بعد ميناء الفجيرة .. اشتعال نفط أرامكو يربك الحسابات !

المرصاد نت - متابعات

بمعزل عن تعدد التأويلات حول الجهة التي تقف وراء تفجيرات ميناء الفجيرة إلا أن خلاصة ما حدث عبر استهداف منشآت أرامو وقبلها ميناء الفجيرة تثبت أن وعود مايك بومبيو بتعويض النفط ALfgiraaah2019.5.15الإيراني احترقت وأن إمدادت النفط من السعودية والإمارات غير مستقرة.

"المستقبل سيثبت أن مصادر النفط في الإمارات والسعودية ستكون الأقل استقراراً على مستوى العالم". هكذا عبّر حشمت الله فلاحت بيشة بتاريخ 24 نيسان/ أبريل الماضي على تويتر. عشرون يوماً كانت كافية كي يثبت المستقبل القريب صحة توقعات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني. غداة حادثة ميناء الفجيرة عاد فلاحت بيشة ووصف الانفجارات بأنها دليل على أن "أمن جنوب الخليج هش كالزجاج".

يومان فصلا انفجارات ميناء الفجيرة عن استهداف منشآت لأرامكو في السعودية بواسطة طائرات مسيّرة. الاستهداف الذي تبنته "أنصار الله" اليمنية الثلاثاء أدى بحسب وزير الطاقة السعودي إلى توقف محطتين عن ضخ النفط. الخسائر الناتجة عن توقف إمدادات النفط انعكست تراجعاً في قيمة الأسهم المتداولة في البورصة السعودية.

بين الحادثتين أوجه تشابه. رغم اختلافهما في الحيثيات والظروف إلا أنهما تتقاطعان في خلاصة جوهرية. كلاهما استهدف منشآت حيوية نفطية تتجاوز انعكاساتها السعودية والإمارات لتطال أوروبا وأميركا والصين وسائر الدول المستوردة للنفط. المنشآت المستهدفة في الحالتين تمثّل خطوط إمداد بديلة عن مضيق هرمز. واحدة تطل على خليج عمان والأخرى على البحر الأحمر. بهذا المعنى يمكن تصنيفهما عمليتين نوعيتين من حيث التنفيذ، استراتيجيتين من حيث القرار والنتائج.

كشفت عملية ميناء الفجيرة عن جهة محترفة تقف وراءها. عملية دقيقة وموضعية وفائقة التخطيط. تحتاج بحسب خبراء عسكريين إلى قدرات استخبارية وأمنية. هي أيضاً مدروسة حيث تجنّبت بشكل مقصود على ما يبدو عدم وقوع إصابات واستهدفت ناقلات فارغة من حمولتها، ربما لتثبيت التهمة على إيران، أو لترك رسالة مشفّرة. في هذا الإطار برزت تصريحات إيرانية حول الفاعل. المتحدث باسم البرلمان الإيراني بهروز نعمتي اتهم، الثلاثاء، إسرائيل بالوقوف وراء الاعتداء. كما نقلت وكالة إيرنا للأنباء عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس، قوله إن الهجمات ربما نفذها "مخربون من دولة ثالثة يسعون لزعزعة استقرار المنطقة".

في هذا السياق قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده تشعر بالقلق إزاء ما وصفها بالأعمال التخريبية المثيرة للشك في مياه الخليج. وأكد أن هناك من يسعى إلى إثارة التوتر في المنطقة عبر تنفيذ أعمال تخريبية.

بعكس عملية أرامكو لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الفجيرة. بشكل لافت محمّل بالدلالات لم تتهم السعودية ولا الإمارات ولا الولايات المتحدة إيران رسمياً عن العملية. بقيت الجهة المنفذة متوارية خلف التحليلات. مسؤول أميركي مقرب من الاستخبارات صرّح لوكالة الأسيوشيتد برس إن "​إيران​ المشتبه به الرئيسي في الاعتداءات لكن لا دليل لدى ​واشنطن​ على ذلك".

تفجيرات ميناء الفجيرة يقف وراءها جراح محترف. يصحّ ذلك في حال كان الهدف من ورائها ردع أميركا أو دفعها إلى حرب مع إيران أو كانت الغايات خارج سياق الاشتباك الأميركي الإيراني المباشر. في حال كان الهدف إشعال الحرب، فإنها بحسب الخبراء أدت إلى نتائج عكسية. برّدت الرؤوس الحامية ولجمت مسار التصعيد. تضافر المتضررون إلى البحث عن مخارج وحلول على وقع توتر متصاعد تقوده أميركا ضد إيران، وإجراءات مضادة متدرجة دشّنتها الأخيرة.

بموازاة ذلك اختبرت الحادثة احتمالات الحرب ووضعتها على المحك. يرى خبراء في هذا الإطار أن الحادثة شكّلت ذريعة لأميركا في حال كانت نواياها تميل إلى الحرب. في هذه الحالة سوف تستغل واشنطن الحادثة وتهيئ أجواء المعركة عبر اتهام إيران. في حال العكس، حتى لو كانت إيران وراءها فسوف يتم تجهيل الفاعل.

في غياب المعطيات الدقيقة تتعدد الاحتمالات وتتفرع منها تعقيدات لا تنتهي. كل احتمال له ما يبرره وما يدفع إلى الاعتقاد به. أن يكون عمل مدبّر من داخل محور أميركا- السعودية- الإمارات، أو أن يكون الفاعل طرفاً ثالثاً إما لإشعال الحرب أو تفاديها، أو أن يكون "أنصار الله" في إطار الحرب على اليمن أو إيران بهدف الردع، أو لأسباب أخرى كثيرة ومتعددة. في هذا الإطار يبرز تصريح المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران. يقول براين هوك إن بلاده لن تتجاهل الاعتداءات الإيرانية. البارز في كلامه ما يلي: "لا يمكن للإيرانيين أن ينظموا ويدربوا ويجهزوا وكلاءهم ثم يتوقعون أن نصدق أن لا دور لهم". كلام أعقبه تصريح لمسؤول أميركي الثلاثاء مفاده أن "وكالات الأمن الوطني (الأميركية) تعتقد أن متعاطفين مع إيران ربما هاجموا ناقلات النفط وليس القوات الإيرانية.

كأي عملية دقيقة بقي الوضع بعد حادثة الفجيرة تحت العناية الفائقة والمتابعة المركزة مع إدراك تام لخطورة المضاعفات التي قد تنجم عنها. تطورات الساعات التالية كانت بنظر المراقبين فرصة لتتبع المؤشرات والاتجاهات المحتملة. على نحو مفاجئ ودرامي لا يقلّ خطورة عن انفجارات الجميرة أعلنت "أنصار الله" عن عمليتها النوعية. اشتعل النفط السعودي وتوقفت الإمدادات وتراجعت البورصة.

بعكس الحادثة الأولى تأتي عملية استهداف أرامكو بتوقيع واضح وسياق بيّن. وضعته "أنصارالله" في إطار العدوان على اليمن وحق الردّ المشروع. إلا أن العملية تزداد أهمية وخطورة في ظل المتغيّرات التي تحدث في المنطقة، وتكتسب زخماً مضاعفاً في توقيتها الزمني الذي يأتي بعد يومين على العملية الأولى. نفط السعودية والإمارات لم يعد آمناً. المصالح الأميركية باتت مستهدفة، ومعها مصالح أوروبا امتداداً إلى دول شرق آسيا.

بالعودة إلى قرارات الإدارة الأميركية بتصفير عائدات النفط الإيراني المرفقة بعقوبات على المخالفين وعد مايك بومبيو زبائن إيران بتعويضهم من النفط السعودي والإماراتي. وعود صدّقت عليها كل من الرياض وأبو ظبي. خلاصة ما حدث في الساعات الأخيرة اشتعال النفط البديل واحتراق الوعود. هي "بروفة" لموجة الخسائر التي يمكن أن تجتاح العالم في أي حسابات خاطئة.

مَن يحاول دفع الخليج إلى حرب؟

تتزاحم التطوّرات في منطقة الخليج بشكلٍ دراماتيكي فبعدما وصلت العقوبات الأميركية على إيران إلى مستوى غير مسبوق جاء الردّ الإيراني الحاسِم بإعطاء أطراف الإتفاق النووي مهلة ستين يوماً لتنفيذ التزاماتهم أو الخروج من الاتفاق...

ثم أخذت التهديدات بين الطرفين منحى عسكرياً فأرسل الأميركيون حاملة الطائرات إبراهام لنكولن إلى المنطقة وهدّد بولتون بالرد عسكرياً على إيران في حال اعتدت على المصالح الأميركية أو على الحلفاء وكان الردّ الإيراني واضحاً بأن وجود القوات الأميركية في المنطقة يشكّل فرصة بدل أن يكون تهديداً.

وعلى وقع ضجيج التهديدات حصلت حادثة تخريب السفن في ميناء الفجيرة الإماراتي بشكل يوحي وكأن هناك مَن يحاول أن يدفع الأمور إلى التصعيد، فمَن هم أصحاب المصلحة في ذلك؟

لا شكّ أن البيانات الهادئة التي صدرت عن كل من السعودية والإمارات وعدم توجيه الاتهام لأيّ طرف تشي بأن الأطراف الخليجية تُدرِك جيداً بأن أيّ تصعيد في المنطقة لن يكون لصالحها.

بالطبع، لا تريد الأطراف الخليجية أن يخفف ترامب من ضغوطه على إيران كما يجدون أن العقوبات تحقّق لهم أهدافاً مهمة، كتقويض النظام الإيراني، وتأليب الشعب الإيراني ضد حكومته، كما منع إيران من تصدير نفطها وإفقارها ما يقلّص من قدرتها على دعم المقاومات في العالم العربي. لكن بطبيعة الحال، تدرك هذه الدول أن الحرب لن تكون نزهة وستؤدّي إلى كوارث على المنطقة وشعوبها وستكون لها ارتدادتها الكارثية على الأسواق العالمية.

أما إيران فهي - وبالرغم من مواجهة التهديد الأميركي بتهديد مقابل- إلا أن الإيرانيين أيضاً يدركون خطورة الانجرار إلى حرب، بالإضافة إلى خطورة إغلاق مضيق هرمز على سمعة إيران الدولية  وأمن المنطقة والاقتصاد الإيراني أيضاً، إذ أن أكثر من 70 بالمئة من الصادرات الإيرانية تمرّ عبره.

لذا نجد أن الإيرانيين غير معنيين بالتصعيد، وهم يحاولون منذ مجيء ترامب إلى الإدارة الأميركية أن يستخموا سياسة "الصبر الاستراتيجي" بالرغم من كل الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد الإيراني.

بالنسبة للأميركيين، تنقسم المواقف في الإدارة الأميركية بالنسبة للتصعيد مع إيران، فنجد أن الرئيس ترامب وبالرغم من تعنّته ضد الإيرانيين، إلا أنه ليس من هواة شنّ الحروب العسكرية طالما تحقّق الحروب الاقتصادية الأهداف الأميركية من دون كلفة، لذا عرض على الإيرانيين الاتصال به للمفاوضات . أما مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، جون بولتون فيمكن التكهّن برغبته الدائمة بالتصعيد وعدم رغبته بأيّ انفراج مع الإيرانيين، لدرجة أنه يمكن التكهّن بقيامه بإفشال أيّ اتفاق أميركي إيراني - قد يحصل -  بغضّ النظر عن المكاسب الأميركية فيه.

أما الطرف الأكثر استفادة من أيّ تصعيد، ولا نستبعد قيامه ببعض الاستفزازات لشحن الأجواء للحرب هو إسرائيل. واللافت ما كانت قد ذكرته صحيفة معاريف قبل أيام من حادثة الفجيرة من أن جهاز الموساد الإسرائيلي قد حذّر الأميركيين من هجوم ستشنّه إيران على الأميركيين أو أحد حلفائهم في الخليج. وتحدّثت الصحيفة أن إسرائيل نقلت تلك المعلومات إلى الأميركيين قبل أسبوعين خلال لقاء عُقِد فى واشنطن بين رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلى مئير بن شبات وجون بولتون.

بالطبع من مصلحة الإسرائيليين دفع منطقة الخليج إلى حرب تنخرط فيها دول مجلس التعاون الخليجي   ضد إيران... وبالرغم من إدراك الإسرائيليين عدم قدرة الخليجيين على الانتصار في هذه الحرب ولكن على الأقل يأمل الإسرائيليون أن يزيد التقارب الخليجي الإسرائيلي، ويتم إحراج إيران وإغراقها في حرب تلهيها عن دعم حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله فتحقّق مصلحة مزدوجة.

وبغضّ النظر عن الآمال الإسرائيلية تلك  لا نجد أن المنطقة ستذهب إلى حرب وستمارس الدول المعنية أقصى درجات ضبط النفس لإدراك الجميع أن شرارة قد تشعل حرباً اقليمية سرعان ما ستلهب العالم كله.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية