عندما كان الملك عبد العزيز ال سعود و الشريف حسين حاكم الحجاز يخوضان الحرب الى جانب بريطانيا و فرنسا في الحرب العالمية الاولى كان الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو و نظيره البريطاني مارك سايكس يتفاوضان بشكل سري على تحديد مصير العالم العربي بعد انتهاء الحرب. و نتج عن تلك المفاوضات ما بات يعرف باتفاقية سايكس بيكو لتقاسم السيطرة و النفوذ على العالم العربي.
انا لا اعرف اسماء الدبلوماسيين الاجانب الذين وضعوا مشروع تقسيم اليمن ولكني اعرف ان هذا المشروع طُرح باسم حزب الاصلاح و حزب المؤتمر و تم تبنيه من قبل حزب الرشاد السلفي من قبل تشكيل لجنة الاقاليم. و بعد مفاوضات شكلية لمدة اسبوع تم اقرار ذلك المشروع الخارجي بحذافيره و دون اي تعديلات من قبل لجنة الاقاليم و كأن مهمتها فقط اضفاء شرعية وطنية على ذلك القرار.
في الواقع ان مشروع تقسيم اليمن الى اقاليم ليس عملية تقسيم طبيعية و انما هو عملية سلخ متعمده للمحافظات الغنية القليلة السكان عن المحافظات الفقيرة الكثيرة السكان لتصبح 70% من مساحة اليمن و كل ثرواته النفطية بيد 13% من السكان فيما يسمى باقليمي حضرموت و سبأ. عملية السلخ هذه ستؤسس لهويات جديدة و تضيف عوامل صراع جديدة الى اليمن بين فقراء و اغنياء. و قد بدأ صراع الهويات الاقتصادية مبكرا عندما اجتمع بعض وجهاء محافظات الجوف و مأرب و البيضاء ليعلنوا رفضهم ان تكون محافظة ذمار جزء من اقليمهم لان نسبة عدد سكان ذمار 7% بينما نسبة عدد سكان المحافظات الثلاث مجتمعة 6% فقط و هم لا يرغبون في المزيد من الشركاء في الثروة النفطية, و هذا مؤشر فقط للصراع الذي سينشأ في المستقبل.
مشروع سلخ اليمن هو مشروع سعودي امريكي لأنه سلخ المحافظات التي للسعودية اطماع فيها عن بقية اليمن كما تبنى التقسيم الاستعماري البريطاني للجنوب فيما كان يعرف بالمحميات الشرقية و المحميات الغربية. و الهدف من طرح هذا المشروع من قبل حزب المؤتمر هو حرص الرئيس السابق على ارضاء السعودية اما حزب الاصلاح فأن دافعه الاساسي هو النكاية بالحراك الجنوبي و بأنصار الله الى جانب محاولة ارضاء السعودية.
سلخ اليمن بهذا الشكل سيمكن السعودية و دول اقليمية اخرى من الهيمنة على القرار في 70% من مساحة اليمن و التي تحوي كل الثروات النفطية. فعندما تبدأ عملية التفاوض على تقاسم الثروة و الصلاحيات بين الاقاليم سيكون هناك تضارب مصالح بين الاقاليم الغنية و الاقاليم الفقيرة و ستتدخل السعودية لصالح الاقاليم الغنية كما ستسعى لتطوير التعاون معها في مختلف المجالات بعيدا عن بقية الاقاليم بهدف اضعاف هويتها اليمنية. و منذ اليوم فان اللجنة الخاصة في الديوان الملكي السعودي لم تعد بحاجة لكسب ولاء مشايخ كل المحافظات اليمنية و يكفيها ان تركز استثماراتها على اقليمي حضرموت و ما يسمى بإقليم سبأ اللذان لا يتجاوز عدد سكانهما 13% من مجمل السكان لتهيمن بالتالي على70% من مساحة اليمن و على كل الثروات النفطية. ان كسب السعودية لهذه الورقة الرابحة سيمكنها من لي ذراع اليمن و اذلاله و ليس من المستبعد ان تدعم الدعوات الانفصالية في ذلك الاقليمان من اجل المزيد من الابتزاز. و قد بدأت السعودية منذ مدة منح البطاقات الخضراء للكثير من ابناء حضرموت و التي تمكنهم من دخول الأراضي السعودية بدون تأشيرة في خطوة تمهيدية لسلب الهوية اليمنية عن ما يسمى باقليم حضرموت. و لا ننسى ان هناك دعوات تطالب باستقلال حضرموت بدعوى انها ليست يمنية و لا شك ان السعودية ستدعم هذا التوجه بكل ما تملكه من تأثير على القرار السياسي في اليمن و بما تملكه من امكانيات مادية.
ان سلخ اليمن بهذا الشكل هو جريمة بحق الوطن و يتحمل المسئولية حزب الاصلاح و السلفيين و كذلك الرئيس السابق علي صالح. لان هذا المشروع لا يهدد وحدة اليمن فحسب بل و يهدد هويتها اليمنية و يقسم اليمن الى فقراء و اغنياء و هذا اخطر من اعادة تقسيم اليمن الى حدود ما قبل تسعين.
و في خطوة استباقية لتضليل الرأي العام عمدت الابواق الاعلامية التابعة للإخوان المسلمين و السلفيين الى إساءة تفسير موقف انصار الله الرافض للمشروع مدعيه انه جاء كرد فعل لعدم حصولهم على منفذ بحري. لذلك نقول لهم اننا نعرف ان مشروعكم لسلخ اليمن قام على اساس النكاية بالحراك و بأنصار الله و ان نفسوكم ا لمريضة دفعتكم لتبني مشروع سايكس بيكو جديد يؤسس لسلخ 70% من اليمن لصالح السعودية مما يكشف افتقاركم لأي نزعة وطنية. و نقول لمن انساقوا وراء تلك الدعايات هل من العدل ان يتم استهداف صعده او غيرها من المحافظات عقابا لتيار سياسي معين؟ و هل من العدل ان يتم حرمان سكان ذمار و صنعاء و عمران و صعده و الذين يشكلون 29% من عدد سكان اليمن من مقومات النهوض الاقتصادي بتبني تقسيم شاذ يحرمهم من المشاركة في الثروة النفطية او من منفذ بحري؟ و هل من الوطنية ان يتم اعادة الجنوب الى المرحلة الاستعمارية بإعادة تقسيمة الى محميات شرقية و غربية؟
ان مشروع سلخ اليمن غير شرعي لأنه مشروع غير وطني و جاء ليلبي رغبات خارجية لا تريد الخير لليمن. و هذا المشروع لم يلبي الحاجة لحل القضية الجنوبية و الذي قامت فكرة الاقاليم من اجله و انما جاء ليؤججها حيث تم تقسيم الجنوب على اساس التقسيم الاستعماري القديم الذي اسقطته ثورة اكتوبر بدافع النكاية بالحراك الجنوبي و نقل الصراع الى الجنوب. كما ان هذا المشروع لم يقم على اساس المعايير المتفق عليها و هي المعيار الاقتصادي و الجغرافي و الثقافي الاجتماعي. كما ان عمل لجنة الاقاليم كان شكليا لأنه تم تبني مشروع "الاخوان المسلمين و حزب الرشاد السلفي و الرئيس السابق" بحذافيره و الذي جرى الاعلان عنه في وسائل الاعلام قبل تكوين اللجنة. و اجتماع الاخوان و الرئيس صالح حول مشروع مهم و مصيري يظهر البصمات السعودية و الاجنبية على صياغة مثل هذا المشروع.
و الخلاصة ان هذا المشروع جاء ليلبي رغبات خارجية و لم يحل القضية الجنوبية ولم يراعي المعايير التي تم الاتفاق عليها و تم تبني وجهة نظر طرف سياسي واحد نكاية ببقية الاطراف. و بالتالي فأن هذا المشروع باطل و غير شرعي و لن يقبل الشعب اليمني تمريرة.
المزيد في هذا القسم:
- العدوان السعودي يوحي بسايكس بيكو جديد ( الحلقة الاولي ) لاشك بان العدوان التي تتعرض له بلدنا بقيادة الرياض وبتواطئ مبطن من قبل الغرب هذا يوحي بان هناك توجه امبريالي يعد ويحضر لسايكس بيكو جديد ربما قد بدأ تدشينه في ...
- المنظمات الدولية وقوافل إغاثتها! المرصاد نت كل المنظمات الدولية التي أنشأتها دول تحالف شمال الأطلسي عقب الحرب العالمية الثانية لم تكن إلا وسائل بائسة للملمة خزيها وجرائمها التي ارتكبتها خلال ...
- ابو مالك الفيشي .. قصيدة من أول الفخر منذ شهقة ولادته الأولى في قرية ريفية مختبئة خلف جبال خولان بن عامر بمحافظة صعدة ..حتى صرخته الأخيرة في وجه أمريكا و اسرائيل وسط العاصمة صنعاء حيث اصبح اسما يت...
- 600 يوم من العدوان الخارجي على اليمن .. صمود ودروس وعبر ومراجعة ! بقلم : صلاح القرشي المرصاد نت في هذا المقال لن نتناول ونستعرض ما جرى في هذه الحرب العدوانية من ناحية استراتيجية لسير المعارك وصمود شعبنا وجيشنا ولجاننا الشعبية في مواجهة جيوش ال...
- ذكرى فبراير .. ثوار والذين باعوا المرصاد نت انما تكتسب الاشياء قيمتها من ثباتها بوجه عوامل التأثير والتغيير كالذهب الذي لايمكن ان يتخلى عن لونه وبريقه عبر العصور وحين تتدخل النار في اجب...
- مبادرة خليجية أخرى وبرعاية الرياض أيضاً .. بقلم : محمد المقالح اذا كانت المبادرة الاولى موجهة ضد ثورة ١١ فبراير ٢٠١١ فهذه المبادرة موجهة ضد ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ و ضد تضحيات انصار الله وشعبهم واعادة الاعتبار لكل مراكز ا...
- عدن والذكرى السنوية الأولى لاحتلالها ! بقلم : أ٠د .عبدالعزيز صالح بن حبتور المرصاد نت غادرت مدينة عدن قبل عام تقريباً في أثناء بدء الاجتياح الغاشم لها من قبل قوات المملكة السعودية والإمارات وفيلق الجنجويد من السودان والشركة الأمنية ا...
- العقاب بالطريقة الترمبية الأمريكية ! المرصاد نت قصف مطار أبوظبي الدولي والتهديد السعودي الكاذب بإيقاف شاحنات النفط عبر باب المندب ومسرحية عدم إصدار الإذن من قبل تحالف العدوان لإقلاع طائرة المبعوث...
- إنها الجولة الأخيرة ! بقلم : أ. عبدالباسط الحبيشي المرصاد نت ما يحدث راهناً هو أن القوى المتآمرة على اليمن تلفظ نفسها الأخير من خلال الضغط شعبياً على حركة أنصار الله المدافعة عن كرامة اليمن لتُلقي بأسلحتها...
- مصيبة ( التبعيض ) في اليمن !!! لطالما نلجأ إلى (التبعيض) عندما نريد أن نتذاكى ونعوّم القضايا لتطفو في بركتها الآسنة هرباً من تحميل طرف بعينه مسؤولية واقعة ما ، كي نبدو في منطقة الوسط بين طرفي...