«حجّ» إقليمي ودولي إلى العراق: الاقتصاد يتصدّر أجندة الزوّار !

المرصاد نت - متابعات

لا تزال الزيارات الأخيرة لكلّ من وزراء الخارجية الأميركي مايك بومبيو والإيراني محمد جواد ظريف والفرنسي جان إيف لودريان إضافة إلى الملك الأردني عبد الله الثاني إلى بغداد تثير تساؤلات Araq Jordan2019.1.15حول طبيعة الحراك الدبلوماسي المكثّف اتجاه العراق والغاية منه. في هذا الإطار ترى مصادر سياسية مطلعة أن التحولات التي شهدتها الساحة العراقية في العامين الماضيين وعلى رأسها إعلان الانتصار على تنظيم «داعش» وخروج حزب «الدعوة» من الحكم تفتح شهية الأطراف الإقليمية والدولية على العودة إلى «بلاد الرافدين». وهي عودة تشي بأن هذا البلد «سيبقى ساحة للاشتباك/ الالتقاء السياسي والاقتصادي» وفق المصادر نفسها.

الملك الأردني الذي يزور العراق للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات التقى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وتناول معه «الأوضاع الإقليمية وأهمية وقف التصعيد الذي شهدته بلدان المنطقة» وفق البيان الصادر عن مكتب عبد المهدي الذي أشار كذلك إلى أن اللقاء الثنائي أعقبه اجتماع بحضور أعضاء الوفدين العراقي والأردني تم خلاله «بحث تطوير علاقات التعاون بين البلدين وتنفيذ نتائج المباحثات الرسمية التي جرت في بغداد بين رئيس مجلس الوزراء ونظيره الأردني

وما تضمنته من اتفاقات في مختلف المجالات». ولم يخرق صمت القوى السياسية إزاء الزيارة إلا تصريح لزعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي دعا فيه إلى «معالجة موضوع التعامل الطائفي الذي يتعرّض له الزائر العراقي إلى الأردن بسبب جواز سفره.... حتى تكون العلاقة بين البلدين حقيقية وليست دبلوماسية فقط» في إشارة إلى رفض السلطات الأردنية استقبال العراقيين حاملي تأشيرات الدخول إلى إيران.

كذلك استقبل عبد المهدي وزير الخارجية الفرنسي الذي أكد أن بلاده «تدعم العراق بشكل كامل» معتبراً أن هذا البلد «أصبح لاعباً أساسياً في الاستقرار وسياسته قائمة على النأي عن الصراعات وحفظ سيادته وقراره الوطني». وأعلن لودريان عن زيارة مرتقبة للرئيس، إيمانويل ماكرون إلى بغداد قائلاً إنه في خلال هذه الزيارة «سيتم التأكيد على دعم وتطوير علاقات الصداقة والتعاون والشراكة القائمة بين البلدين». من جهته دعا رئيس الوزراء العراقي فرنسا إلى تعزيز «مساهمتها في مجالات الاقتصاد والخدمات والثقافة والتعليم»، مقترحاً مشروع «توأمة بين مدينتَي باريس وبغداد» الأمر الذي رحّب به الجانب الفرنسي به ووعد بدراسته.

أما وزير الخارجية الإيراني فقد كان الضيف الثالث على عبد المهدي إلى جانب الرئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي. ولفت عبد المهدي خلال لقائه ظريف، إلى أن «سياسة العراق مبنية على إقامة أفضل العلاقات مع جيرانه كافة» بمن فيهم الجمهورية الإسلامية. وإذ أعرب عن ارتياحه للمباحثات «الناجحة» التي أجراها رئيس الجمهورية في طهران أمل في أن «تؤدي الزيارات المتبادلة إلى تعزيز العلاقات الثنائية».

وأشار صالح من جانبه إلى أن «العراق وإيران يشكلان ثقلاً كبيراً وتاثيراً مهماً في الساحتين العربية والإقليمية»، معتبراً أن «الظروف الصعبة والحساسة التي تشهدها المنطقة تحتّم علينا تنسيق الجهود والعمل من أجل إيجاد حوار مشترك وبنّاء مع جميع الأطراف لتثبيت دعائم الاستقرار الإقليمي» في حين شدد الحلبوسي على «أهمية مساهمة طهران في حلّ ملف المياه الذي يعاني منه العراق في الآونة الأخيرة» فضلاً عن «التعاون في مجال الطاقة» لافتاً إلى أن «العراق حريص على أن يكون نقطة التقاء بين الدول وأن تكون علاقاته منفتحة ومتوازية مع دول الجوار والإقليم ضمن مبدأ حسن الجوار والمصالح المتبادلة».

بدوره أعلن ظريف أن الرئيس حسن روحاني سيتوجّه إلى العراق في غضون الأسابيع القليلة المقبلة كاشفاً في تصريحات صحافية أنه «تم الاتفاق على إنشاء لجنة مشتركة لمشكلة تجريف نهر أروند رود وسيتم التنسيق في شأنها خلال الأيام القليلة المقبلة» متابعاً أن هذه اللجنة «ستكون بمثابة أخبار جيدة لمحافظتَي خوزستان والبصرة». زيارة ظريف وإن كانت محدّدة الموعد مسبقاً إلا أنها بدت رداً على زيارة بومبيو الذي حاول تصعيد الضغوط على بغداد في الجانبين المالي والاقتصادي ضمن محاولات الولايات المتحدة جذب العراق إلى معكسر مؤيدي العقوبات على إيران والملتزمين بها.

في الإطار الاقتصادي أيضاً إنما من وجهة مضادة جاءت جولة ظريف التي تستهدف استكمال البحث عن متنفّس للضغط الناجم عن العقوبات الأميركية المتجددة على الجمهورية الإسلامية. بالنسبة إلى إيران يشكّل العراق «رئة اقتصادية» وهو ما سيتأكّد في المرحلة المقبلة التي ستشهد ـــ بحسب مصادر مطلعة ــــ «مزيداً من التعاون الاقتصادي بين البلدين وهذا أمر قد يزعج الأميركيين والرهان هنا على أداء عبد المهدي الوسطي، وقدرته على إمساك العصا من الوسط».

الطابع الاقتصادي ينسحب أيضاً على زيارة الملك الأردني والتي تأتي في سياق محاولات عمّان مغازلة بغداد «خوفاً من تقارب بين الأخيرة ودمشق من شأنه تشكيل قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة» بمعزل عن بقية الجيران وفق ما يقول مصدر حكومي رفيع ويوضح المصدر أن «الاقتصاد الأردني يسابق الزمن خوفاً من فتح الحدود مع سوريا».

وفي ظلّ انحسار التأثير السعودي ـــ الإماراتي ـــ الأردني على الساحة العراقية يقتضي «حُكم الجيرة» البحث عن علاقة اقتصادية متينة تخدم الجانب الأردني في مرحلة «إعادة إعمار العراق»، وتساهم في إنعاش اقتصاده الذي يعاني كحال اقتصادات الدول المجاورة. وفي هذا الإطار يدور حديث عن حاجة مشتركة لتصدير النفط والغاز إلى ميناء العقبة الأردني وكذلك إمكانية بناء منظومة لنقل الطاقة بين العراق والأردن ومصر خصوصاً وأن بغداد ترى في التعاون مع القاهرة بوابة لتفعيل الحضور العراقي.

أما فرنسا فإن زيارة وزير خارجيتها ليست بعيدة هي الأخرى عن الجانب الاقتصادي في ظلّ بحث باريس عن «ميدان استثمار جديد في النفط وغيره». لكنها تأتي كذلك في سياق محاولة الفرنسيين خلق دور لهم في المنطقة خصوصاً بعد إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار الانسحاب من سوريا. يوجز المصدر الحكومي الطلب الفرنسي في هذا الإطار بالقول: «نوافق على دخول الجيش العراقي حصراً إلى داخل سوريا لمحاربة داعش».

طلب لا تملك فرنسا مفاتيح تأثير للتعويل على إمكانية الاستجابة له لكنها تراهن على عوامل منها: تأثر عبد المهدي بالثقافة الفرنسية وإمكانية العمل على صياغة رؤية مشتركة معه وتراجع الدور البريطاني مع خروج «الدعوة» ولا سيما «الجناح الغربي» منه من الحكم. ولئن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول ـــ وفقاً للمصدر نفسه ـــ «الهروب من أزماته الداخلية وإيجاد حلول اقتصادية في الساحة العراقية» وهو أمرٌ «ليس مرفوضاً... بل مرحّب به» إلا أن مبعوثه فشل في إقناع العراقيين بأن لباريس قدرة تأثير على القرار الأميركي في سوريا وما يتصل بها من ملفات أمنية وسياسية.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية