تحالف «المحمّدين» يجدّد نفسه: جنوح نحو استراتيجية تهدئة!

المرصاد نت - متابعات

كثيرة هي اللقاءات بين الرجلين لكنّ زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمس إلى الإمارات ولقاءه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، يستحوذان على أهمية استثنائية، سواء للتوقيت أم ALmahfoaf2019.11.28للطابع الرسمي الذي أوحى بتجديد «صفقة» الثنائي وفق تفاهمات جديدة. تفاهماتٌ يبدو أن المراد منها استيلاد تحالف «للسلم» بعد التحالف الذي بدأ على الحرب والدم في اليمن، وانعكس على المشهد الإقليمي برمّته.

في التوقيت يأتي اللقاء بين الرجلين اللذين تجمعهما علاقة جدلية، مع طيّ صفحة من مرحلة التصعيد في الإقليم طاولت تشابك العلاقة بين الطرفين. فالإمارات تتراجع عسكرياً في اليمن لصالح فتح خطوط مع طهران فيما ينهي «اتفاق الرياض» ترتيب أوراق المرحلة الجديدة بين بيادق الحليفين المتنازعة في عدن ومن ثم تبادر الرياض الخارجة من ضربة «أرامكو» إلى التهدئة مُخفّفة 80 % من عملياتها العسكرية في اليمن بموازاة فتح قناة تفاوض مع صنعاء.

لا شكّ في أن لقاء الأمس يرسّخ التحالف بين الرياض وأبوظبي ويعلن صموده على رغم الانتكاسات والإصرار على إنتاج ثنائية «المحمدين» للإمساك بـ«الريادة» إقليمياً. لكن تجاوز اختبارات المرحلة الأخيرة يشي ضمناً بالمضيّ في سياسة مختلفة تحتّمها مآلات المواجهة مع إيران على وقع الحملة الأميركية المتراخية. بشكل جليّ يظهر رجحان وجهة النظر الإماراتية أخيراً، مع صمود التهدئة بين أبوظبي وطهران ومواصلة الإمارات انسحابها من المشهد اليمني.

يستعين ابن زايد في مسعاه لإقناع ابن سلمان بضرورة التهدئة بوضع العنوان الاقتصادي كأولوية في هذه المرحلة، تفوق كل المعارك الأخرى وفي الوقت نفسه بالتخويف من أن التصعيد يضرب برامج ابن سلمان للتحول الاقتصادي. في كلمته أمس في اجتماع «مجلس التنسيق السعودي الإماراتي» بدا ابن سلمان منخرطاً في هذا الاتجاه بالقول: «عام 2020 هو عام الإنجاز للدولتين فنحن على أعتاب احتضان فعّالية دولية كبرى وصلنا إليها بعد تخطيط وعمل وجهد متواصل فرئاسة المملكة السعودية لمجموعة العشرين في عام 2020م واحتضان دولة الإمارات  لمعرض إكسبو 2020م هما خير دليل على ما يحظى به كلا البلدين من مكانة».

بات «المحمدان» يدركان أن إحراز أيّ تقدم يحتاج إلى تهدئة تمنع استمرار تورّط البلدين بالصورة السابقة وهو ما يظهر في أزمتَي: طرح «أرامكو» والعمليات اليمنية. ويبدو أن استراتيجية التهدئة ستنسحب على الأزمة مع قطر في ظلّ مؤشرات على إمكانية أن تحمل القمة الخليجية القريبة تطورات على هذا الصعيد، بعد التحرك الأميركي في اتجاه الحل من باب توحيد جهود «الحلفاء» ضد إيران والتصريحات «المتفائلة» من الوسيط الكويتي بموازاة استضافة قطر «كأس الخليج». مع ذلك فإن لقاء أمس يبعث برسالة واضحة إلى الدوحة بأن أيّ تهدئة لن تكون عودة إلى «قواعد اللعبة» السابقة ولا على حساب العلاقة الثنائية. يؤكد ذلك تعزيز اعتبار «مجلس التنسيق» بين البلدين فوق أهمية «مجلس التعاون الخليجي» المحتضر إذ انعقد أمس المجلس الذي وُلد إثر حرب اليمن مُذكّراً باجتماع العام الماضي حين شهد نقلة نوعية في التعاون بين الطرفين عبر توقيع 44 مشروعاً استراتيجياً.

يحتاج «المحمدان» إلى عام من التهدئة لإنجاح قمتَي «العشرين» و«إكسبو»، خصوصاً في ظلّ تصاعد الانشغال الأميركي الداخلي والدخول في مرحلة الانتخابات. إلا أن «الصفقة» الجديدة بين الرجلين والتي تظهّرت في الاستثمار الإماراتي في طرح «أرامكو» المتعثّر تبقى في السياسة في انتظار ترجمة الاستراتيجية الجديدة عبر الخطوات المنسّقة التي ستظهر على الأرض في مقبل الأيام وذلك في ملفات: اليمن وقطر وإيران.

ابن زايد يتعهّد بـ«طرح» حليفه: ليس لابن سلمان سوى أبوظبي
لم يجد محمد بن سلمان مخرجاً لتسويق خطّته الفاشلة في طرح «أرامكو» درّة مشاريعه الاستثمارية للتحوّل إلى عصر ما بعد النفط سوى اللجوء إلى حليفه محمد بن زايد لمساعدته في ورطته، بعدما أحجَم مستثمرون أجانب عن الاكتتاب في عملاق النفط. طرح 1.5% من أسهم الشركة والذي أعاد تقييمها عند عتبة الحدّ الأدنى بـ1.6 إلى 1.7 تريليون دولار بينما كان المأمول من تقييمها أن يبلغ تريليونَي دولار مضافاً إلى كفاح الرياض لإيجاد مستثمر كبير يعني عملياً أن الإدراج الدولي لـ«درة التاج» والذي كان يُنظر إليه كعنصرٍ مؤسّس في «رؤية 2030» قد لا يخرج إلى الضوء مخافةَ المخاطرة أكثر بسمعة الشركة.

وبهدف مساعدتها على جمع المليارات الـ25 المستهدفة من الإدراج المحلي لشركة النفط الوطنية العملاقة تخطّط كل من أبوظبي والكويت للاستثمار في الطرح العام الأولي لـ«أرامكو» وسط إحجام دولي لافت نظراً إلى عوامل عديدة، أبرزها تقييم «أرامكو» المبالَغ فيه فضلاً عن مخاوف لدى المستثمرين الأجانب من تكرار هجمات على غرار تلك التي وقعت في 14 أيلول/ سبتمبر. وفي جانب آخر، هناك قلق دولي متنامٍ يدفع المستثمرين الدوليين إلى تفويت الاكتتاب، يتعلّق بالطلب على النفط وسجل السعودية في حقوق الإنسان. وفي هذا الإطار أعلن رئيس أكبر شركة تكرير في اليابان، وهي مستورد رئيس للنفط السعودي أن الشركات المحلية لن تستثمر في الطرح، نظراً إلى الصعوبات في تقييم الشركة السعودية. وينطبق هذا أيضاً على شركات نفط ماليزية وروسية.

دفع هذا بالرياض إلى تقليص طموحاتها في ما يخصّ الطرح الأولي، فضلاً عن إلغاء خطط لجولات ترويجية خارج الخليج. لذلك، لجأ مسؤولو «أرامكو» إلى إجراء محادثات مع الكويت وأبوظبي ودعوتهما إلى الاستثمار علماً بأن كلا البلدين من منتجي النفط ولديهما صناديق ثروة سيادية كبيرة. ويرأس «جهاز أبوظبي للاستثمار» الذي تُقدَّر أصوله بنحو 700 مليار دولار رئيس الإمارات بينما يتولّى منصب نائب رئيس مجلس الإدارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد حليف ابن سلمان.

وأفادت خمسة مصادر «مطلعة»، «رويترز» بأن «جهاز أبوظبي للاستثمار» يدرس استثمار ما لا يقلّ عن مليار دولار في الطرح الأولي، بينما قدّر مصدران آخران نطاقاً سعرياً قد يصل إلى مليارَي دولار. وفي حين أشارت المصادر إلى أن «الهيئة العامة للاستثمار» الكويتية تخطّط للاستثمار في الطرح الأولي، إلا أن حجم استثمارها هذا «لم يتضح بعد». بحسب كبير اقتصاديّي الأسواق الناشئة لدى «كابيتال إيكونوميكس» جيسون توفي فإن أيّ استثمار من دولة خليجية في الطرح الأولي لـ«أرامكو» سيكون «قراراً سياسياً خالصاً وليس أيّ شيء (آخر)» لأن تعهّدات أبوظبي والكويت اللتين تحوزان احتياطيات نفطية ضخمة تهدف إلى «إظهار دعمهما لولي العهد وخططه لتنويع موارد الاقتصاد السعودي».

وانطلقت عملية إدراج «أرامكو» في سوق الأسهم السعودية «تداول» في الثالث من الشهر الجاري وبلغ اكتتاب المستثمرين الأفراد حوالى 9 مليارات دولار يوم أمس قبيل موعد إغلاق الاكتتاب اليوم الخميس، بحسب مدير الاكتتاب «سامبا كابيتال».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية