المرصاد نت - متابعات
تسع سنوات مرّت على انطلاق انتفاضة 14 شباط/ فبراير 2011 في البحرين. تسع سنوات لم تبدّل شيئاً في عقليّة السلطة التي لا تزال مصرّة على دسّ رأسها في الرمال، وإنكار أزماتها المتشعّبة، مضيفة إليهما مستوىً غير مسبوق من التودّد إلى إسرائيل، بل والاستعداد لتطبيع العلاقات معها بشكل علني، في ما تعتقد أنه سيؤمّن لها مظلّة بقاء أبدي بوجه شعبها. في المقابل وعلى رغم انسداد الأفق السياسي وضيق الخيارات المتاحة في ظلّ القبضة الأمنية المحكمة على البلاد، لا تزال المعارضة مصرّة على مواصلة نضالها السلمي حتى تحقيق مطالبها المتمثلة في الإصلاح الجذري.
وما بين هذا وذاك تتفاقم الأزمة الاقتصادية، في ظلّ ارتفاع الدين العام إلى مستوى قياسي وعجز الدولة عن إيجاد حلول له حتى باتت التوقعات مجتمعةً على أكثر السيناريوات المستقبلية قتامة، اللهم إلا إذا امتدّت اليدان الأميركية والإسرائيلية لإنقاذ المملكة التي لا تتردّد في إسداء الخدمات بشكل متواصل للحليفين.
ومع مرور عقدين على انقلاب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على مشروعه السياسي بذريعة «الإصلاح» هبّت عاصفة انتفاضة 14 شباط/ فبراير 2011 في وجه الانقلاب الملكي على الدولة ليبدأ صراع البقاء بين طرفين: شعبٌ مسالمٌ أعزل يطالب بحقوقه السياسية والمدنية وسلطة مدجّجة بمختلف وسائل القوة. على مدى تسع سنوات منذ انطلاق «ثورة فبراير»، تعدّدت سُبل المواجهة وآلياتها، وفي المقابل استراتيجيات الحكم الفاشلة في محاولة إطلاق الرصاصة الأخيرة على رأس الحراك الشعبي المستمرّ. استراتيجيات لعلّ أبرزها وأكثرها خطورةً التحالف مع إسرائيل على أمل البقاء.
بخطىً أسرع من حوافر خيول نجله ناصر بن حمد آل خليفة المتورّط هو الآخر في انتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ المعارضين يهرول الملك نحو أحضان الكيان الصهيوني، بعد نيله «وسام» احتضان بلاده لمؤتمر تصفية القضية الفلسطينية، نظير دعم بقائه على رأس نظام الاستبداد. مشروعُ أسرلةٍ بدأ منذ أكثر من عشرين عاماً ولا يزال ممتدّاً إلى اليوم حيث تحتشد شواهد وأدلة كثيرة عليه.
من اللقاءات السرية مع كبار الحاخامات الإسرائيليين وأكثرهم تشدّداً وكبار شخصيات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة إلى الانتقال تدريجياً إلى التطبيع الاقتصادي بأعمال مشتركة في مجالَي الاتصالات والعلاقات العامة لتلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي مروراً بدخول جهاز الموساد الإسرائيلي على خطّ التعاون الأمني وتبادل الخبرات بين الجانبين وصولًا إلى الزيارات العلنية المتبادلة تحت شعار «التسامح بين الأديان والتعايش السلمي» والتي يشرف عليها المستشار الخاص لملك البحرين الحاخام الإسرائيلي مارك شناير الذي قد يغدو مستشاراً إقليمياً لعدد من حكام دول الخليج، تنفضح شيئاً فشيئاً خيوط العلاقات مع العدو. علاقاتٌ ربما تسلك سبيلها إلى العلن في «أقرب فرصة ممكنة» وهو ما بات يهمس به الملك بحماسة في الفترة الأخيرة بحسب ما ينقل عنه شناير في أحاديثه المتكررة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية.
يواجه ملك البحرين الرفض الشعبي لسياساته القمعية والتطبيعية، ولمشروع أسرلة الدولة الماضي على قدمٍ وساق، بتسخير مؤسساته القانونية والتشريعية المستحوَذ على قراراتها، لصالح تلك المواجهة. فالبرلمان البحريني، على سبيل الذكر لا الحصر بات يشبه «الكنيست» الإسرائيلي، لناحية العمل على قطع الطريق أمام أيّ حراك معارض مطالِب بديمقراطية حقيقية، تماماً مثلما يقطع «الكنيست» الطريق على أيّ نشاط سياسي وفكري يقوده فلسطينيو الـ48، بإقرار جملة من القوانين الرامية إلى تكريس «يهودية الدولة»، والحدّ من التزايد الديموغرافي للفلسطينيين وقمع نشاطهم السياسي التغييري. أما في البحرين فتُشرَّع القوانين الرامية إلى «تطييف الدولة» ودعم البنية الاستبدادية، وترسيخ مشروع التجنيس السياسي لتغيير الهوية الديموغرافية للبلاد. وقبل ذلك يكفي هذا البرلمانَ أن رئاسته أضاعت البوصلة مبكراً، لدى اعترافها بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
يهود البحرين.. هل تستخدمهم السلطة جسراً للتطبيع؟
مُخطئٌ مَن يعتقد أنَّ سياسة التطبيع مع "إسرائيل" في البحرين وليدة المرحلة أو أنَّها جاءت بالتزامُن مع عملية التحضير لـ"صفقة القرن". هي سياسةٌ سبقت هذه الصفقة بمراحل، كما أنَّ لها جذوراً تاريخيّة لا يمكن القفز عنها.
تاريخياً شكّلت البحرين أحد الخطوط المُخصَّصة لتزويد تل أبيب بالحديد المُستعَمل لتصنيع الأسلحة، وذلك عن طريق الجوّ (خطّ كلومبو- بحرين- "إسرائيل"). كما تمَّ التسويق للبضائع المُصنَّعة في "إسرائيل" في دول الخليج عبر البحرين إلى أن أعلن بنك "لاندوشين" السعودي منع فتح اعتمادات لتوريد بضائع "إسرائيل" عن طريق مؤسَّسات وشركات في البحرين، كما ورد في كتاب "يهود البحرين" للكاتب والصّحافي علي الجلاوي.
وكانت عوائل يهودية أعضاء في البلدية وفي بيت التجار تمرّر البضائع الإسرائيلية والحديد ما أثار حينها حفيظة البحرينيين وحتى الصحافة التي كتبت بكلِّ جرأةٍ عن هذا الموضوع في تلك المرحلة، كما جاء في كتاب الجلاوي.
بالعودة إلى بدايات المشروع الإصلاحي الذي أطلقه الملك البحريني في العام 2001، فقد بدا جلياً أنّ السلطة أولت المواطنين اليهود اهتماماً خاصاً، سواء عبر تعيينهم في مجلس الشورى أو تكليفهم سفراء. وهذا الاهتمام لم يكن اعتباطياً، بل يمكن قراءته في إطار السّعي لمدّ جسور العلاقة مع "إسرائيل".
في العام 2008م التقى الملك الجالية اليهودية من أصولٍ بحرينيةٍ في لندن ودعاها إلى العودة إلى البحرين. بعدها جاءت خطوة تعيين عضو مجلس الشورى، هدى نونو، سفيرةً للبحرين في واشنطن وهي تنتمي إلى الديانة اليهودية، فهل أرادت البحرين استخدام اليهود ممرَ عبور للتطبيع مع "إسرائيل"؟ ولماذا كانت السفيرة يهودية تحديداً؟
يمكن الإجابة على هذين السؤالين من خلال شقّين؛ الأول أنَّ البحرين تسعى إلى التَّسويق لنفسها كمركزٍ للتسامُح الديني عالمياً، وهي تمتلك المقوّمات لذلك، بحُكم التعايُش المجتمعي الموجود والمُتأصّل لدى شعب البحرين القادِر على التمازُج بين مكوّناته. والشق الآخر يتمثل بوجود اليهود في البحرين ذلك أنَّ من شأنه أن يضع لها قدماً على سكّة التطبيع مع "إسرائيل"، وهو ما حصل.
لقد أدَّت هدى عزرا نونو، خلال فترة عملها كسفيرةٍ في واشنطن، دوراً فاعِلاً في تعبيد الطريق بين البحرين واللوبي اليهودي في واشنطن من جهة، وترتيب لقاءات بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين من جهةٍ أخرى، وهو ما سرَّبته الصحافة في أكثر من مناسبة. من هنا كانت البدايات الفعليّة، وكلّ ما سبقها كان عملية دوران في فلك التّطبيع.
منذ ذلك الحين، لم تتوقَّف التصريحات البحرينيّة سراً وعلانيةً، تقرّباً من "إسرائيل"، وصولاً إلى تنظيم ورشة المنامة في العام 2019، التي شارك فيها وفد تجاريّ إسرائيليّ تمَّ استقباله بحفاوة. ولا تخفي البحرين سياستها في التطبيع، فهي فعلياً الأكثر تعطّشاً إلى العلاقة مع "إسرائيل" بين نُظرائها الخليجيين منذ بداية الألفية.
وللمُفارَقة لا يتجاوز عدد اليهود في البحرين أربعين شخصاً، لم يستطيعوا طيلة السنوات الماضية ممارسة طقوسهم الدينية في كنيس المنامة بسبب عدم توافر النصاب فيما استطاع الوفد الإسرائيليّ أن يُقيم هذه الطقوس في الكنيس بعد مشاركته في ورشة المنامة بحضور مساعد الرئيس الأميركي ومبعوثه للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات الذي غنّى "شعب إسرائيل حيّ".
وللمُفارَقة أيضاً إنَّ كنيس المنامة هو الكنيس الوحيد في الخليج ودائماً ما رُفِعت فيه لافتة "الموت لإسرائيل" ولكنَّ حضور الإسرائيليين وأداءهم الطقوس فيه أسقطا مفاعيل هذه اللافتة. ولطالما تبرَّع اليهود في البحرين بمبالغ مالية للشعب الفلسطينيّ وكانت مواقفهم الرسميّة واضحة تجاه الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين كما وثَّق علي الجلاوي في كتابه.
هل تريد البحرين أن تكون بوابة التطبيع خليجياً؟ للأسف نعم.
«مواطنة» الخوف والانتقام
بحصيلة ثقيلة تصل إلى 1595 انتهاكاً ما بين شباط/ فبراير 2011 وكانون الأول/ ديسمبر 2019l يُشكّل عام 2019 علامة فارقة على صعيد استهداف السلطات البحرينية للحريات الصحافية وحرية الرأي والتعبير. هو واحد من أسوأ الأعوام منذ بدء الأزمة السياسية والأمنية في البلاد. الانتهاكات التي شهدتها البحرين منذ عام 2011l والتي شملت 3 حالات قتل واعتقالات مترافقة مع ممارسة التعذيب ومحاكمات قضائية وأحكاماً بإسقاط الجنسية، وتشويهاً للسمعة، ومنعاً من ممارسة المهنة ودفعاً بسياسات تمييزية سياسياً وطائفياً وتحريضاً على الكراهية والعنف تُعبّر بوضوح عن 10 سنوات من توحّش الدولة بوجه الصحافة والصحافيين فضلاً عن نشطاء حقوق الإنسان والسياسيين.
خلال العام المنصرم وثّقت «رابطة الصحافة البحرينية» نحو 68 حالة تمثل انتهاكات موصوفة للحريات الإعلامية والحريات العامة من بينها، للمرة الأولى عالمياً، تجريم متابعة أيّ من الحسابات التي تعتبرها السلطات «تحريضية ومثيرة للفتنة» في موقع «تويتر». ولا يبدو القادم أفضل؛ إذ يبحث مجلس الوزراء مشروع قانون جديداً لتنظيم الصحافة والإعلام تُعدّ نحو 25% من مواده بمثابة عقوبات سيواجهها الصحافيون والمؤسّسات التي يعملون فيها. والأخطر من ذلك هو ربط العقوبات بقانونَي العقوبات وحماية المجتمع من الإرهاب. باختصار هذا القانون هو جريمة مكتملة الأركان.
السياسات الحكومية المتطرفة أتمّت مصادرة الفضاء العام وسلّمته إلى «وحدة الجرائم الإلكترونية» التابعة لوزارة الداخلية. ولم تقتصر مفاعيل قانون «العزل السياسي» على حرمان غالبية المنتمين إلى تيارات المعارضة من حق الترشح والانتخاب بل شملت أيضاً محاصرتهم وملاحقتهم في الفضاء الإلكتروني وفي الندوات الثقافية. وبخلاف الكوارث المباشرة المرصودة، ساهمت هذه السياسات في رواج مخيف لخطابات الكراهية والتحريض على العنف بين أبناء المجتمع وهو ما خَلّف ويُخلّف تداعيات وأمراضاً اجتماعية خطيرة.
إن الإصلاح الحكومي المنتظر، في ما يتعلق بالحريات الصحافية وحرية الرأي والتعبير يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاحات السياسية المعطّلة، التي دعا إليها تقرير «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» (لجنة بسيوني) الصادر في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011l وقبل ذلك تجاوز حالة الانتقام المستشرية في أجهزة الدولة ومؤسساتها السياسية والقضائية منها قبل الأمنية.
إن أيّ تصحيح لعمل مؤسسات الإعلام الرسمية في البحرين وكذلك القطاع الخاص الذي تهيمن عليه الدولة، هو في العودة الأمينة إلى ما نصت عليه «مبادئ كامدن الـ12 حول حرية التعبير والمساواة»، وأيضاً في العمل بجدية على تنفيذ التوصية الأساسية في «خطة عمل الرباط»، وهي «اعتماد تشريعات وطنية شاملة لمكافحة التمييز مع إجراءات وقائية وعقابية من أجل المكافحة الفعّالة للتحريض على الكراهية».
ولئن كانت الدولة مؤسسات سيادية وسياسية وأمنية تتقدّم في ما تعتقد أنها انتصارات عريضة في سحق الحريات العامة إلا أنها لا تتنبّه إلى أن دولةً، الخوف ركيزتها والانتقام ثقافتها، هي دولة هشّة لا استقرار فيها ولا مستقبل لها.
المزيد في هذا القسم:
- 86 ضحية في إثيوبيا: ماذا يحصل بين آبي وجوهر؟ المرصاد نت - متابعات في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اندلعت في إثيوبيا سلسلة من الاحتجاجات العنيفة طالت جميع أنحاء البلاد. هذه التظاهرات كان سببها الرئيسي م...
- تصعيد غربي ضد بيونغ يانغ: مجلس الأمن يلتئم خلال أيام ! المرصاد نت - متابعات بعد أيام من انتهاء قمة هانوي خرج جون بولتون لإعلان احتمال تشديد بلاده العقوبات على كوريا الشمالية إن لم تنزع سلاحها النووي. يأتي ذلك في و...
- رغم تحذيرات واشنطن لها : 38 دولة تكسر الحصار وتشارك في معرض دمشق الدولي! المرصاد نت - متابعات انطلق معرض دمشق الدولي في مشاركة دولية هي الأوسع والاأكبر. مؤسسات وشركات من ثمانية وثلاثين دولة حضرت على أرض دمشق لم تثنها التحذيرات الأم...
- أميركا تدرّب بقايا إرهابيي سوريا في معسكر للاجئين بالحسكة المرصاد نت - متابعات أعلن مركز المصالحة الروسي بين الأطراف المتحاربة في سوريا اليوم السبت أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يواصل تعاونه مع بقايا الإر...
- رغم "سعودة" الوظائف.. البطالة بين السعوديين في ازدياد المرصاد نت - متابعات واصل معدل البطالة في السعودية ارتفاعه رغم خروج ما يقرب من ربع مليون عامل أجنبي من المملكة في الربع الأول من العام الجاري 2018 وتوسع الحكو...
- العقوبات الإيرانية واللعبة القذرة التي يقوم بها نظام بني سعود المرصاد نت - متابعات تعتبر الطاقة إحدى أهم المتغيرات الجيوسياسية والجيواقتصادية التي تمتلك مكانة خاصة في النظام الدولي والوصول إلى مصادر الطاقة...
- مرحلة جديدة من الصراع على السلطة داخل أسرة بني سعود! المرصاد نت - متابعات ليس مستبعدا ان ينفجر مرجل الصراعات المكبوتة على السلطة في مملكة الكتمان وذلك بالزمن المنظور والعهدة على الجاري من مجريات الامور ما دام فر...
- مقتل 5 جنود مصريين في هجوم بسيناء المرصاد نت - متابعات أفادت الأنباء الواردة من مصر بمقتل خمسة جنود في هجوم استهدف سيارتهم في شبه جزيرة سيناء. وحسب "بي بي سي"، قالت مصادر أمنية إن مسلحين اع...
- إحباط عمل إرهابي في كراسنويارسك شرق روسيا المرصاد نت - متابعات أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي اعتقال مجموعة من الأشخاص كانوا يخططون لتنفيذ عمل إرهابي في وسائل النقل العام في مدينة كراسنويارسك شرق ...
- وول ستريت جورنال: سجون سريّة يديرها بن سلمان لقمع معارضيه المرصاد نت - متابعات أكدت صحيفة وول ستريت جورنال في مقال جديد لها أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لايزال يحتجز عدداً من الأمراء ورجال الأعمال الذين اعتقلهم...