الأزمة الاقتصادية في تونس قنبلة موقوتة !

المرصاد نت - متابعات

تعرّضت قوانين المالية في السنوات الماضية إلى انتقاداتٍ كبيرةٍ بسبب أن الدولة أو الحكومات المتعاقبة سعت من خلالها إلى التركيز الكلّي على الضرائب لتمويل ميزانياتها عوضTuonis2018.9.30 إيجاد حلول جذرية لقطاعات كانت ستدرّ على الدولة أرباحاً طائلة مثل النقل الجوي (شركة التونيسار) و الفسفاط (شركة فسفاط قفصة). و شيئاً فشيئاً بدأت هذه الضرائب المتراكمة في إضعاف القدرة الشرائية للمواطن و إسقاط بعض القطاعات من خانة الميسورة أو الرابِحة إلى خانة الضعيفة أو الفقيرة، مثل قطاع التاكسي الفردي.

قانون المالية لسنة 2018 عمّق أزمة قطاعات أخرى تعتبر مهمة للاقتصاد التونسي أهمّها قطاع العقارات الذي يعيش صعوبات بدأت بوادرها بالظهور منذ سنوات. أكثر من ثلثيّ العقارات التي يتمّ بناؤها لا يتمّ بيعها إضافة إلى المشاكل التي تعانيها البنوك جرّاء تعثّر الباعثين العقاريين في خلاص القروض، وهو ما يهدّد بانتقال هذه الأزمة إلى قطاعات أخرى.

لاحت بوادر الأزمة منذ سنة 2014 عندما بدأت مبيعات العقارات تأخذ منحى تنازلياً، ففي سنة 2016 ووفقاً للأرقام الصادرة عن غرفة الباعثين العقاريين، فإن عدد الشقق التي تمّ بيعها في الربع الأول من 2016 ما يُقارب 400 شقة ليتراجع هذا العدد إلى 70 في نفس الفترة من سنة، 2017 و تصل في 2018 و في نفس الفترة إلى حدود 24 شقة فقط. تراجُع المبيعات هو نتيجة طبيعية حسب وزير المالية الأسبق حسين الديماسي لما يحصل اليوم الديماسي قال  إن الأزمة تتمثّل في أن العرض أكثر بكثير من الطلب "هناك شيئان تسبّبا في الوصول إلى هذه الوضعية أولاً الأداء على القيمة المضافة الذي تم تحديده بـ 13 بالمائة و أيضاً ارتفاع نسبة الفائدة في البنوك ، و الذي تم الترفيع فيه بأكثر من 3 مرات هذه السنة".

في قانون المالسة لسنة 2018 حاولت الدولة تحديد الأداء على القيمة المضافة لقطاع العقارات بنسبة 18 بالمائة ، لكن بعد مفاوضات مع غرفة الباعثين العقاريين تم خفضه إلى 13 بالمائة ، فلو تمّ الحفاظ على النسبة الأولى لكانت الأزمة أعمق بكثير . لكن المستشار العقاري كمال شبوح يؤكّد أن النسبة الحقيقية للأداء على القيمة المضافة التي يتحمّلها الباعثون العقاريون هي 25 بالمائة تنقسم كالآتي  13 بالمائة عند البيع و 15 بالمائة عند البناء. ارتفاع الأداء على القيمة المضافة يمكن أن تكون له فوائد كبيرة من حيث موارد الدولة ، لكن نتائجه على حركة البيع كارثية .

من جهة أخرى و نظراً لارتفاع نسبة التضخّم و انهيار الدينار التونسي اضطر البنك المركزي إلى العودة في كل مرة و تعديل نسبة الفائدة المديرية ، ما أثّر بشكلٍ مباشرٍ على نسبة الفائدة لدى البنوك التي وصل في إحداها إلى 10 بالمائة و هي نسبة مُرتفعة جداً . سببان أثقلا كاهل المواطن و الباعث العقاري ما جعل أسعار الشقق ترتفع بشكلًٍ صاروخي .

في محاولةٍ منها لحلحلة الوضع سعت الدولة في مناسبة أولى إلى الاعلان عن برنامج السكن الأول . برنامج السكن الأول الذي في ظاهره هو مساعدة للطبقات الاجتماعية المتوسّطة وذلك بتمكين الراغبين في اقتناء مسكن أول من الحصول على قرض ميسّر ودعم حكومي لتغطية التمويل الذاتي الذّي تشترطه البنوك. ولكن في جوهره يهدف إلى المحافظة على الأرباح المرتفعة في قطاع أصبح يشكِّل أحد أبرز أنشطة المضاربة و الفساد حسب رأي الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي. إضافة إلى هذا و مثلما ضغطت لوبيات وكلاء بيع السيارات لاستخراج قانون يمنع المقيم في الخارج من بيع سيارته في تونس إلا بعد سنة سعت لوبيات العقارات إلى الضغط أيضاً لاستخراج قانون يتيح للليبيين و الجزائريين حق الملكية في تونس. قانون أثار الكثير من الانتقادات حتى من الباعثين العقاريين المستشار العقاري كمال شبوح في تصريحه للميادين نت يرى أن هذا القانون بلا فائدة وقال إن الجزائريين لا يشترون أراض أو منازل في تونس  و إن الليبيين الذي يستطيعون شراء عقارات في تونس قد اشتروا منذ 2011 وبحكم الأزمة التي تعيشها بلادهم لم يعد جلّهم يمتلك المال لشراء شقق بملايين الدينارات .

لكن وزير المالية الأسبق حسين الديماسي استغرب اقتصار القانون على الجنسية الجزائرية والليبية " أنا أساند هذا القانون و لكن لماذا لايفتح على جميع الأجانب، آن الأوان للخروج من خوف الاستعمار، ففي البرتغال إذا اشتريت منزلاً تحصل على الجنسية مباشرة ". حق ملكية الأجانب يُحيلنا إلى سؤالٍ هل تقوم الدولة بمجهوداتٍ لتسهل حركة الرساميل على الأقل ، محافظ البنك المركزي الأسبق الشاذلي العياري قال إن تونس قد اتّخذت جملة من التدابير لتسهيل حركة الرساميل ، و لجعل المستثمرين الأجانب سواء كانوا في ميدان العقارات أو ميدان آخر مهتمين بالاستمثار في تونس، أولى هذه الإجراءات تخفيف القيود المفروضة على سعر الصرف، لكن هذه الإجراءات بقدر ما تحتويه من تشجيعات للمستثمرين بقدر ما لها انعكسات على مخزونات العملة الصعبة.

قطاع العقارات الذي يمثل أكثر من 14 بالمائة من مجموع الاستثمارات الجملية في البلاد و يساهم ب12.6 بالمائة من القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني، و8 ٪‏ من جملة القروض المصرفية الممنوحة للقطاعات الاقتصادية يواجه أزمة خانِقة بالنظر إلى حجم ديونه من القروض و التي تصل إلى 5.2 مليارات دينار حسب وزير المالية الأسبق حسين الديماسي و بسقوط قطاع العقارات ستتضرّر عدّة قطاعات أخرى أهمّها البنوك والسياحة. تراجع القدرة الشرائية في مقابل ارتفاع الأسعار أدى إلى بقاء أكثر من 70 ألف شقّة شاغرة و جعل الآلاف من دون مسكن.

تنفتح أزمة العقارات في تونس على سيناريوهين إثنين، أولهما أن تتواصل الأزمة في ظلّ صمتِ الدولة وانخفاض مستوى المبيعات ما يؤدّي إلى إفلاس بعض الباعثين العقاريين ، و بالتالي تضرّر بعض البنوك وإمكانية إفلاسها أيضاً ، وهو ما لا يستبعده وزير المالية الأسبق حسين الديماسي هذا السيناريو سيكون الحلقة الأولى في مسلسل انهيار القطاعات الاقتصادية التونسية و السيناريو الثاني أن تتدخّل الدولة لإنقاذ البنوك من الأزمة من خلال إيجاد حلول وقتية وتأجيل تفجير القنبلة الموقوتة لسنوات أخرى.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية