. كان الهدف منها بالأصل جمع من تفرق من الدول لأسباب سياسية بعضها يتصل بالخوف من الوحدة وبعضها الآخر بسبب الخو...
- تشومسكي: ترامب يشعر بالراحة في السعودية -الديكتاتورية الوحشية- المرصاد نت - متابعات قال نعومي تشومسكي الكاتب والفيلسوف الامريكي الشهير إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشعر بالراحة وكأنه في منزله في السعودية -الديكتا...
- مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة لبحث تطورات قضية الجولان السوري المحتل! المرصاد نت - متابعات يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة مساء اليوم الأربعاء لبحث الوضع في المنطقة بما فيها قضية الجولان السوري المحتل. وأعلن رئيس مجلس الأمن ا...
- صفقات عسكرية سعودية جديدة: مزيد من «الباتريوت» و«خدمات جوية» المرصاد نت - متابعات بعد مرور ما لا يزيد على شهر على إبرامها صفقة ضخمة للتزود بمنظومة «ثاد» الدفاعية الأميركية حصلت السعودية على عقدَين لا يقلان ض...
- بعد هزيمة "داعش".. لبنان يستعد للاحتفال بـ"التحرير الثاني" المرصاد نت - متابعات بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي على يد الجيش اللبناني والقوات السورية وقوات حزب الله في "جرود القلمون" و"عرسال" يستعد لبنان للاحتفال بهذا...
- بعد الحريري وشفيق... آل ثاني ضحية عملية «اختطاف» إماراتية؟ المرصاد نت - متابعات أنتشر أمس مقطع مصور يظهر فيه الشيخ القطري عبدالله بن عبد الرحمن آل ثاني وهو يتهم أبو ظبي باحتجازه محمّلاً ولي عهدها المسؤولية عن أي مكروه...
- "فورين بوليسي" ماهي الاسباب الحقيقية وراء الازمة الخليجية؟ المرصاد نت - متابعات نشرت مجلة "الفورين بوليسي" تحليلا سياسيا مطولا تحدثت فيه عن "الأسباب الحقيقية وراء أزمة دول مجلس التعاون وقطع العلاقات مع قطر وحصارها" ...
- الرئيس بشار الأسد يستقبل وفداً فرنسياً في دمشق المرصاد نت - متابعات إستقبل الرئيس بشار الأسد اليوم الأحد وفداً فرنسياً ضم 3 أعضاء من الجمعية الوطنية الفرنسية ومجموعة من المثقّفين برئاسة تييري مارياني عضو ا...