كتاب المرصاد:
لست مِن مَن يقارن بين السيء والأسوأ, فليس قدرنا أن نعيش بين خيارين اما "مَلَكِيَة" السيد أو "جمهورية" الشيخ, لنا خيارات أخرى.
علينا الاعتراف أن ثورة 26 سبتمبر فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها, فلا نحن تحررنا من الاستبداد ولا من الاستعمار, بل تورطنا أكثر في اتفاقات أمنية أباحت أجواءنا ومياهنا وأرضنا للطائرات الأجنبية تقتل متى تشاء, , ولا أزلنا الفوارق والامتيازات بين الطبقات, بل زادت الفجوة أكثر وتوسعت الامتيازات.
لم نبني جيشاً وطنياً, ولم نرفع مستوى الشعب اقتصادياً, فما حصل من تطور اقتصادي يعتبر عادياً, حصل ما هو أفضل منه بكثير في ظل أنظمة ملكية وسلطانية وأميرية.
أفرغنا الديمقراطية من محتواها وسخرناها للحاكم, حققنا الوحدة ثم فشلنا في الحفاظ عليها, و نقلنا براميل التشطير من الحدود الى النفوس, كنا شعب واحد في دولتين فأصبحنا شعبين في ما يُشبه الدولة, وقد نتحول الى شعوب ودويلات اذا ما تم "أقلمة" الجنوب و"أقلمة" الشمال.
علينا كذلك الاعتراف أن نظام الإمامة عزل اليمن عن العالم, وفشل في استيعاب متغيرات عصره, وأرسى بعض الممارسات العنصرية الطبقية خصوصاً في العقود الأخيرة من حكمة, وجعلها جزء من النظام, بينما النظام الجمهوري أجاد التنظير في المساواة, لكنه عملياً رسخ نظاماً طبقياً على أرض الواقع أشد وطأة وضرر على المواطن البسيط.
انتكست ثورة 26 سبتمبر عندما تحولت من ثورة ضد الإمام والإمامة الى ثورة ضد الهاشميين والزيدية, ما جعل مكون مهم من مكونات الشعب يشعر أن هذه الثورة ضده وتستهدف ثقافته ومذهبه وحامله السياسي.
تراكمت المظالم الناتجة عن أعمال النهب والبسط والمصادرة والاعدام والملاحة والنفي والاقصاء لشريحة مهمة داخل الوطن بعد ثورة سبتمبر, فأنتجت تياراً يشعر أن الثورة لا تعنيه بل أنها موجهة ضده وضد مصالحه.
ما حدث بعد ثورة 26 سبتمبر 62م مشابه لما حدث بعد ثورة 11 فبراير 2011م, فبعض الأطراف التي ادعت الثورية وبمجرد وصولها الى السلطة مارست فساداً أبشع كماً ونوعاً من فساد الأطراف التي ثارت ضدها, هنا بدأ المواطن العادي يقول في نفسه بعد الثورتين " رحم الله النباش الأول ".
أعتقد بل أكاد أجزم أن حركة أنصار الله " الحوثيين " لا تسعى الى استعادة النظام الإمامي وارجاع عجلة التاريخ الى ما قبل العام 62م, ليس لأن القائمين عليها لا يريدون ذلك – اذا افترضنا حُسن النوايا – لكن لأن قادتها السياسيين على وعي كامل أن ذلك أصبح من المستحيلات, وأن الوضع تغير كثيراً – محلياً واقليمياً ودولياً - خلال الخمسين عاماً الماضية, وأن السعي الى ذلك يعني ادخال اليمن في حرب طائفية مذهبية مناطقية, ستجد من يمولها لعشرات السنين وستأكل الأخضر واليابس ولن ينتصر فيها أحد.
دخول الحوثيين على الخط سيشكل " توازن قوة " مع الأطراف الأخرى التي استأثرت بالسلطة والثروة منذ 67م, قد يصنع هذا التوازن السلام, خصوصاً أن الجميع بات يدرك أنه من الصعب حسم المعركة لصالح أي منهم.
هذا التوازن مشابه – مع الفارق النوعي - للتوازن الذي أحدثه تواجد الحزب الاشتراكي على الساحة السياسية في بداية التسعينات محمياً بالجيش الجنوبي السابق, تلك المرحلة كانت أفضل المراحل التي مورست خلالها الديمقراطية والحرية بشكل حقيقي مع ما شابها من اختلالات.
وما نحتاجه في هذه المرحلة هو أن تقتنع القوى التقليدية الممسكة بمفاصل السلطة اليوم أن لا مناص من الشراكة الحقيقية في السلطة مع القوى الجديدة حتى يتحمل الجميع المسؤولية, ويشاركون في بناء اليمن القادم, وأن تقتنع القوى الجديدة أن الوصول الى السلطة يجب أن يمر عبر فتحات صناديق الاقتراع وليس عبر فوهات البنادق.
نحن بحاجة الى اعلان " جمهورية ثانية " - ان جاز التعبير – ليست بالتأكيد "مِلَكِيَة السيد" التي حكمتنا قبل 62م, ولا تُشابه "جمهورية الشيخ" التي تحكمنا حتى اليوم, هذه الجمهورية الجديدة يجب أن تبدأ بمرحلة انتقالية من 3 – 5 سنوات, تبنى فيها مؤسسات الدولة على معايير علمية ومهنية, و يشترك الجميع في السلطة السياسية, ويهيؤون الأجواء الى الانتقال من الحكم التوافقي – المحاصصة - الى الحكم عن طريق الديمقراطية والصندوق بعد أن يتم تحييد كل أجهزة الدولة عن تلك العملية, ونحاول خلال هذه المرحلة استيعاب القوى الجديدة في كل أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية, لتشعر تلك القوى أنها أصبحت جزء من الدولة ومن مؤسساتها, لتضمن عدم استخدامها مجدداً في حروب ضدها, ليسلم الجميع سلاحه ومناطق نفوذه ل" الجمهورية الثانية".
من يعيق " الجمهورية الثانية " – ( عبر رفض القوى القديمة الشراكة واستمرارها في السطو على السلطة والثروة, أو استمرار القوى الجديدة في حُكم مناطق سيطرتها بمعزل عن " الجمهورية الثانية " بعد ان تتاح له فرصة الشراكة الحقيقية في السلطة )- سيتحمل المسؤولية, وعندها ستتأكد لنا المشارع الظاهرة, أو ستظهر لنا المشاريع الخفية, وقبل ذلك لا يجب أن نتورط في أحكام مُسبقة وخاصة على القوى الجديدة التي لم تُختبر نواياها حتى الآن على الأقل, ولن نتمكن من اختبارها الا بعد الشروع في بناء " الجمهورية الثانية" وبتوازي تقديم التنازلات من الطرفين.
"-نقلاً عن صحيفة الأولى "
المزيد في هذا القسم:
- تخطئ حماس مرة أخرى بقلم : كمال خلف* المرصاد نت تقول حركة حماس رداً على منتقديها ومنتقدي سياساتها بأنها لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى كررت ذلك مرارا تبريرا لمراهناتها وخياراتها وتقديراتها الخاطئة...
- شرط توقف العدوان على اليمن! المرصاد نت شرط توقف العدوان على اليمن! كتب: أ. عبدالباسط الحبيشي* ينبغي على الجميع مع الأسف ان يعترف بأنه لن يتوقف العدوان الغاشم على اليمنيين من قصف وحصار ...
- على أبواب عام خامس: اليمانيون كنخيل تهامة! المرصاد نت ليس من قبيل المبالغة أن نقولَ إن أربعة أعوام من الصمود الأسطوري لم تصنعه دورةُ القمر، وإنما أولئك المغاوير في جميع الجبهات وفي الساحل الغربي، وليست ...
- مسلمون في أمريكا .. ولكن المرصاد كتب: عبدالباسط الحبيشي لقد اختلطت اوراق الجهل بالفوضى، وشعارات الحرية والديموقراطية والمساواة .. بالع...
- إمكانية تحالف أنصارالله والإصلاح مستقبلا ً ! بقلم :محمد قاضي المرصاد نت يبدو العنوان مفزع لكلا الاطراف لكن عندما نتحدث سياسة بعيدا عن العواطف والاحداث سنجد التالي : على المستوي الداخلي 1-كان الاخوان سابقا حليف وشريك ا...
- مواجهة الجدار المسدود ! بقلم : أ. عبدالباسط الحبيشي المرصاد نت بات واضحاً للجميع بأن المفاوضات في الكويت وصلت الى جدارٍ مسدود وقد كان هذا متوقعاً منذ البداية. لا تسعى الرياض رغم كل التنازلات المقدمة من قبل ا...
- بعض المثقفين ..بين تشوش الرؤية وفقدان بوصلة الاتجاه! المرصاد نت أن يقف الأنسان وخاصة المثقف ضد الحروب فذاك موقف أخلاقي وأنساني نبيل لكن أن تتشوش رؤيته ويفقد بوصلة تحديد الاتجاهات الصحيحة فيخلط بين الحروب العدوان...
- بعد الذي صار (1) قبل نهاية الاتفاق الهدنة يعتقد الكثيرون ان الاحداث تسارعت في الاونة الاخيرة رغم ان واقع الحال يقول غير ذلك فاحداث صنعاء اليوم كان يفترض ان تكون في عام 2011 م مع ثورة الشباب وثورة الشباب...
- الشباب اليمني إلى أين؟ المرصاد نت الشباب اليمني، سواء في الداخل أو الخارج، وأخص بالذكر، الصحافيين زملاء المهنة والكتاب والمثقفين والنخبة، والذين كنا نعول عليهم في ترميم النسيج الاجت...
- أي نعيمآ نرجوه .. من قعر جهنم ؟ بقلم : د:علي الطائفي المرصاد نت قد يكون العنوان غريبآ على القارئ للوهله الأولى ولكنه الواقع المرير و المفروض على كل اليمنيين ؟! لمن يرجو خيرآ من المفاوضات القادمه مع (مرتزق...