أبرز التطورات الميدانية والعسكرية في المشهد السوري!

المرصاد نت - متابعات

في ضوء تواصل المعارك العنيفة في ريف حماة الشمالي وغياب أفق واضح لمسار المحادثات الروسية ـــ التركية زاد غياب التصريحات من مسؤولي أنقرة وموسكو خلال الأيام الماضية المشهد Syriaaa2019.6.10ضبابية. وبعدما اجتمعت المعطيات الميدانية لترسم مسار تصعيد لا تهدئة في أطراف «جيب إدلب» الجنوبية كسر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حلقة الصمت تلك بتصريحات عزّزت ما عكسه الميدان. إذ أكد في تصريحات صحافية أمس أن قوات بلاده والجيش السوري سيردان بقوّة على هجمات المجموعات المسلحة انطلاقاً من إدلب.

لافروف لم يستخدم لهجة ديبلوماسية في الحديث عن إدلب وقال بوضوح إن «الإرهابيين يقومون بشكل منهجي بالاستفزازات ويهاجمون مواقع الجيش والبلدات وكذلك قاعدة حميميم الجوية الروسية عبر أنظمة صاروخية وطائرات من دون طيار»، مضيفاً أن «الجيش السوري وروسيا لن يتركا مثل هذه الاعتداءات من دون ردّ ساحق». وأتبع ذلك بالإشارة إلى «كمية الأسلحة الغربية الكبيرة المتوافرة في إدلب» لدى الفصائل المسلّحة، في غمزٍ من الدور الغربي والتركي في تسليح تلك الفصائل.

اللهجة الحاسمة من لافروف لم تغيّب الإشارة إلى استمرار التواصل مع الجانب التركي في محاولة للحفاظ على مسار «اتفاق أستانا» إذ قال الوزير إنه يجب «تماشياً مع مذكرة سوتشي العمل على فصل المعارضة المسلحة عن إرهابيي جبهة النصرة» مشيراً إلى أنه «أُنشئت آليات خاصة للاتصال بين الرئيسين الروسي والتركي وبين مسؤولي الدفاع في البلدين لمراقبة تنفيذ المذكرة». وشدّد على أن «الدور الرئيسي في هذه الجهود يجب أن تؤديه تركيا... ويجب القيام به في أقرب وقت ممكن».

وترافقت التصريحات الروسية التي تشي بأن العمليات العسكرية ضد «هيئة تحرير الشام» والتنظيمات المتحالفة معها مستمرة مع إعلان الأمم المتحدة أن ما يصل إلى مليوني لاجئ قد يفرون إلى تركيا إذا ما اشتدّت المعارك في «جيب إدلب». وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للملف السوري بانوس مومسيس في تصريحات إلى وكالة «رويترز» إن «منظمات الإغاثة تلقت تشجيعاً لإطلاع الأطراف المتحاربة على أماكنها لتجنب إصابتها لكن موظفي الإغاثة يرتابون في مثل هذه الطلبات». وفي ما يتعلق بالمساعدات لفت مومسيس إلى أن الأمم المتحدة طلبت 3.3 مليارات دولار لتمويل العمليات في سوريا هذا العام مستدركاً بأنه على رغم «التعهدات السخية» لم تتلقّ المنظمة الدولية سوى 500 مليون دولار فقط حتى الآن.

جبهة مفتوحة في ريف حماه الشمالي: رهان تركي على تحييد الجبهات الحسّاسة

تتحول المعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي إلى جبهة مفتوحة، تستقطب ثقلاً عسكرياً كبيراً على جانبَي خطوط التماس هناك ما يحدّ من زخم العمليات في مناطق أخرى. الأيام القليلة الماضية شهدت تغييرات سريعة في خريطة السيطرة، تضمنت انسحاب الجيش السوري من عدة مواقع، وعودته إليها لاحقاً، فيما لا تزال مواقع أخرى، دخلتها الفصائل المسلحة في أول أيام هجومها منطقة عمليات عسكرية لا تثبيت فيها لأيّ من الطرفين.

وحتى وقت متأخر من ليل أمس كان الجيش مسيطراً على بلدة الجلمة الواقعة على طريق محردة ـــ السقيلبية بعدما استعادها صباحاً محاوِلاَ التقدم شرقاً نحو تل ملح والجبين. الانسحاب من البلدة أول من أمس جاء بعد هجوم عنيف لائتلاف الفصائل المسلحة بمشاركة وازنة من «هيئة تحرير الشام» تخلّله تفجير عربة مفخخة يقودها انتحاري. وعلى رغم الاستهداف المكثّف من قِبَل الجيش لمنطقة تل ملح فإنها لا تزال خط تماس يشهد كَرّاً وفرّاً ربطاً بوصول التعزيزات ونشاط سلاحَي المدفعية والطيران.

وإلى جانب التطورات على هذا المحور سخّنت الفصائل المسلحة أمس جبهة جديدة في محاولة للاستفادة من الضغط الميداني في محيط تل ملح والجبين وحرّكت قواتها باتجاه بلدة القصابية وأطراف كفرنبودة. وخلال وقت قصير من بداية الهجوم (في ساعات النهار الأخيرة) أجبَرت قوة دفاعات الجيش الفصائل على وقف تحركها والانسحاب إلى الخطوط الخلفية. وبالتوازي لم تهدأ جبهة ريف اللاذقية الشمالي خلال اليومين الماضيين بعد هجوم مضاد تعاضدت فيه جهود كلّ من «الجبهة الوطنية للتحرير» و«هيئة تحرير الشام» والفصائل العاملة ضمن «غرفة عمليات وحرّض المؤمنين» وعلى رأسها «حراس الدين» و«أنصار الدين».

وتشير المعطيات الميدانية المتوافرة إلى أن الضغط الذي تنفّذه الفصائل تحت راية «غرفة عمليات الفتح المبين» قد يمتد على فترة زمنية طويلة، بوجود غطاء تركي صريح تَمثّل في الدعم اللوجستي والاستخباري وخدمات الإسعاف إلى المستشفيات التركية وغير ذلك. وهو ما ردّ عليه الجيش باستهداف محيط نقاط المراقبة التركية غير مرّة كان آخرها قصفاً مدفعياً طاول النقطة الواقعة في محيط بلدة مورك.

وليس قرار أنقرة التركيز على هذا المحور خياراً طارئاً أو مستجداً. فمنذ دخول الجيش إلى عمق سهل الغاب وفشل الفصائل هناك في استعادة ما خسرته لصالحه حاولت التقدم على محور الحماميات والجبين وتل ملح ولكنها فشلت في تحقيق خرق ميداني لدفاعات الجيش. ومع التوجه التركي للخوض في الخيارات الميدانية إلى مدى أبعد، تم ترتيب أوراق العمليات بمشاركة لافتة من فصائل محسوبة مباشرة على أنقرة مثل «الجبهة الشامية» التي لم تكن موجودة على خطوط تماس ريفي حماة وإدلب قبل ذلك.

وبالاستفادة من مخزون الصواريخ المضادة للدروع وحضور ثقل عسكري لـ«تحرير الشام»، تمكنت الفصائل من اختراق خط دفاع الجيش هناك، لتبدأ جولة المعارك الأخيرة. ويبدو مكان العمليات هناك وتوقيتها خياراً تركياً بامتياز، يراعي مآل المحادثات عبر القنوات المفتوحة مع الجانب الروسي، إذ يتيح التركيز على محيط جيب كفرزيتا ـــ اللطامنة ـــ مورك إبعاد المعارك عن مناطق متقدمة وحساسة مثل سهل الغاب ومحيط كباني وجسر الشغور. ويتوقع أن تتواصل الاشتباكات هناك بوتيرة كافية في محاولة لمنع إطلاق عمليات جديدة من جانب الجيش في محاور أخرى، وهو ما قد يفضي إلى توسّع دائرة المعارك، إن بقيت أجواء المحادثات الروسية ــــ التركية على حالها.

