صفقة القرن… العرب يهبون أوطانهم لعدوهم!

المرصاد نت - متابعات

ما تشهد به أحوال “العرب” دولاً بملوكها ورؤسائها، بمدنها والقصبات والأرياف قبل العواصم وبعدها أن التأريخ الذي يحفظه الناس مجموعة من الاكاذيب والخرافات والحكايات ابتدعها الرواة Palstaine2020.2.11بما يوافق أمزجة سلاطين العصر وان الحقائق تبقى خارجه.. في انتظار أن يكشف عنها المهتمون بالآثار والمنقبون بحثاً عن كنوز أخفاها أهلها عن مظالم حكامهم.

بين الأسئلة القلقة في هذه اللحظة:

لماذا تتوالى الانهيارات وتتصدع المجتمعات العربية وتتقزم الدول التي كان لها شرف القيادة بأهلية شعبها والرؤية المستقبلية لحكامها والوعي القومي العام بالمخاطر التي تهدد مستقبل الامة وتذهب بحاضرها وتحول ماضيها إلى أساطير ملفقة؟

 لماذا هانت عليهم بلادهم، بتأريخها وكرامة أرضها التي تمنحهم شرف الانتماء إلى “خير أمة” وارتضوا أن يكون أتباعاً يقرر لهم الغير من اعدائهم وخصومهم طريقهم الى مستقبلهم، بعد أن يعيدوا صياغة حاضرهم ويشوهوا ماضيهم؟

 كيف هانت عليهم أنفسهم وهم أهل الفتح، وتأريخهم حافل بصفحات المجد التي حملتهم من أول الأرض إلى آخرها، بزخم الرسالة وقوة الإيمان والشعور بفخر من يحمل إلى الناس الهداية.

 ثم… لماذا يبيع حكامهم الأرض المقدسة وكرامتهم البشرية ودينهم وأمجاد ماضيهم وحقهم بحاضر يليق بهم ومستقبل يستحقه أبناؤهم، فلا تحاسبهم شعوبهم ولا تقتص منهم أجيالهم الآتية لأنهم حولوهم إلى لاجئين أو إلى اعداد بلا مستقبل، حاضرهم في يد مستعمرهم، وتسليتهم التغني بأمجاد الماضي الذي لن يعود؟

كيف تعبر “صفقة القرن” صحراء الصمت العربي بكل ما تحفل به من تواطؤ وخيانة مكشوفة وارتهان الإرادة والتصرف بمستقبل الأجيال الآتية؟

من سمح للآباء، ملوكاً وأمراء ومشايخ، بمسخ هوية الاجيال وتجهيل انتمائها وتشويه تأريخ الأمة وتحقير أبطاله، وتعظيم العدو حتى انكار الذات والتفريط بكرامة الأرض وانكار الهوية والدين وأسماء الله الحسنى نفاقاً للقاهر؟

صفقة القرن؟!

وما أدراك ما صفقة القرن؟

صفقة القرن أن تلغي التأريخ وأن تحقر الجغرافيا وأن تنكر عليك هويتك وأن تجعلك تتنازل عن أسمك وحقوق أطفالك في وطنهم الذي ورثوه عن أجدادهم وقد حفظوه بسيوفهم ومآقي العيون وقصائدهم وحدائهم الذي يأخذ من المجد إلى المجد؟!

صفقة القرن: أن تُنكر نفسك وأهلك وأرضك، وأن تقبل أنك كذبة صغيرة في بحر من الأكاذيب التي اصطنع منها تأريخك. فلا الأرض أرض أجدادك، ولا التأريخ صنع سيوفهم وأقلامهم والقصائد!.. لا الأنبياء منهم، ولا الكتب المقدسة مراجعهم، لا هم عرفوا الشعر ولا الكيمياء، ولا هم ابتدعوا “الصفر” أساساً للحساب والهندسة، وليسوا من عمر هذه الديار بعد اجلاء الأجنبي والطامع منها!

لا عمر بن الخطاب صلى هنا.. خارج الكنيسة حتى لا يأخذها المسلمون من النصارى في القدس ولا شرحبيل بن حسنة ورفاقهم من الصحابة مدفونون في اغوار الاردن، خلال معركة فتح دمشق..ولا ضريح عمر بن العاص في ضواحي حمص، بعدما اتعبته الفتوحات ومعاركها التي حسمها بشجاعته وسيفه وايمان المجاهدين بقيادته الفذة.

ماذا وبأي حق وبأية صفة، “يتنازل ” الرئيس الاميركي المضارب في البورصة والذي نجا من السقوط بأكثرية صوتين عما لا يملك لمن لا يستحق؟

ما علاقة ترامب بفلسطين وكنيسة القيامة فيها ودرب الآلام ومسجدها الاقصى الذي باركنا من حوله، حتى يقرر من هو صاحبها ومالكها وبانيها وراعيها منذ آلاف السنين، حتى “يتنازل” عنها لمن لم يعرفها أجداده ولا أباؤه، بل جاءها غازياً ببندقية بريطانية على متن بارجة أميركية واخذها من المهزوم التركي والمستضعف العربي الذي افتقد النصير وهو يجرد من أملاكه وقبور انبيائه ودرب الآلام ومسرى صلاح الدين، هازم الصلبيين الغزاة.

من أعطى هذه الأرض المقدسة للبولوني الذي ظلمه النازي الالماني، واضطهده الفرنسي وأقطعه البريطاني أرضاً لا يملكها وغذاها السوفياتي بيهوده لتكون أرض الميعاد.. على حساب أهلها الذين كانوا عبر التأريخ أهلها، لم يتركوها يوماً لغازٍ او لمحتل، وفضلوا الموت فيها على الخروج منها إلى الضياع والانسحاق؟

ما علاقة ترامب بفلسطين؟ وهل تراه يعرف تأريخ بلاده، قبل تأريخها؟

بل ما علاقة نتنياهو بفلسطين… وهل يمكن لأي محتل بقوة التواطؤ الدولي وسلاح الخيانة أن يأخذ بلاداً اهلها فيها، وقد كانوا دائماً اهلها، قبل تشكيل الولايات المتحدة الأميركية، وقبل قيام الاتحاد السوفياتي وبعد انفراط عقد دوله، وقبل أن تصبح بريطانيا امبراطورية عظمى وبعدما تهاوت أمجادها وتحررت منها مستعمراتها، وقبل أن توجد فرنسا كدولة بالثورة الشعبية ضد أسرتها الحاكمة، حتى ان نابليون قد شطط في حيفا ثم ارتد عنها..

لا يدوم الاحتلال، ولا هو يستطيع تبديل هوية الأرض وأهلها، وأن هو استطاع أن يقتحم حصونها وأن يهدم مدنها وأن يزور تأريخها (إلى حين).

ألم تكن الولايات المتحدة الأميركية أرضاً محتلة يتقاسمها البريطانيون والفرنسيون والإسبان والبرتغاليون و… قبل أن يُباد اهلها الذين كانوا دائماً اهلها من الهنود الحمر واعتبروا طارئين.. لا يستحقون الحياة.

ثم.. هل يمكن لمضارب في البورصة أن يُعيد كتابة التأريخ، بما يمكنه من ربح المستقبل بمحو الماضي والحاضر والناس أهل الأرض وبناة الحضارة؟

صفقة القرن: بطولة دونالد ترامب… العرب يهبون أوطانهم لعدوهم!
.. وعندما اطمأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو المضارب المعروف في البورصة، إلى أن أهل النظام العربي، ملوكاً ورؤساء ـ اباطرة وامراء نفط وغاز يملكون من اسباب الثروة ما لا تملكه الدول العظمى، ولا يهتمون كثيراً للانتماء القومي ومستقبل الأمة والشعارات الهوائية مثل تحرير فلسطين والعروبة والوحدة والاشتراكية الخ…

.. وعندما اطمأن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الدعم الأميركي المفتوح في وجه خصومه داخل الكيان المحتل، أصطحب زعيم المعارضة في الكنيست للمشاركة في الاحتفال المبهج بالتأسيس الثاني لدولة يهود العالم على أرض فلسطين..

وعندما اطمأن أهل النظام العربي من ملوك النفط والغاز وأتباعهم من حكام التسول والقمع إلى قوة الدعم التي تخصهم بها واشنطن وهم يواجهون المعترضين في بلادهم، لا سيما بعد انصراف مصر ـ السيسي عن دورها القومي، والتحاق رئيسها بموكب المطبعين بقيادة أنور السادات واتخاذه واشنطن المرجعية،

وعندما اطمأن أهل القمة العربية إلى فراغ الشارع من أهله الذين يقبعون الآن في السجون أو في المغتربات. أو يمضغون يأسهم شعراً ونثراً وحكايات عن ماضي الامجاد..

كان المشهد التأريخي قد استكمل ابهته لتي تليق بهذا الانجاز غير المسبوق: اعلان “صفقة القرن” التي تشطب “فلسطين” بشعبها ونضاله المتصل منذ العشرينات من القرن الماضي، وهو النضال المكلل بالتضحيات الجسام، وبتوالي الانتفاضات بعنوان ثورة 1936م والمقاومة المسلحة في الداخل من خلف الحدود، ثم “في الخارج” من حول فلسطين، حيث اجبر أهل الأرض إلى اللجوء إلى ديار اخوانهم، بعدما عزت عليهم اسباب المقاومة.

انها لحظة تجديد التأريخ: ما قبل هذه اللحظة كان مؤقتا اما ما بعدها فهو الدائم، اذ لا تأريخ بلا دولة يهودية خالصة الهوية الدينية ومطهرة من الأعراق والشعوب الأخرى.

هللوليا: لقد قامت دولة يهوذا، بالقوة الأميركية، والانهزام العربي، والدهاء اليهودي والتواطؤ الدولي فوق أرض فلسطين التوراتية.. والى النسيان انجيل عيسى المسيح ووالدته العذراء مريم والقرآن الكريم ونبي الله الرسول محمد بن عبدالله.

انها بداية جديدة لتأريخ الزور والتزوير!

مقدمات الصفقة تتوالى فصولاً منذ قرن كامل او يزيد: وعد بلفور (1917) الاحتلال البريطاني والفرنسي للمشرق العربي جميعاً، بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيمه إلى دول شتى، تتضمن استيلاد كيانات بلا تاريخ: إعادة رسم خريطة لبنان ـ المتصرفية بضم “الاقضية الاربعة” إلى كيانه الجديد (بيروت والجنوب والبقاع والشمال)، وابتداع كيان شرقي الاردن ليكون أمارة للأمير عبدالله ابن الشريف حسين مطلق الرصاصة الأولى (والاخيرة) للثورة العربية الكبرى، وتقطيع سوريا إلى أربع دول على أساس مذهبي او عنصري، ونقل الأمير فيصل من سوريا (تحت الانتداب الفرنسي) إلى العراق، ليكون ملكاً هاشمياً يحكم ـ بعد تصفية ثورة العشرين العظيمة ـ بنصرة السنة على الشيعة.. وقد جيء اليه بالنجل الثاني للشريف حسين ليكون ملكاً على أرض الرافدين: فيصل الاول، بعدما طرده الاحتلال الفرنسي من سوريا، أو انه هرب بناء لإشارة بريطانية.

أي أن الاستعمار الجديد (آنذاك) قد انجز ما عجزت عنه السلطنة فعمق للطائفية والمذهبية بعدما ابتدع لها كيانات سياسية تخدم مصالحه.

لماذا هذا الاستذكار المتأخر لوقائع تأريخية من الماضي، تكاد تكون منسية الآن؟

لان “صفقة القرن” تجيء وكأنها النتيجة المنطقية لوعد بلفور، الذي تطلب تنفيذه مجموعة من الحروب التي دمرت الدول العربية الناشئة، او التي يفصلها عن فلسطين حاجز طبيعي (صحراء سيناء) فضلاً عن تردي الاوضاع في الدول التي استولدت ضعيفة ومقطعة وملتبسة الحدود او مبتدعة، كما الأردن.

هذا فضلاً عن أن هذا الارتجال في استيلاد الكيانات و”تركيب” العروش بطريقة مرتجلة (كما جرى عندما كوفئ الامير عبدالله بأن نُصِّب ملكاً على الضفة الغربية في فلسطين ليكون “جار الرضا” للكيان “الإسرائيلي”!)

والنتيجة المؤلمة التي لا يجاهر بها أحد الآن: أن في منطقتنا هذه التي كان أسمها “الوطن العربي” وصيرت “الشرق الاوسط” دولة وأحدة، مهابة وجبارة، حدودها في السماء مفتوحة بالطيران الأميركي، وفي الارض المفتوحة بالعجز العربي.

أما احتياجات الهيمنة الاسرائيلية فتوفرها عائدات النفط ومعه الغاز العربي ـ أي أن السلاح أميركي والدعم السياسي دولي بقيادة روسيا والدعوة مفتوحة عربياً للسلام الإسرائيلي..

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ …………… ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلام..

قراءة : طلال سلمان - صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني 2017l ..

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية