موسكو وبكين ترفضان التعزيزات الأميركية و«الحرس الثوري» يبعث رسائل ردع !

المرصاد نت - متابعات

تواصل الولايات المتحدة تصعيدها في وجه إيران بتفعيل الحملة ضدها في أكثر من اتجاه. وإذ تستعد واشنطن لإرسال مزيد من الجنود إلى المنطقة حيث سبقت «الوثائق» المتتالية للجيش Golf Aomaan2019.6.19الأميركي عن مسؤولية القوات الإيرانية عن الهجوم على خليج عمان تجابه طهران بهجوم مضاد عبر رسائل ردع مقابلة تولى إصدارها الحرس الثوري ركّزت على إظهار قدرة الصواريخ الدقيقة و«النقطوية» جنباً إلى جنب مع الرسائل السياسية التي أكد فيها الرئيس حسن روحاني أن بلاده «لن تشن حرباً على أي دولة».

وعلى رغم التأكيدات الأميركية المستمرة من البيت الأبيض والبنتاغون عدم نية واشنطن شنّ حرب فإن إعلان وزارة الدفاع إرسال ألف جندي إضافي إلى المنطقة بعد قرار مماثل قبل أيام بإرسال 1500 جندي قوبل بردود فعل دولية متخوّفة. ووفق وزير الدفاع بالوكالة (ترك منصبه أمس) باتريك شاناهان فإن الأهداف «دفاعية من أجل التصدي للتهديدات الجوية والبحرية والبرية في الشرق الأوسط» والولايات المتحدة «لا تسعى للدخول في نزاع (عسكري) مع إيران»، تاركاً الباب مفتوحاً على إمكانية تعديل حجم القوات وفق التطورات.

في السياق قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن بلاده «قلقة جداً» من هذا الوضع، محذراً من أن نشر الجنود في ظل تصاعد حدة التوتر «قد يفتح الباب أمام كل الشرور في العالم». وأضاف: «ينبغي للجانب الأميركي تغيير أساليب الضغط المبالغ فيه التي يتبعها»، داعياً في الوقت نفسه طهران إلى عدم التخلي «بهذه السهولة» عن الاتفاق النووي في إشارة إلى تخفّف السلطات الإيرانية من التزاماتها في الاتفاق وإمكانية خرق شروطه تلقائياً مع تجاوز احتياطاتها من اليورانيوم المخصّب الحد المنصوص عليه اعتباراً من 27 حزيران/يونيو.

أما موسكو فوضعت ما يجري في إطار «محاولات أميركية متواصلة لتكثيف الضغط السياسي والنفسي والاقتصادي وأيضاً العسكري على إيران بطريقة استفزازية تماماً» طبقاً لنائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف الذي حذّر من التحشيد الأميركي بالقول: «لا يمكن وصف ذلك، إلا أنه مسار متعمّد لإشعال الحرب». أما إن كانت واشنطن لا تريد الحرب «فإذا كان الأمر كذلك حقاً، فعلى الولايات المتحدة أن تتراجع عن تعزيز وجودها العسكري» وذلك إضافة إلى دعوة الكرملين إلى «ضبط النفس» بعدما وصف الخطوات الأميركية بأنها «تزيد مخاطر الصدام».

التحرّك الأميركي رافقه نشر 11 صورة جديدة لقارب على متنه 10 عناصر ينزعون جسماً معدنياً عن إحدى الناقلتين المستهدفتين في خليج عمان كدليل على قيام إيران بالهجوم. وعلّق البنتاغون على الصور ببيان جاء فيه: «إيران مسؤولة عن هذا الهجوم كما تثبت ذلك أدلّة الفيديو والموارد والمهارات المطلوبة للقيام بسرعة بإزالة اللغم اللاصق غير المنفجر». وأوضح البيان أن الجسم المعدني في الصور قطره نحو 8 سم وكان ملتصقاً بجسم ناقلة النفط اليابانية «كوكوكا كاريدغس» وهو أحد المغناطيسات التي استخدمت لتثبيت لغم لم ينفجر سارع القارب الإيراني وفق الرواية، إلى نزعه بعد الهجوم بحجة الخوف من الانكشاف.

الهجوم الأميركي المتواصل لم يتوقف عنده قائد الحرس الثوري حسين سلامي الذي حرص على ترسيخ الردع مقابل القوات الأميركية في المنطقة. وفي تعليق أمس أكد سلامي أن الصواريخ البالستية التي بحوزة بلاده قادرة على إصابة أهداف متحركة في البحر و«يمكنها إصابة حاملات في البحر بدقة كبيرة». الجنرال الإيراني قال إن «هذه الصواريخ مصنوعة محلياً ومن الصعب اعتراضها وإصابتها بصواريخ أخرى» معتبراً أن وصول الجمهورية الإسلامية إلى هذه التكنولوجيا «غيّر ميزان القوى» في المنطقة. وفي رسالة متشابهة الدلالات بدا لافتاً أن تصريحات سلامي سبقها نشر قائد سلاح الجو في «الحرس» أمير علي حاجي زاده فيديو على «تويتر» لعملية استهداف مواقع «داعش» في مدينة الميادين السورية في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي قبل عامين، تظهر دقّة إصابة الصواريخ الإيرانية للمواقع المستهدفة.

 حزم إيراني بمواجهة عدوانية واشنطن... وضعف أوروبا

على أغلب الظن فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقتنع بحجج فريقه المغرض الذي قدّم له خيار العقوبات القصوى ضد إيران على أنه بديل من الحرب كفيل بدفع طهران، في نهاية المطاف، إلى الاستسلام للشروط الأميركية. أشار هؤلاء كما تفيد مصادر أميركية وغربية عديدة، إلى المصاعب الاقتصادية التي تواجهها إيران والتي تزايدت من دون شك مع تشديد العقوبات وإلى معلومات ومعطيات تسرّبها المعارضة الإيرانية عن حالة تململ نتيجة لها في الأوساط الشعبية قد تتحول في فترة لاحقة إلى تحركات واسعة ضد نظام الجمهورية الإسلامية. تضافر الضغوط الخارجية والداخلية سيسمح بحسب عرّابي هذا السيناريو بحمل طهران على الإذعان أو حتى، وفقاً للمتفائلين بينهم بتسريع انهيار النظام.

أقلّ ما يمكن قوله حتى الآن إن الوقائع الحالية لا تمتّ بصلة إلى هذه التوقعات ـــ التهويمات لأن إيران تبدي صلابة واضحة في مواجهة العقوبات والضغوط والتهديدات وإعلانها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم مؤشر جديد على هذه الصلابة وأن ترامب بدأ يشعر بأنه انقاد بغباء قلّ نظيره إلى مسار قد يفضي إلى حرب لا يريدها لاعتبارات انتخابية أولاً. المشكلة بالنسبة إليه هي أنه لا يستطيع التراجع عن مواقفه التصعيدية من دون تحقيق مكاسب سياسية، لأنه سيفقد مصداقيته كرئيس قوي مع ما يترتّب على ذلك من تبعات انتخابية. طلبه إلى أطراف عديدين، آخرهم رئيس الوزراء الياباني التوسط مع طهران دليل على حالة التخبّط التي بات يجد نفسه فيها.

ويأتي تصريح مسؤولين أميركيين عن تشاور واشنطن مع حلفائها في سبل حماية حرية الملاحة في الخليج ليكشف عن محاولة أميركية لتوريط الحلفاء الأوروبيين في مواجهتها مع طهران بذريعة هذه الحماية. وبمعزل عمّا سينتج عن هذا التشاور فإن الأزمة الحالية في الخليج تظهر مرة أخرى مدى وهن الأطراف الأوروبيين وانعدام وزنهم حتى في الدفاع عن مصالحهم الخاصة، وعجزهم المزمن عن اعتماد سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة.

10 أيام تفصل عن خرق الاتفاق النووي

على وقع التوتر المتصاعد في الخليج يتواصل الحراك الديبلوماسي بين طهران وبعض العواصم مترافقاً مع تقلّص أمد المهلة الزمنية التي أنذرت إيران بأن انتهاءها من دون إجراءات أوروبية تلبّي مصالح طهران، سيجعلها تقْدِم على إجراءات نووية جديدة أعلن المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية واحداً منها، مؤجلاً الإفصاح عن الباقي إلى السابع من الشهر المقبل، حيث ينتهي موعد الاختبار الإيراني لأوروبا.

لم تفوّت طهران فرصة منذ الثامن من أيار 2019م إلا وأكدت فيها أن مهلة الـ60 يوماً التي منحتها لأوروبا ابتداءً من ذلك التاريخ لن تُجدَّد إذا لم تفِ الأخيرة بالوعود التي قدمتها لإيران في سبيل بقائها ملتزمة بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه الإدارة الأميركية ربيع العام الماضي. الإصرار الإيراني على السابع من الشهر المقبل كموعد لنهاية تلك المهلة كان من أبرز الأمور التي توقف عندها أمس المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي. أثناء مؤتمر صحافي حذر الأخير بلا لبس من أن عدم تطبيق أوروبا التزاماتها قبل التاريخ المنتظر سيدفع بلاده نحو «تشغيل المفاعل النووي المغلق في آراك» فضلاً عن أنها «سترفع نسبة تخصيب اليورانيوم وفقاً للحاجة الفنية». وأعلن في الوقت ذاته «حاجة مفاعل طهران ليورانيوم مخصب بنسبة 20 %» الأمر الذي سُيعيد في حال حدوثه البرنامج النووي الإيراني إلى ما قبل تشرين الثاني 2013 (موعد توقيع الاتفاق النووي الأول في جنيف).

وهذا ما أفصحت طهران عن جاهزيتها له بحسب تصريحات كمالوندي، التي أرادت طهران من خلالها «تجديد تهديداتها لأوروبا نتيجة عدم أخذها مهلة الـ60 يوماً على محمل الجد»، وفق ما يعتقد رئيس تحرير النسخة العربية لوكالة «مهر» الإيرانية، محمد مظهري، الذي جزم في حديثه إلى «الأخبار» بأن «أوروبا لم تتقدم تجاه إيران بأي خطوة ملحوظة تحافظ عبرها على الاتفاق النووي». ورأى أن «التهديدات التي أطلقها الناطق باسم هيئة الطاقة الذرية، إنما هي لتذكير أميركا وأوروبا بأن إيران جادة في تنفيذ ما توعدت به».

كمالوندي وعلى رغم تحذيره الأوروبيين من أن «الصبر الاستراتيجي لإيران لن يطول»، فإنه لم يفصح عن طبيعة قرارات طهران المنتظرة بعد انتهاء مهلة الستين يوماً، وهذا ما أرجعه مظهري إلى «سياسة طهران غير الاستباقية»، التي تأتي برأيه كـ«رد فعل على سلوك الأطراف الآخرين في المعادلة». وأوضح ذلك بالقول إن «إحجام طهران عن الإفصاح عن خطواتها المنتظرة، يأتي بسبب إمكانية تراجعها عن تلك الوعود في حال وفى الطرف الآخر بالتزاماته». وفي هذا الإطار دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني الأوروبيين إلى «استغلال هذه الفرصة الزمنية القصيرة للقيام بأدوارهم». وأضاف خلال استقباله السفير الفرنسي الجديد أن بلاده صبرت وتعاملت «بضبط النفس، وذلك نزولاً عند طلب فرنسا ودول الاتحاد الاوروبي» لكنه في الوقت نفسه بيّن لضيفه الفرنسي أن خروج طهران من الاتفاق «لن يكون في صالح أحد».

خيار الخروج من الاتفاق النووي، وإن كانت طهران لا تريد الذهاب إليه حالياً إلا أنها في المقابل تتجه بقوة لاتخاذ قرار بخرق الاتفاق بعد 10 أيام، عندما يتجاوز اليورانيوم المخصّب لديها سقف الـ300 كلغ الذي قيّدها به الاتفاق النووي الموقّع صيف العام 2015. مضمون المؤتمر الصحافي الذي عقدته هيئة الطاقة الذرية من داخل مفاعل آراك للماء الثقيل لم يمرّ عبر أسماع بعض أطراف الاتفاق النووي من دون تعليق.

فبمجرد انتهاء المؤتمر، سارع المتحدث باسم الكرملين الروسي إلى الاستشهاد بمواقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد التزام إيران بالاتفاق النووي، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن حقيقة وجود تنسيق إيراني مع روسيا والصين يسبق أي خطوات نووية جديدة قد تقدم عليها طهران. تنسيق يؤكد مظهري وجوده، «إلى جانب أن إيران تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بكل ما تنوي القيام به»، معللاً ذلك بـ«حاجة إيران لمسايرة روسيا والصين في هذا الصراع محاولةً الاستفادة منهما في مواجهتها مع أميركا وأوروبا».

من جهة أخرى أفصحت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني عن سعيها لاستمرار الاتفاق النووي واستفادة إيران من الآلية المالية، مقرّةً في الوقت نفسه بالتزام إيران حتى الآن بالاتفاق النووي وفقاً للتشجيعات والثقة الأوروبية. في المقابل أعلنت المتحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن بلادها ستبحث «جميع الخيارات» إذا انتهكت إيران تعهداتها في الاتفاق النووي كاشفة عن عقد اجتماع لمسؤولين أمنيين بريطانيين لبحث ملف إيران. وأضافت أن «بلادها تريد حلولاً ديبلوماسية لخفض التوتر مع إيران».

أما المتحدث باسم الحكومة الألمانية فحثّ إيران على الأخذ بالالتزامات المحددة في الاتفاق. في واشنطن علّق متحدث باسم مجلس الأمن القومي بأن «خطط التخصيب الإيرانية ممكنة فقط لأن الاتفاق النووي المروع لم يؤثر على قدراتها ... لقد أوضح الرئيس (دونالد) ترامب أنه لن يسمح لإيران مطلقاً بتطوير أسلحة نووية. يجب أن يواجه الابتزاز النووي للنظام بضغوط دولية متزايدة».

أما في تل أبيب فرأى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه «إذا نفذت إيران تهديداتها، فعلى المجتمع الدولي تفعيل آلية العقوبات المحددة سلفاً على الفور» وأضاف مهدداً: «على أي حال إسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية».

يشار إلى أن طهران شهدت حراكاً ديبلوماسياً منذ منتصف الأسبوع الماضي بدأ باستقبالها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس وبعده رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قبل لقاء منسقة السياسة الخارجية الأوروبية هيلغا شميد بنائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. لكن على الرغم من النشاط المذكور فإن طهران أتبعته بإعلان أمس بدأت عبره التأسيس لما بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً وهذا ما يعدّه متابعون دليلاً إضافياً على أن جهود الوساطة لم تؤت أكلها.

 

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية