المرصاد نت - متابعات
أفضى تعقد مسارات الحرب في اليمن بما في ذلك انسداد أفق الحل السياسي إلى تنامي حروب التجزئة إذ تشهد معظم المناطق اليمنية تقريباً معارك يومية بغرض الهيمنة على الموارد فعلى الرغم من اختلاف القوى المحلية المتصدّرة هذه المعارك، في أجنداتها السياسية، وكذلك علاقاتها مع سلطات الحرب وحلفائها الإقليميين، فإنها تتفق في تكالبها على ثروات اليمنيين. وفي مقابل صراع أجنحة جماعة الحوثي على ما تبقى من موارد الدولة اليمنية في المناطق الخاضعة لها تسود في المناطق التابعة لحكومة هادي معارك السيطرة على الموارد سواء بين القوى السياسية وفصائل المقاومة المنضوية تحت مظلة سلطة هادي أو بينها والقوى الرافضة لشرعيتها. وفي حين تتصاعد معارك سباق الصراع على الموارد لتبدو أكثر ضرواةً من السابق فإنها تصبّ في الأخير لصالح الدول الإقليمية المتدخلة في اليمن.
على مدى أعوام الحرب على اليمن تحولت جغرافية جنوب اليمن إلى مسرح جذب للقوى المحلية والإقليمية، للسيطرة على الموارد، إذ شكّل تركز ثروات اليمن في بعض المناطق الجنوبية محفّزا رئيسيا لهذا الصراع. كما أن تعدّد اللاعبين الإقليميين والمحليين في الساحة الجنوبية بما في ذلك فشل سلطة هادب في بسط همينتها على تلك المناطق أدّى إلى اشتداد حدّة المنافسة في صراع الموارد وتمظهر ذلك في صراع السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي للهيمنة على السلطة في جنوب اليمن بهدف السيطرة الفعلية على مناطق الموارد الغنية في جنوب اليمن.
إلا أن الثابت في هذه المعارك المستمرة أن الطرفين يعتمدان على أخطاء بعضهما بعضا في تثبيت سيطرتهما فمن جهةٍ أدى ضعف السلطة الشرعية في مدينة عدن إلى تغوّل المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحوّله إلى قوة رئيسية تنازعه على الثروات في المناطق الجنوبية كما أن ارتهان سلطة هادي لدول التحالف العسكري أخرجها عن دائرة التأثير الفعلي في الشأن الداخلي اليمني إذ انفردت السلطات السعودية والإماراتية في إدارة المناطق الجنوبية وتحديداً المناطق الغنية بالموارد.
عجز سلطة هادي عن إصلاح نفسها منح المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات غطاءً سياسياً لفرض سلطته على الجنوبيين إذ نجح في تقديم نفسه بديلا لسلطة هادي في الساحة الجنوبية وذلك بعد إزاحته القوى الجنوبية المنافسة له ومن ثم فوّض نفسه وريثا وحيدا لاستعادة الدولة الجنوبية السابقة بما في ذلك السيطرة على ثروات الجنوب؛ كما أدّى تصدير سلطة هادي لقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح لمواجهة أجندات المجلس الانتقالي بما في ذلك الأطماع الإماراتية في الجنوب إلى إفراغ خطابها السياسي من مضامينه العادلة وحوّله إلى مماحكات سياسية.
بيد أن تعطّش المجلس الانتقالي للاستحواذ على السلطة في جنوب اليمن من دون التفكير بتبعات ذلك، جعله محاصَراً بين ما تفرضه دعايته الإعلامية أمام جمهوره وضرورة إيجاد آليات سياسية واقعية لاستكمال مشروعه وبدا أن السيطرة الناعمة على مؤسسات الدولة في مدينة عدن العاصمة المؤقتة لسلطة هادي هي استراتيجية ملائمة للمجلس الانتقالي حالياً ومن ثم حاول اختراق النقابات العمالية في بعض مؤسسات الدولة، وإقناع ممثليها بإسقاط المؤسسات من الداخل، وتعيين مسؤولين يمثلونه بيد أن المجلس الانتقالي فشل في ذلك على الأقل في هذه المرحلة.
شكلت التركيبة الاجتماعية والسياسية في مدينة عدن سببا في إعاقة طموح المجلس الانتقالي للسيطرة على السلطة. فعلى الرغم من التمازج الظاهري للمجتمع المديني في المدينة، إلا أنه ذو طابع هش، إذ إن أي إخلالٍ بتوازنات القوى في المدينة، قد ينذر بحربٍ أهليةٍ وشيكة، حيث لا زالت الحساسيات المناطقية التي تغذّيها تركيبة الصراع الجنوبي- الجنوبي في الصراعات التاريخية الماضية، تسيطر على الفضاء العام في مدينة عدن وتمثل التركيبة المناطقية لقيادة المجلس الانتقالي الحالي في مواجهة السلطة الشرعية ممثلا بالرئيس عبد ربه منصور هادي انعكاساً رمزياً للصراع الجنوبي- الجنوبي القديم أي سطوة أهالي مدينتي الضالع ويافع في المجلس الانتقالي مقابل نفوذ مدينة أبين في رئاسة سلطة هادي وهو ما يعني اجترارا للصراع الجنوبي القديم، ومن ثم أدّى توجس المواطنين من القوى الجنوبية التي قد تخل بهذا التوازن، إلى نأيهم عن أي استقطابات سياسية، وهو ما أعاق المجلس الانتقالي في السيطرة على مدينة عدن وأدّى إلى حصر نفوذه في مناطق محددة من المدينة.
كتكيك استباقي وجّه المجلس الانتقالي الجنوبي معركته نحو مناطق الموارد الغنية في جنوب اليمن إذ سرّع التسريب الإماراتي لخفض قواته في مناطق الجنوب إلى تنفيذ المجلس الانتقالي مشروعه في السيطرة على جنوب اليمن، والذي يبدأ من الهيمنة على مناطق الموارد الغنية حيث حرّك المجلس أذرعه العسكرية في جزيرة سقطرى ومدينة شبوة، لمواجهة القوات التابعة للشرعية.
وفي حين فشل المجلس في إحكام سيطرته على جزيرة سقطرى بعدما خرجت تظاهرة شعبية تؤكّد يمنية الجزيرة ورفض الأجندات الإماراتية يبدو المشهد في مدينة شبوة مختلفاً في أكثر من زاوية إذ نجح المجلس الانتقالي في استثمار حدّة الاستقطابات في المدينة لصالحه كما أن تصاعد النقمة الشعبية من حالة الفقر التي تناقض غنى المدينة، أتاح للمجلس أن يكون طرفاً رئيسياً في الصراع على حقول النفط والغاز، فضلاً عن الحضور الفاعل لقوات النخبة الشبوانية الموالية له في مدينة شبوة التي سهلت للمجلس تصعيد الصراع فشهدت مدينة عتق عاصمة مدينة شبوة في الأسابيع الأخيرة مواجهاتٍ عسكرية بين النخبة الشبوانية الموالية للمجلس الانتقالي والقوات التابعة لسلطة هادي.
وفي حين لا تزال التوترات العسكرية والاحتقان الشعبي يخيمان على المدينة نجح المجلس الانتقالي في صبغ الصراع في مدينة شبوة بأنه انتفاضة جنوبية ضد نخبة حرب صيف 1994 التي نهبت ثروات الجنوب، ممثلةً بالقوات التابعة للواء علي محسن الأحمر وهو ما أدّى إلى فشل اتفاق الوساطة الذي قضى بتولي الأمن العام حماية المدينة، بمساعدة قوات النخبة الشبوانية وحصر قوات الجيش في ثكناتها فقد صعّد المجلس الانتقالي من صراعه ضد السلطة الشرعية، فطالبت تظاهرة شعبية بأن تكون مدينة شبوة منطقة عسكرية مستقلة عن المنطقة العسكرية الثالثة، تديرها قوات النخبة الشبوانية وكذلك طرد القوات التابعة للسلطة الشرعية واعتبارها قوة شمالية غازية.
في الصراع على مناطق الثروات في جنوب اليمن قد تكون هذه دورة إحماء لصراع سيتجدّد في المستقبل يمتد من مدينة شبوة إلى حضرموت وجزيرة سقطرى. وفي حين خسرت السلطة الشرعية معركتها في مدينة شبوة في الوقت الحالي فإن الإمارات هي من كسب هذه الجولة، إذ لا يمكن بأي حال فصل تطورات أحداث شبوة عن الاستراتيجية الإماراتية في جنوب اليمن والتي تهدف إلى إحكام السيطرة على مناطق الموارد الغنية إما بشكل مباشر أو من خلال وكلائها المحليين المخلصين ولإدراك السلطات الإماراتية أن أقصى ما سوف تذهب إليه سلطة هادي لرفض أجنداتها في جنوب اليمن هو الاحتجاج الإعلامي لا أكثر إذ مهما كانت قضايا الأصوات الاحتجاجية عادلة فإنها في بلدٍ بلا سيادة كاليمن ومن دون سلطة وطنية حقيقية تمثل مصالح عموم اليمنيين لن تكون سوى زوبعة في فنجان أو في أحسن الأحوال امتهان مضاعف ومحزن.
قراءة : بشري المقطري
المزيد في هذا القسم:
- وادي حضرموت أولوية لـ«الإنتقالي».. تصعيد إماراتي جنوباً! المرصاد نت - متابعات يبدو أن المشهد في الجنوب ذاهب نحو التصعيد خصوصاً ومايسمي ب«المجلس الانتقالي» جعل من أولوياته خلال المرحلة المقبلة مواجهة القو...
- الناطق بإسم أنصار الله : سياسة البلد في الفترة القادمة لن ترتهن أو تتقيد بتنفيذ أجندات أيّ... قال محمد عبد السلام المتحدث باسم أنصار الله إن سياسة البلد في الفترة القادمة لن ترتهن أو تتقيد بتنفيذ أجندات أي دول اقليمية بعينها في المنطقة وإنما ستلتزم فقط ب...
- احتجاجات في المهرة ضد العدوان السعودي الإماراتي المرصاد نت - متابعات خرجت محافظة المهرة شرقي البلاد في تظاهرة معلنة رفضها عسكرة المحافظة من قبل القوات السعودية والإماراتية في حلقة جديدة من الرفض الشعبي لتجا...
- أمنستي: سلاح الغرب يقتل اليمنيين وأدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمدنيين المرصاد نت - متابعات اتهمت منظمة «العفو الدولية» (أمنستي) عدداً من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتزويد التحالف السعود...
- مفاوضات السويد: التعنّت الأميركي يُعلّقها عند «بناء الثقة» ! المرصاد نت - لقمان عبدالله تنعقد الجولة الجديدة من المفاوضات اليمنية في العاصمة السويدية استوكهولم في ظلّ ضغوط دولية وأممية في اتجاه وقف الحرب والتوصّل إلى حل...
- الوفد الوطني يؤكد على رفض التفرد في الحكم المرصاد نت - الكويت أكد الوفد الوطني في جلسة المشاورات التي عقدت صباح اليوم السبت في العاصمة الكويتية أن اليمن محكوم بالتوافق ورفض التفرد في الحكم.كما أكد ...
- اللواء 33 يواصل القصف على مدينة الضالع وقتلى وجرحى اثر القصف.. قصفت قوات اللواء 33 الذي يقوده اللواء ضبعان اليوم الخميس مدينة الضالع ولا يزال القصف بحسب مصدر محلي بالضالع يستمر حتى منتصف الليل والساعة الولى من يوم الجمع...
- الأمم المتحدة: الحرب أعاقت تطور اليمن لأكثر من 20 عام مستقبلاً! المرصاد نت - متابعات قالت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن الحرب التي يقودها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن أعاقت تطور البلاد لأكثر من 20 عام...
- عاجل : قوات مكافحة الشغب تعتدي على نزلاء السجن المركزي في صنعاء بقنابل الغاز السام والرصاص... أقدمت قوات ما تسمى بمكافحة ” الشغب ” مساء الليلة بالإعتداء على نزلاء السجن المركزي بصنعاء بإستخدام الغازات والرصاص الحي . وحسب مصدر في السجن المركزي فإن الإعتد...
- صفقة أسلحة أمريكية جديدة إلى النظام السعودي لدعمه في العدوان المرصاد نت - متابعات أعلنت شركة “سيكورسكي” الأمريكية أنها تعاقدت مع النظام السعودي من أجل بيعه طائرات هليكوبتر في خطوة تؤكد استمرار دعم الإدارة ال...