مقتل جندي تركي في محيط تل رفعت
أعلنت وزارة الدفاع التركية أمس مقتل أحد جنودها وإصابة خمسة آخرين في هجوم في شمال سوريا. وأوضحت، في بيان أن وحدة من قواتها تعرّضت لصاروخ مضاد للدبابات في محيط منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي مضيفة أنه تم «الرد بنيران انتقامية» على موقع إطلاق الصاروخ.

إدلب في مهبّ رياح أس -400 و أف - 35

يمنع الرئيس بوتين سوريا من استخدام أس -300 ضد الطيران الإسرائيلي الذي يشنّ غاراته على دمشق وضواحيها باستمرار كما هو لا يفكّر ببيع سوريا أس-400 بسبب اعتراض إسرائيل التي تسعى عبر واشنطن لمنع تركيا استلام هذه الصواريخ التي قيل بأنه سيتم نصبها قرب مدينة أضنة جنوب البلاد . ما يعني أنها ستكون قريبة من إسرائيل بل وحتى قبرص التي يرشّحها البعض لسلسلة من المفاجآت الساخِنة مع اقتراب الذكرى 45 لسيطرة الجيش التركي على الشطر الشمالي من الجزيرة في 20 تموز 1974 . فقد هدّد الرئيس أردوغان القبارصة اليونانيين ومعهم الشركات الأميركية التي ستستخرج الغاز من المناطق الاقتصادية للجزيرة قائلاً إن للقبارصة الأتراك أيضاً الحق في هذا الغاز .

وكانت تركيا قد أرسلت خلال الأيام الماضية سفناً حربية إلى شمال الجزيرة لحماية سفن التنقيب التركية في المنطقة وهو ما اعتبرته قبرص المُعترَف بها دولياً استفزازاً صريحاً ، داعية الاتحاد الأوروبي وأميركا للتدخّل . في الوقت الذي تشهد فيه علاقات قبرص مع إسرائيل تطوّرات مُثيرة في جميع المجالات بما فيها العسكرية حيث المناورات المشتركة باعتبار أن الجزيرة عمق استراتيجي للأمن الإسرائيلي. وتوجد في الجزيرة قاعدتان بريطانيتان جويتان مع المعلومات التي تتحدّث عن مساعٍ فرنسا لبناء قاعدة بحرية هناك .

ويزيد كل ذلك من أهمية صواريخ أس 400 الروسية التي تسعى أنقرة لاستلامها قريباً وطائرات أف 35 الأميركية التي تملتكها إسرائل ولاتريد لتركيا أن تحصل عليها جنباً إلى جنبا مع أس 400 ما سيشكّل خطراً استراتيجياً عليها ومن دون أن يكون واضحاً كم هو القلق الإسرائيلي من أنقرة مهماً بالنسبة لروسيا التي لم تعط القلق السوري من إسرائيل وتركيا معاً أية أهمية وعلى الأقل حتى الآن .

فالمهم بالنسبة للرئيس بوتين وله مصالح اقتصادية كبيرة جداً مع تركيا هو زعزعة الثقة بين أنقرة وحليفاتها في الحلف الأطلسي وبالدرجة الأولى واشنطن التي تمتلك الكثير من الأوراق في مساوماتها مع الرئيس أردوغان الذي منحه الرئيس بوتين أيضاً الكثير من الأوراق وأهمها الاعتراف له بدورٍ مهمٍ وأساسي في سوريا من خلال السماح للقوات التركية بالسيطرة على غرب الفرات .

كما هو تهرّب من أية مُضايقات تزعج أردوغان إن كان في إدلب أو في ما يتعلّق بمُجمل ملفات أستانا وسوتشي وهو ما يُفسّر استمرار الدعم التركي لجميع الفصائل المسلحة في المنطقة. ويتحدّث الإعلام الغربي باستمرارٍ عن دعمٍ تركي كبيرٍ للفصائل التي تقاتل الجيش السوري وتسعى لعرقلة تقدّمه باتجاه إدلب . وتجاهلت روسيا هذا الموضوع منذ تشرين الأول الماضي لأنها لا تريد تضييق الخِناق على أردوغان وعلى الأقل حتى نهاية تموز وهو الموعد الذي سيقرّر مصير ومستقبل العلاقة بين الرئيسين ترامب وأردوغان وسيشاركان معاً في قمّة العشرين في آوساكا 28 الشهر الجاري بحضور بوتين أيضاً .

ويُراهن الكثيرون قبل ذلك التاريخ على نتائج انتخابات إستانبول 23 حزيران والتي إن هُزِمَ فيها أردوغان مرّة أخرى فالأمور ستكون أسهل بالنسبة لواشنطن التي ستزيد من ضغوطها على أردوغان 'المُنحطّة معنوياته' . ولن يستطيع أردوغان في مثل هذه الحال مواجهة هذه الضغوط خاصة الاقتصادية منها طالما أنه بحاجةٍ لمساعداتٍ ماليةٍ عاجلةٍ من المؤسّسات المالية العالمية التي لن تحرّك ساكناً إلا بضوء أخضر أميركي.

فقد سبق لترامب أن هدَّد أردوغان بفرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ على تركيا ما أجبره في 12 تشرين الأول الماضي لإخلاء سبيل القس الأميركي برونسون المتّهم بالتجسّس والإرهاب والعلاقة بالداعية فتح الله جولان العدو اللدود لأردوغان الذي قال قبل ذلك إن برونسون لن يخرج من السجن طالما أنه في السلطة . وتكرّرت القصة ثانية في 13 أيار عندما اتصل ترامب بأردوغان فأُخلي هذه المرة سبيل المواطن التركي / الأميركي ساركان كولكا وكان وضعه شبيهاً بالقس برونسون . وتثبت هذه المُعطيات أن واشنطن التي لديها 12 قاعدة فعّالة في تركيا والبعض منها قريب من إيران والعراق وسوريا تمتلك أوراقاً أخرى ضد الرئيس أردوغان ومنها القواعد العسكرية الأميركية شرق الفرات وهي تدعم وحدات حماية الشعب الكردية السورية وتعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني التركي .

كل ذلك في الوقت الذي تستمر فيه الضغوط السعودية والإماراتية والمصرية على الرئيس ترامب لإعلان الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً ليضع ذلك أردوغان أمام تحديات وحسابات جديدة قد تدفعه لمزيد من التحالف مع المجموعات المسلحة في سوريا التي ستكون حينها الخندق الأخير الذي سيحمي أردوغان من خلاله ليس فقط تركيا بل أيضاً نفسه خاصة في حال هزيمة مرشّحه في انتخابات إستانبول . فانتصار مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو سيعني بداية النهاية لحُكم العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان الذي سيجد حينها نفسه أمام تحديات صعبة ومُعقّدة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية .

فالعدالة والتنمية سيعاني من صراعاتٍ وانقساماتٍ جدّيةٍ مع المعلومات التي تتوقّع للرئيس السابق عبد الله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو معاً أو على حد أن يعلنا تمرّدهما على الرئيس أردوغان الذي سيخسر حينها أهم سلاح يمتلكه في أحاديثه مع زعماء العالم حيث كان يقول لهم إنه مُنتَخب ديمقراطياً ومدعوم شعبياً . وستثبت انتخابات إستانبول عكس ذلك بعد أن اقتنع العالم بعدم ديمقراطية ونزاهة الانتخابات التي استنفر ويستنفر أردوغان من أجلها كل إمكانيات الدولة كما هو يسيطر على 95% من الإعلام الخاص والحكومي الذي يبدو أنه لم ولن يكون كافياً لمنع إمام أوغلو من تحقيق انتصاره المتوقّع ويقول البعض إنه سيكون أكثر تأثيراً من صواريخ أس 400 وسقوط إدلب وانتصار إيران في سوريا اللّهم إن لم تقع المفاجأة ويثبت أردوغان من جديد غرامه التقليدي للأميركان!

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية