رئيسان وحكومتان: واشنطن - طالبان على طريق السلام !

المرصاد نت - متابعات

فاز حليف الأميركيين أشرف غني بولاية رئاسية ثانية في أفغانستان وفق النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في 28 أيلول/ سبتمبر. ومن شأن إعلان النتائج، بالصورة التي آلت إليها، أن Avsallah2020.2.18يضفي مزيداً مِن التعقيد على المشهد الأفغاني وخصوصاً بعد إعلان رئيس السلطة التنفيذية، عبد الله عبد الله، فوزه ووعده بتشكيل حكومة موازية، وأيضاً في ظلّ معارضة «طالبان» فوز غني كونه «يعارض جهود المصالحة»، بينما تتّجه الحركة إلى توقيع اتفاق سلام مع واشنطن، يفترض أن يمهِّد الطريق أمام إطلاق عملية تفاوض أفغانية داخلية تحدّد الدور السياسي الذي ستضطلع به الحركة الأفغانية في المستقبل، وتناقش مآلات إنهاء الاحتلال الأميركي بعد 19 عاماً على الغزو.

وتأجّل إصدار النتائج لنحو خمسة أشهر، بعدما تحدّث رئيس السلطة التنفيذية وهو خصم غني الأبرز عن تزوير استدعى إعادة فرز الأصوات. تأجيلٌ أدخل أفغانستان في أزمة سياسية، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إبرام اتفاق مع «طالبان» يفضي إلى بدء انسحاب تدريجي للقوات الأميركية، تمهيداً لإطلاق محادثات سلام أفغانية. وبموجب الفرز الجديد حصل غني على نسبة 50.64 في المئة من الأصوات بينما حلّ نائبه السابق ومنافسه الرئيس عبد الله عبد الله في المركز الثاني بحصوله على نسبة 39.52 في المئة وفق مفوضية الانتخابات التي ألغت مليون صوت مِن 2.7 مليون جرّاء مخالفات، ما يعني أن الانتخابات الرابعة منذ الغزو الأميركي شهدت أقلّ نسبة مشاركة في أيّ اقتراع جرى في أفغانستان. وفي النتيجة، لم يتمّ احتساب سوى 1.8 مليون صوت وهو عدد ضئيل مقارنة بعدد سكان أفغانستان البالغ 35 مليوناً ومجموع الناخبين المسجّلين (9.6 ملايين).

تعليقاً على هذه النتائج أكد عبد الله أنه فاز بالانتخابات الرئاسية التي جرت السنة الماضية، رافضاً النتائج التي أعلنت فوز غني، ووعد بأنه سيشكّل حكومة موازية تنفيذاً لتهديد كان قد تحدّث عنه فريق عبد الله أخيراً. وقال، في مؤتمر صحافي في كابول، إن «فريقنا، واستناداً إلى الأصوات التي لا لبس فيها والأصوات البيومترية، هو الفائز ونعلن فوزنا. إن المزوّرين هم عار على التاريخ، ونعلن حكومتنا الشاملة». وتعيد هذه النتيجة إلى الأذهان أصداء نتيجة انتخابات عام 2014 عندما زعم كلّ من غني وعبد الله قيام الآخر بعمليات تزوير واسعة النطاق، ما دفع الولايات المتحدة إلى التوسّط في ترتيب غير مفهوم لتقاسم السلطة بين الخصمين، جعل غني رئيساً، وعبد الله رئيساً تنفيذياً.

من حيث التوقيت، يجيء إعلان النتيجة توازياً مع التوصّل إلى اتفاق مبدئي بين واشنطن و«طالبان»، يفترض أن تجرى مراسم توقيعه في الدوحة نهاية الشهر الجاري. وهي مفاوضات جرت وسط معارضة حكومة كابول التي ترفض انسحاب الأميركيين، وتخشى مِن أيّ اتفاق يمكن أن يعزّز موقع الحركة في السلطة. إلا أن غني تَحوّل بين عشيّة وضحاها من رافض لعملية التفاوض إلى ناطق باسمها، وخصوصاً بعدما نسب الفضل لنفسه في إحراز «تقدّم ملموس»، متحدّثاً عمّا قال إنه «موقفنا المبدئي في شأن السلام» الذي بدأ «يؤتي نتائج مثمرة».

إلى ذلك يُتوقّع أن تشهد نهاية شهر شباط/ فبراير الجاري توقيعَ اتفاق سلام بين واشنطن و«طالبان»، يُعدّ يمثابة خطوة أولى تخطوها الحركة الأفغانية على طريق إنهاء الاحتلال الأميركي الأطول في تاريخ «حروب الإرهاب» التي تخوضها الولايات المتحدة في المنطقة. وإن كان لحدث التوقيع نفسه الذي تستضيفه قطر أهمية في الشكل، إلا أن العِبَر تبقى في التطبيق، ومدى التزام الولايات المتحدة بخفض عديد قواتها، كمقدّمة لانسحاب شامل لا يزال يبدو بعيداً. وأيّاً تكن نتيجة الانتخابات الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإن من شأنها أن تُعيد ترتيب أولويات الرئاسة في المنطقة، وتُحرِّر دونالد ترامب، في حال إعادة انتخابه، مِن «وعود» لن يكون مضطراً للالتزام بها بعد الفوز.

وبعدما أعلن الرئيس الأميركي، أخيراً، أن التوصل إلى اتفاق بات «قريباً جداً»، أكّدت الحركة الأفغانية، على لسان نائب رئيس مكتبها السياسي في قطر مولوي عبد السلام حنفي، أمس، أن اتفاق السلام سيتمّ توقيعه نهاية الشهر الجاري في الدوحة بحضور ممثّلين عن دول جوار أفغانستان والأمم المتحدة و«منظمة التعاون الإسلامي» والاتحاد الأوروبي. و«بمجرّد توقيع الاتفاق، ستُفرج الولايات المتحدة عن خمسة آلاف من أسرانا وسنفرج عن ألف من أسراهم»، كشرط رئيس لبدء مفاوضات مباشرة مع حكومة كابول. من جهته، دعا المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي قاد على مدى أكثر من سنة محادثات بين «طالبان» وواشنطن، إلى «تقييم هذه الفرصة بشكل جيّد»، و«العمل معاً من أجل أن يتكلّل مسار السلام مع طالبان بالنجاح»، مؤكداً بدء التحضير لمحادثات سلام مرتقبة بين الحكومة والحركة.

وفي حال سلكت آلياته التنفيذية طريقها، سيمهِّد الاتفاق الطريق أمام مزيد من الخفض في عديد القوات الأميركية في أفغانستان، تنفيذاً لأحد وعود ترامب لناخبيه، بينما يتجه إلى معركة إعادة انتخابه خاليَ الوفاض من أيّ إنجاز خارجي. لكن الطريق لا يزال طويلاً أمام التوصّل إلى تسوية تنهي الاحتلال العسكري الأميركي في البلاد، وخصوصاً أن واشنطن أعلنت في غير مناسبة عزمها خفض عديد القوات البالغ قوامها 13 ألفاً إلى حوالى 8600 هذا العام، سواء جرى ذلك باتفاق على الانسحاب أم من دونه.

ومهّد الأميركيون للاتفاق بالإعلان عن موافقة «طالبان» على «خفض للعنف لمدة سبعة أيام» يسبق التوقيع. وتأتي هذه الخطوة ضمن إجراءات بناء الثقة قبل الإعلان عن اتفاق شامل لا تزال تفاصيله طيّ الكتمان. ويفترض بتعبير «خفض» أن يترك هامشاً أمام الحركة لمواصلة المعارك. وإذا نجحت الهدنة ووُقِّع اتفاق بين «طالبان» والولايات المتحدة، فإن ذلك لن يكون سوى خطوة على طريق السلام برأي الدبلوماسية السابقة والخبيرة في «مجموعة الأزمات الدولية» لوريل ميلر، التي أوضحت أن الاتفاق بين الطرفين «ليس اتفاق سلام، لكنّ حواراً داخلياً أفغانياً يمكن أن يؤدي إلى إبرام اتفاق للسلام»، مضيفة أن «الجانب المهم في الاتفاق هو أنه يخلق فرصة لبدء حوار داخلي أفغاني». من جهتها، توقّعت المحلّلة لدى معهد «بروكينغز»، فاندا فلباب-براون، تواصلاً بل ارتفاعاً في العنف، إذ رأت أنه «يمكن أن يبدأ الحوار الداخلي الأفغاني، لكن تاريخ أفغانستان حافل بمحادثات طويلة ومعارك متواصلة»، داعية إلى الانتظار «بضعة أسابيع. سأفاجأ إذا بقيت المعارك عند المستوى المتوقع خلال فترة خفض التصعيد».

في موازاة ذلك، أكد رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أن بلاده، التي يعتبر دورها أساسياً في أيّ اتفاق مرتقب، تدعم بشكل كامل عملية السلام الأفغانية. وقال خان، في مؤتمر لمناسبة الذكرى الـ40 لاستقبال بلاده لاجئين من أفغانستان في العاصمة إسلام آباد: «بغضّ النظر عمّا كان عليه الوضع في السابق، الآن يمكنني أن أقول لكم إننا نريد شيئاً واحداً: السلام في أفغانستان». وحضر المؤتمرَ أيضاً خليل زاد، الذي أعرب عن«تفاؤل حذر» إزاء التقدّم نحو اتفاق محتمل، لافتاً إلى أن لدى الولايات المتحدة «تعهّدات من حركة طالبان حول أمور أمنية».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية