اليوم التالي للعقوبات: واشنطن تحشد وطهران بصدد ترميم العلاقات مع الرياض

المرصاد نت - متابعات

 Turmp Iran2018.8.8 لم يُحدث دخول أول دفعة من العقوبات الأميركية ضد إيران حيّز التنفيذ تأثيراً واضحاً حتى الآن بأسواق إيران واقتصادها غير ما بدأ ينعكس على العملة الإيرانية في الأسابيع السابقة لإقرار العقوبات. على العكس من ذلك شهدت سوق الذهب والعملات تحسّناً طفيفاً، عزته الصحف الإيرانية إلى الانعكاس الإيجابي للخطة المالية الجديدة التي أقرّتها الحكومة. وأمس بالتزامن مع دخول العقوبات عملياً حيّز التنفيذ باشرت الحكومة الإيرانية بتطبيق حزمة اقتصادية جديدة.

وقال الرئيس حسن روحاني إن السياسة الجديدة ستُنفَّذ بالكامل في خلال الأسبوع المقبل، و«ستكون أنشطة الصرافين حرّة... وسيُحرَّر إدخال العملة الصعبة والذهب إلى البلاد من دون رسوم جمركية أو ضريبة على القيمة المضافة». وأشار إلى أن البنك المركزي تعهّد بتخصیص العملة الصعبة بالسعر الرسمي (4200 تومان) للسلع الأساسیة والأدویة و«هذه الأسعار لن تتتغیر حتى بدایة العام» الإیراني المقبل في آذار/ مارس 2019.

لكن رغم اطمئنان حكومة روحاني إلى قدرتها على مواجهة العقوبات وتخطّيها، أقلّه الحزمة الأولى منها قبل الدفعة الثانية التي اعترف روحاني بصعوبتها في خطابه الأخير فإن أفق تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني لا يزال ضبابياً لناحية حجم هذا التأثير ومدى انعكاسات الحظر. تصرّ إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على أن تُحدِث الإجراءات ضد طهران «إيلاماً غير مسبوق تاريخياً» كما يكرّر ترامب. الأخير عاد وشدد في تغريدة على «تويتر» على ضرورة التزام دول العالم كافة العقوبات الأميركية.

وكتب ترامب: «العقوبات الإيرانية فُرضت رسمياً. هذه العقوبات هي الأكثر إيلاماً التي تُفرَض على الإطلاق وفي تشرين الثاني ستُشدَّد إلى مستوى جديد». وفي تحذير للدول التي تنوي الاستمرار في التعامل مع إيران أضاف ترامب: «أي جهة تتعامل تجارياً مع إيران لن يكون بإمكانها التعامل تجارياً مع الولايات المتحدة. لا أسعى إلى شيء أقل من السلم العالمي».

وبذلك يدشّن الرئيس الأميركي معركة جديدة عنوانها دعم العقوبات من قِبَل باقي دول العالم كي تصبح مؤثرة ولا تتعرّض لطرق التفافية تفرّغها من هدفها، وذلك تعويضاً عن عدم إقرار العقوبات هذه المرة في مجلس الأمن، حيث السبيل إلى إجراء مماثل ليس متاحاً بحسب التوازنات الحالية والموقفين الروسي والصيني. كلام ترامب يبدو مُوجَّهاً بالدرجة الأولى إلى الحلفاء والأصدقاء: الاتحاد الأوروبي وتركيا والعراق وباكستان والهند ودول الخليج.

في الخليج يؤمّن ترامب على عكس جولة العقوبات الماضية حلفاء من المتوقع منهم التزام العقوبات بل والانخراط في حصار إيران كهدف ذاتي لكلّ من السعودية والإمارات. وإن كانت أبو ظبي مُتّهمةً بخرق العقوبات الدولية ضد إيران في السابق فهي مرشحة لالتزام العقوبات الأميركية هذه المرة. على العكس من ذلك لا مؤشر من باقي الدول المعنية بالمشروع على التزام التهديدات الأميركية وهو ما عبّرت عنه تركيا والاتحاد الأوروبي بوضوح ولمّحت إليه كل من الهند وباكستان.

وجدد الاتحاد الأوروبي تأكيده عدم التزام العقوبات، وتشجيعه زيادة التجارة مع إيران وفق وزيرة خارجية الاتحاد فيدريكا موغيريني. وقالت موغيريني إن الاتحاد يبذل قُصاراه لمواصلة بقاء إيران في الاتفاق النووي، «واستفادة الشعب الإيراني من فوائده الاقتصادية». ولا يزال موقف الأوروبيين وضماناتهم للحفاظ على الاتفاق موضع تشكيك وعدم رضى إيرانيَّين حيث تُكرّر طهران مطلب اتخاذ خطوات أكثر نجاعة في مواجهة التهديدات الأميركية.

إلا أن وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستير بيرت، طمأن أمس إلى أن حماية الشركات الأوروبية من العقوبات «ممكن». وشدد المسؤول البريطاني على أنه «إذا كانت الشركة تخشى أي تحرك قانوني ضدها وتنفيذ أي قرار بحقها من كيان ما استجابة للعقوبات الأميركية، فإن هذه الشركة يمكن أن تحظى بالحماية من خلال تشريع الاتحاد الأوروبي» في إشارة إلى تفعيل الاتحاد لقانون «التعطيل». واعتبر بيرت في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي. بي. سي.» أن قرار أي شركة بالتوقف عن العمل هو «قرار تجاري» فحسب، بعد الإجراءات الحمائية.

على عكس تصريحات الوزير البريطاني فإن الأمور على الأرض لا تبدو بهذه السهولة حيث ترتبط معظم الشركات الكبرى في مقدمها شركات الشحن والنفط والغاز بمصالح مع الولايات المتحدة. ومعظم هذه الشركات بدأ بالفعل تجميد أنشطته، وآخرها مجموعة «دايملر» الألمانية لصناعة السيارات التي كان من المرتقب أن توسع عملها في إيران بعد اتفاقين وقّعت عليهما لتصنيع شاحنات «مرسيدس» وتسويقها.

ومقابل الضغوط الأميركية وضعف الموقف الأوروبي ظهر الموقف الروسي أكثر حزماً لناحية رفض السياسة الأميركية ضد إيران. وبعد تأكيد الصين عدم التزامها العقوبات الأميركية رأت موسكو في معرض ردّها على قرار ترامب أن إعادة العقوبات «مثال واضح على أن واشنطن تواصل انتهاك القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن». وقالت الخارجية الروسية في بيان: «نشعر بخيبة أمل شديدة إثر قرار الولايات المتحدة» مشددة على أن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت أن «الحصول على تنازلات من إيران عبر الضغط لا ينجح» وأن موسكو «ستقوم بكل ما يلزم» لحماية الاتفاق النووي وعلاقتها الاقتصادية مع إيران.

ظريف: طهران بصدد ترميم العلاقات مع الرياض

على وقع دخول العقوبات الأميركية ضد طهران حيّز التنفيذ مساء أمس تُطرح أسئلة عديدة بشأن المسار الذي تخوضه البلاد لمواجهة ذلك. من ضمنها ما يتصل بعلاقات طهران بدول الخليج، خصوصاً السعودية، وإن كانت الجمهورية الإسلامية في صدد إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة والدور الذي تؤديه سويسرا وسلطنة عُمان في ذلك الاتجاه؟ ومستقبل الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي؟ أجوبة هذه الأسئلة ردّ عليها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقابلة صحافية.

في مقابلة أجرتها صحيفة «إيران ديلي» مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كشف الأخير عن أن بلاده «بصدد ترميم العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين» مبيناً أنّ طهران «ترغب بأمن المنطقة واستقرارها؛ حيث تُرجم ذلك في قبولها للقرار 598 ومواجهتها لتنظيم داعش وللتطرف في المنطقة، ومبادرتها لتشكيل مجمع للحوار الإقليمي».

ظريف كرّر كلام الرئيس حسن روحاني مؤكداً أنّ بلاده «رحبت دوماً بالحوار (مع الدول الخليجية) إلا أن الأميركيين طرحوا مزاعم لا أساس لها وادعوا أنهم يريدون إيصال الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر وهو زعم لا يمكن تنفيذه، فالدول التي تتفاوض أميركا معها حالياً أعلنت أنها ستواصل شراء النفط الإيراني». وتابع: «إذا ما أرادت واشنطن أن تنفّذ هذا الأمر فعليها أن تعلم تبعاته وعواقبه لأنها (الإدارة الأميركية) لا يمكنها أن تتصور أن لا تصدر إيران نفطها، بينما يتمكن الآخرون من ذلك... وبالطبع فإن وقوع هذا الأمر مستبعد للغاية وتقريباً غير ممكن، ونحن متيقّنون أن الجيران، ومنتجي النفط، والدول التي يرتبط أمنها الاقتصادي بأمن النفط، ستمنع من وقوع هذه الظروف الحادة».

وساطة عُمانية ـــ سويسرية؟

بشأن اقتراح مسؤولين أميركيين بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب التفاوض مع إيران دون شروط مسبقة بيّن ظريف أنّ «المشكلة ليست في التفاوض» إذ «أجرينا حتى الآن الكثير من المحادثات والتفاوض مع أميركا وطبعاً بإذن من كبار المسؤولين في البلاد». ولكن «المشكلة تكمن في نتيجة التفاوض مع أميركا ومدى الثقة الموجودة؟». وقال «على أية حال لا يوجد أي طرف يرغب في الدخول في عملية متلفة للوقت ومثيرة للتوتر وعديمة الجدوى... بحسب معلوماتي لا يوجد حوار بين طهران وواشنطن».

وكشف أن سلطنة عمان وسويسرا طرحتا على إيران عرضاً للوساطة يرتبط بالحوار مع الولايات المتحدة معتبراً أن «طرح الوساطة أمر طبيعي فالسفارة السويسرية في إيران تمثل المصالح الأميركية وقد تباحثت مع المعنيين في البلاد طيلة الأعوام التسعة والثلاثين الماضية وما زالت تفعل ذلك». أمّا بعض الأطراف الإقليمية خصوصاً سلطنة عمان فهي «لا تريد استمرار الوضع الراهن وتحاول القيام بخطوات لمنع تصاعد حدة الأزمة».

واعتبر ظريف أن واشنطن التي انسحبت من الاتفاق النووي لم تعد محل ثقة المجتمع الدولي مؤكداً أن «طهران من طرفها لا ترفض الحوار ولا التفاوض بشكله العام لكنه على الأقل يجب أن يتمتع بشروط ومواصفات».

ورداً على سؤال ما إذا كانت المفاوضات بين إيران ومجموعة (4+1) بشأن الحزمة المقترحة وصلت إلى نتيجة محدّدة؟ قال ظريف إنّ «حزمة المقترحات الأوروبية لها خطوط عامة محددة، وقد تم الإعلان عن رؤوسها، بما فيها أن يكون هنالك مسار مصرفي لتبادل إيران المالي وأن تستمر الصادرات النفطية الإيرانية... إنّ الحظر المرتبط بهذه المواضيع سيدخل حيز التنفيذ في شهر تشرين الثاني».

وأشار إلى اتخاد «إجراءات أخرى في إطار الحفاظ على الاتفاق النووي تشمل تفعيل الشركات الصغيرة والمتوسطة، والمشاورات لإحياء قانون منع تنفيذ الحظر، وإصدار الترخيص لمصرف الاستثمار الأوروبي» موضحاً أن «الأوروبيين لا يكتفون بجهودهم داخل الاتحاد الأوروبي، بل إنهم يقومون بجهود واسعة خارج الاتحاد للحفاظ على الاتفاق النووي».

وكشف ظريف عن أن «الأوروبيين أجروا محادثات منفصلة مع عدد من الدول لتزيد شراءها من النفط الإيراني ودعوا دولاً أخرى إلى شراء النفط من إيران وكذلك دعوا الدول إلى الاستفادة من نموذج مشابه لتفعيل حسابات المصرف المركزي الإيراني في المصارف المركزية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والذي يعمل عليه الاتحاد حالياً». وأوضح أنه «نتيجة هذه الإجراءات تمثّلت في عزلة أميركا».

ورغم أن إجراءات الأوروبيين «لم تكن على قدر توقّعاتنا» إلا أنها بحسب ظريف «تسير في الاتجاه الصحيح، وللإنصاف فإنهم كانوا ملتزمين بإطار الاتفاق النووي وأعلنوا تعهداتهم السياسية، ويتابعونها في الوقت الحاضر إلا أن لدينا توقعات أكثر من أجل تطبيق وتفعيل هذه الالتزامات».

الدرس النووي... والخيار العسكري

رأى وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي أنّ «الحوار النووي الذي استمر 12 عاماً وأسفر عن اتفاق صكته الأمم المتحدة أعقبه انتهاك تاريخي من قبل الشيطان الأكبر... هذا يجب أن يكون درساً وعبرة ليفهم الجميع حجم العداء الأميركي للإيرانيين».

حاتمي أضاف في تصريحات نقلتها مواقع إيرانية أن «أعداء إيران يحاولون قض مضجعها من جهة الحدود ومن خلال إثارة بلبلة في دول جارة إلى جانب شن حرب اقتصادية تستهدف الجمهورية الإسلامية» مشيراً إلى أن هذا يوضح نوايا الأطراف التي سخّرت كل إمكاناتها لتستهدف النظام الإسلامي بوسائل سياسية واقتصادية وثقافية ونفسية».

أما المتحدث باسم «الحرس الثوري» رمضان شريف فشدّد على أن «أي تهديد عسكري قد تواجهه إيران سيقابله رد صعب». وقال إن بلاده «ستحول التهديدات والحصار الذي تتعرض له إلى فرص وستكون قادرة على تجاوز الوضع الراهن» مؤكداً أن الحرب الإعلامية التي تستهدف إيران «تترافق وأخرى اقتصادية تستهدفها من الداخل». وأشار إلى أن التصعيد الإسرائيلي ضد طهران «ناتج عن ضعف لا قوة... إسرائيل تتحرك نحو الزوال».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية