الإعلام المرئي العربي ! بقلم: ابراهيم محمد الهمداني

المرصاد نت

الإعلام المرئي العربي محاولة لقراءة الواقع وتشخيص مشكلاته ...

 إن الناظر في مجمل القنوات العربية سيجدها على قسمين: 

alhamdani2016.9.14

الاول: قنوات صناعة الخبر وتوجيه الرأي العام وصناعة المواقف والاتجاهات، وتختص بهذا الشأن القنوات الإخبارية، التي تسعى الى تكريس رؤية، وتغليب رأي معين، وتحقيق هدف معين، يخدم مصالح امبريالية دائما، ومعروف عنا - اي الانظمة الحاكمة - اننا لم نمتلك يوما ما رؤية وهدفا ورأيا خاصا بنا، وانما كانت تقودنا التبعية دائما، حتى وقت قريب.
الثاني: قنوات تجارية ترويجية لفكر وثقافة وايديولوجيات الاخر الغربي، ومنها قنوات الافلام السينمائية والدراما، وقنوات الترفيه والموسيقى، والقنوات الإباحية والتعارف، وهذه القنوات وغيرها، تهدف الى الترويج للثقافة والفكر والسلوك والعادات، الخاصة بالمجتمع الغربي، وتقديمها للمشاهد العربي، وكل منتسبي العالم الثالث، بوصفها النموذج الأرقى والأمثل والأفضل للحياة الإنسانية، كونها نابعة من مصدر التطور الحضاري والإنساني، والتنوير المعرفي والأخلاقي، والحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، بخلاف العالم الثالث الذي لا يعدو كونه بؤرة التخلف والضياع والقهر والكبت والقمع، والخضوع للعادات والتقاليد والدين، لذلك وجب على نموذج التخلف الأسوأ، ان يقتدي بنموذج الحضارة الأرقى.
وعليه فشعوب العالم الثالث تستقبل كل تلك المنتجات الاعلامية، سواء الإخبارية الصانعة للرأي او الترويجية المشكلة للثقافة والسلوك، بوصفها أسس التقدم ومداميك التطور وعوامل النجاح والتفوق الغربي، الذي لن نبلغه الا بالسير على ذلك النهج الذي قُدِم لنا سلفا، بوصفه ثقافة وسلوك وأسلوب حياة، هذا من ناحية، وبالتخلي عن كل عاداتنا وقيمنا وديننا وثقافتنا، وكل ما يمت الى ماضينا وخصوصياتنا بصلة، انطلاقا من كونه - حسب الترويج الاعلامي الغربي - اساس التخلف والسبب الرئيس في ضياعنا وانحطاطنا، وغيابنا عن صناعة دورنا الحقيقي في مجريات الحدث الإنساني والفعل البشري، في مسيرة التطور الحضاري الكلي، وإننا اذا ما حضرنا في التاريخ البشري ومسيرة التحولات الحياتية، فدورنا لا يعدو كونه قتلا للإنسان وهدما للحضارات، وعودة قسرية بالتاريخ الى حياة التوحش وشريعة الغاب.

هكذا ارتسمت صورة الذات والاخر في عقولنا ووجداننا الجمعي، بما فيها من الشعور بالهزيمة والدونية من جانب، والانبهار بالاخر والاستلاب له من جانب اخر، وهذا هو ما يفسر ضياع الهوية وتغييب الذات، خلف صور ومفاهيم لم نعِ حقيقتها، ولم ندرك أبعادها، ولم نستطلع أغوارها، ولم نصل الى أبسط أسرارها، وإنما أخذناها تقليدا أعمى، وتقليعة فارغة المحتوى، آملين ان نجد فيها تميزا في أوساط مجتمعاتنا، او رضى عند أعدائنا وانصافا بأننا بلغنا درجة من الرقي والتقدم.
ليس كل ما يصدره الإعلام الغربي إلينا، يعبر عنه ويصدر عن قناعات مجتمعه بالضرورة، ما يصدرونه إلينا ليس اكثر من رؤى وأفكار هدامة، يحاولون تكريسها في مجتمعنا، وتجنيب مجتمعاتهم مخاطرها وسلبياتها، لكي لا تنعكس سلبا عليهم.
هم يعرفون جيدا الفرق بين الفضيلة والرذيلة، وفي مجتمعاتهم هناك ثوابت واسس ومبادئ وقيم وعادات وتقاليد لا حياد عنها، غير ان مفهوم الحرية الذي يقدمونه لنا - على سبيل المثال - يعني فيما يعنيه الفوضى والانحلال والتمرد والعبث الى ما لا نهاية، اقنعوا البعض منا ان الإلحاد والكفر بالله تعالى، هو الطريق الطريق السالك والبوابة الأولى للعبور الى الحداثة، التي تعد فاتحة التطور في مسار تاريخ المجتمع الغربي، كما حاولوا ايهامنا ان الدين لا يقدم حلولا او إجابات شافية لتساؤلات الإنسان بشأن حاضره ومستقبله، أو بالأخص لا يقدم إجابات حقيقية عن المصير، الذي كان وما يزال الهاجس المسيطر على الإنسان منذ وجوده الأول، والى الأبد، ربما كان فيما طرحوه بعض الحقيقة قياسا بأديانهم المحرفة، بينما ديننا الإسلامي يقدم رؤية واضحة وجلية لكل ما يتعلق بحياة الإنسان، وما ينتظره من المصير المحتوم.
كذلك حاولوا اقناعنا بضرورة تلبية حاجات النفس والجسد، وإشباع الرغبات على اختلافها، ما لم فإن الإنسان سيصاب بالكبت والعقد والأمراض النفسية، ولا أظن في هذا ما يخالف السنة الإلهية والطبع البشري، وإنما يكمن الخطر والمخالفة الصريحة للأمر الإلهي والتوجيه الرباني والفطرة السليمة، في مخالفة الطريقة، وإشاعة البهيمية والحيوانية كأسلوب أمثل في إشباع تلك الرغبات، ومن هنالك روجوا ان مشاهدة الأفلام الإباحية، ثقافة جنسية وضرورة لا بد منها، وان ممارسة الجنس والشذوذ خاصة، على مرأى ومسمع من الجميع، دليل شخصية قوية اتمتلك الحرية والاقتناع التام، وتمتاز بثقافتها المنفتحة على الاخر، وفكرها المتنور الحداثي، الذي يمتلك ابجديات الحضارة والتطور، وهذبوا مسميات الأفعال القبيحة، لكي يسهل عليهم تمريرها وخداعنا بها، كالخمر التي أطلقوا عليها مسمى مشروبات روحية، وجعلوها طقسا من طقوس مجالس البهوات والطبقة الراقية في المجتمع، وعدم تعاطيها يعد من ضروب التخلف وأشكال الانغلاق والجمود و...... الخ.

بهذه الرؤى والأفكار والأسس، قامت القوى الإمبريالية برسم الاستراتيجية العامة والخطوط العريضة، للخارطة البرامجية العربية، وسواء كانت تلك القنوات تنطلق من ايديولوجيا اشتراكية او تقدمية او قومية او إخوانية او ليبرالية او غير ذلك، فإنها لا تعدو كونها تبعية لايديولوجيات غربية بشكل او بأخر، وأن محاولات أسلمة او تعريب تلك النظريات والايديولوجيات باءت بالفشل الذريع، لافتقار متلقيها من الساسة والمفكرين العرب للوعي الكامل والإدراك بحقيقتها والغاية منها، علاوة على كونها نبتة دخيلة على الارض العربية، وطارئة عليها، وتخدم رؤى ومصالح خارجية.
بهذا يمكن القول إن القنوات الاعلامية العربية بقسميها الإخباري والتجاري، لم تمتلك حتى الان رؤية خاصة بها وايديولوجيا نابعة من عمق ثقافة المجتمع، وملبية لاحتياجاته وضروراته وتطلعاته، وهذا هو حال معظم القنوات العربية، التي لا تجد غضاضة من اعلان تبعيتها للاخر الغربي بشكل او بأخر، ولم يخرج عن هذا التعميم

الا قنوات بعدد الأصابع، وهي التي تمثل اليوم محور المقاومة والممانعة والتصدي للمشاريع الاستعمارية في المنطقة، وهذه القنوات بدورها تحاول إعادة صياغة العلاقة بين المرسل والمتلقي، من خلال صياغة خطاب إعلامي مختلف ومتجاوز للسائد المستلب.
يعد الخطاب الاعلامي المقاوم هو الفرصة الوحيدة لإعادة بناء الذات، وتحقيق تميزها وتفردها، وإيصال رسالتها الى الاخر انطلاقا من كونها الند المساوي له في الحقوق والواجبات على مستوى الشراكة الإنسانية، والتعاون الخلاق في تحقيق القيم والمبادئ الإنسانية، الحرية والعدالة والمساواة، التي تحفظ للإنسان قيمته واستقلاله ومكانته ودوره في صناعة التحولات التاريخية، والتطور الحضاري والثقافي عامة.
ان الدور الذي تلعبه تلك القنوات المقاومة، بحاجة الى دراسة مستفيضة وشاملة، لتوضيح الإمكانات وتحديد الخيارات المطروحة مستقبلا.

المزيد في هذا القسم:

  • سقوط المجلس الإنتقالي! المرصاد نتكتب: عبدالباسط الحبيشي المجلس الإنتقالي الذي أسسه التحالف العدواني على اليمن أعلن سقوطه قبل يومين وذلك من خلال إعلانه للإدارة الذاتية وإعلان حالة الطو... كتبــوا