المرصاد نت -خاص
من يتابع سياسة الرئيس أوباما في المنطقة، لا يسعه إلا أن يشبّهه بالإمبراطور الدموي ‘نيرون’
الذي أشعل روما بشمعة وجلس بعيدا في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار ‘هوميروس’ التي يصف فيها حريق طروادة..
لا شك أن أوباما شغوف بتاريخ إمبراطورية روما القديمة التي ورثت بلاده أمجادها الاستعمارية، لكنه مُستنبط سيّئ لعبره، بدليل أنه سلك نهج المؤامرة في السياسة لينتصر بالخديعة على أعدائه بدل المواجهة المباشرة في الميدان خوفا على “إسرائيل” وقواعد امبراطوريته في المنطقة من إيران ومحور المقاومة، فاستعمل الإرهاب كحصان طروادة لإسقاط سورية، لكنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق أهدافه.
وحين أدرك متأخرا أن سورية ليست أفغانستان ليكسر على أرضها قوة إيران وبأس حزب الله والمقاومات الشعبية السورية والعراقية، وأن منطقة الشرق الوسط لم تعد أمريكية كما كانت بعد أن دخل الروسي ساحة المواجهة، وأن هناك خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه بين حدود الرغبة ومنطق القوة، وأن الوقت لم يعد يلعب لصاح امبراطوريته، وأن العالم بدأ يتغيّر بشكل سريع يصعب تدارك إيقاعه، وأن من عوّل عليهم لكسب حروبه بالوكالة هم مجرد زبالة وحثالة بتعبير صحيفة ‘دايلي نيوز’ الأمريكية التي فاجأت الأمريكيين هذا الأسبوع بمقالة عن ‘آل سعود’ بعنوان “الحثالة الملكيّة”.. حينها، قرر الرئيس أوباما مكرها لا بطلا الاستدارة كجبان وعدم تحمل مسؤولية كوارث الحروب التي أشعلها بالمنطقة، والتي لا تنتهي إلا لتبدأ أخرى ما دام أمن “إسرائيل” لن يتحقق إلا بزوال هذا الكيان العنصري المجرم أو زوال الشعوب العربية والإسلامية من الشرق الأوسط الكبير، وأن لا وجود لخيار اسمه “السلام” مع من سرق الأرض واغتصب العرض ودنس الكرامة في التراب.
فهم أوباما أن التاريخ لن يرحمه، وأن الأيام ستكشف تآمره على الأمم والشعوب العربية والإسلامية المسالمة، وأن جائزة نوبل للسلام لن تشفع له كي لا يصنفه الضمير الإنساني العالمي كمجرم حرب.. فراح يبحث له عن كبش فداء، تماما كما فعل نيرون الذي لم يستطع اتهام اليهود حينها بحرق روما لتمتعهم بحماية إحدى زوجاته الجميلة ‘بوبياسبينا’، فألصق التهمة بالمسيحيين، وأشغل الشعب بمطاردتهم لسفك دمهم وحرق حثثتهم لتطهير روما من وجودهم.. أليس هذا ما حصل للمسيحيين أيضا في مشرقهم مهد ديانتهم ومنبع حضارتهم؟..
أليس هذا ما فعله أوباما بأرض المسيح وشعب المسيح في مشرق المحبة والتعايش؟.. ألم يأمر بقتل وصلب كل من يرفض من المسيحيين الهجرة إلى العالم الجديد، في استحضار لعهد الحاكم الروماني ‘بيلاطس البنطي’ الذي كان يكرهه اليهود، ومع ذلك نفذ رغبتهم بصلب المسيح ليس عن قناعة كما تقول الأناجيل، بل خوفا من أن ينتقم منه اليهود ويتهموه بالخيانة بسبب تبرئته المسيح الذي صرح بأنه ملك، وهي تهمة سياسية خطيرة في القانون الروماني تتجاوز تهمة الهرطقة في القانون الكنسي.
كثيرون يتساءلون في حيرة عن سر استهداف المسيحيين في المشرق، مع أنهم ليسوا “إرهابيين” ولا طرف في حروب المنطقة، ويصعب عليهم فهم أن الهدف الحقيقي كما تؤكده كتب التاريخ ونبوءات التلمود، هو تطهير المشرق من وجودهم تمهيدا لقيامة المسيح، كي لا يجد غير اليهود شعبا ليدافع عنه ويحارب أعدائه المسلمين في يوم الله الأكبر، فينتصر عليهم ويقيم لهم مملكتهم الموعودة على أرض الشام الطاهرة.. بدليل، أنهم وبعد أن زوروا التاريخ وتلاعبوا بنصوص التلمود، ها هم يحاولون اليوم تغيير الواقع على الأرض ليتناسب مع أوهامهم ضدا في إرادة الله ومشيئته..
وإذا كان هذا الذي يحدث اليوم في المنطقة ليس حربا دينية بامتياز، فإنها بالقطع ليست حربا سياسية تهدف إلى جلب الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان.
*** / ***
وعلى سنة الإمبراطور ‘نيرون’، تجنب أوباما تحميل مسؤولية كل ما يحدث في المنطقة من قتل وخراب ودمار وحرائق لصهاينة الروح في واشنطن وصهاينة الجسد في “إسرائيل”، ففضل اتهام زبالة ‘آل سعود’ بدعم وتمويل الإرهاب ونشر الفكر التكفيري في كل أرجاء المعمور في مقابلته الشهيرة مع مجلة “أتلانتيك” كما هو معلوم، الأمر الذي زاد من قناعة العالم بأن ‘آل سعود’ هم أسوء من اليهود ويمثلون الوجه الآخر للصهيونية الخبيثة.
لكن ذلك لم ينفعه في ستر عورته والتعمية على جرائمه، لأن عصر العولمة وثورة المعلومات والاتصالات هو غير عصر روما القديمة، بدليل ما نشهده اليوم من حملات انتقادات لاذعة يتعرض لها أوباما في آخر ولايته بعد أن تكشفت خطورة سياساته الانتهازية الفاشلة بسبب ما أدّت إليه من كوارث إنسانية غير مسبوقة في سورية واليمن والعراق وليبيا وفلسطين أيضا، ولم يعد لإمبراطوريات الإعلام في الولايات المتحدة وخصوصا كبريات الصحف من شغل شاغل هذه الأيام غير موضوع تحالف واشنطن مع حثالة ‘آل سعود’، الأمر الذي أعاد للواجهة النقاش حول مسألة القيم التي تدعي الإدارة الأمريكية الدفاع عنها زورا وبهتانا، وأصبح الشعب يطالب بمعرفة الحقيقة بشأن تورط ‘آل سعود’ في دعم الإرهاب في المنطقة والعالم، وضلوعهم في تفجيرات 11 أيلول/شتنبر 2001، ويضغط على الكونجرس لشن قانون يعطي ضحايا الكارثة حق ملاحقة مملكة الشر والإجرام قضائيا.
حاول أوباما مسك العصا من الوسط للخروج من ورطته باتفاقه مع الروسي على الهدنة من باب “الخديعة” بدعوى فسح المجال للمسار السياسي في سورية من دون التنسيق مع موسكو في الحرب على الإرهاب كما كان يفترض لو خلصت النية، ومن دون الضغط أيضا على تركيا للإغلاق حدودها ولا على “السعودية” وقطر لوقف إرسال وتمويل التكفيريين كما تنص على ذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي محاولة منه لخداع العالم، بعث بإشارات مبهمة ومتناقضة حول رغبته في إنهاء ولايته الدموية كرجل سلام يريد إنهاء الحرب ليحل الأمن والسلام في سورية والمنطقة، لكنه في نفس الوقت كان يسمح لأدواته بتعطيل اجتماعات جنيف وإجهاض أي جهود روسية للتقريب بين الأفرقاء..
وكي يتقن الحبكة، أوهم الجميع أنه تراجع عن خيار إسقاط الرئيس الأسد بالإرهاب، ونفى أن تكون بلاده قد فكرت يوما في إسقاطه بالقوة العسكرية برغم ما تؤكده وقائع أزمة الكيماوي صيف عام 2013، وكان في كل مرة يصرح أن الحل في سورية لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وأن لا مجال لحل عسكري في سورية، لكنه في نفس الوقت ظل وفيا لشعاره القائل بضرورة رحيل الأسد، لأن ما تغير في حقية الأمر هو الأسلوب فقط لا الهدف، ومن أجل هذا الهدف سيضل الضغط مستمرا من خلال تفعيل الخطة باء الإرهابية إلى أن يقبل الرئيس الأسد بالتخلي عن دوره وموقع بلاده والقبول بعقد سلام “الشجعان” مع “إسرائيل” والتنازل لها عن الجولان كعربون محبة، وإلا فدون ذلك الرحيل بالسياسة أو بالاستنزاف حد الخراب بالإرهاب، والخطة باء وكما أصبح واضحا للجميع، بدأ تفعيلها اليوم في سورية ضدا في الاتفاق مع روسيا لتقويض الهدنة وإنهاء مفاعيل الاتفاق وتحميل الرئيس الأسد مسؤولية فشل المسار السياسي.
وبالتالي لا خيار اليوم أمام محور المقاومة غير تصعيد المواجهة لتشمل الأهداف الحساسة التي تؤلم واشنطن، وكل من يتحدث اليوم عن دخول المنطقة مرحلة التسويات السياسية إنما يُسوّق من حيث يدري أو لا يدري للوهم، لأن رفض أوباما التنسيق مع روسيا لمحاربة الإرهاب دليل على الاستمرار في الرهان على الخراب من أجل الضغط على روسيا وإيران أيضا ليغيرا من موقفيهما الداعم للرئيس الأسد، لأن رحيل الأسد يعني انهيار مؤسسة الجيش ما يُسهّل تقسيم سورية وإضعافها إلى الأبد، بدليل أن قرار أوباما اليوم إرسال جنوده إلى سورية يهدف تحديدا إلى دعم مخطط التقسيم من خلال دعم الأكراد والسنة العرب للسيطرة على الرقة ومناطق أخرى في الشمال والشمال الشرقي بذريعة محاربة “داعش”.
ولأن تنظيم “داعش” الذي سبق لـ’أوباما’ أن أعلن قبل فترة أنه لا يهدد الأمن القومي الأمريكي وأن محاربته ليست أولوية لبلاده.. ها هو يرغم أوباما على تعديل استراتيجيته وإعادة حساباته حين غيّر التنظيم بمساعدة تركيا من استراتيجيته التي كانت تهدف في البداية إلى إقامة خلافة على الأرض السورية والعراقية لمواجهة إيران و”شيعة” المنطقة بعد استقطاب “الجهاديين” من كل أصقاع الأرض، لكنه فجأة ودون سابق إنذار، قرّر أن يضرب في عقر دار أوروبا وأمريكا ليستدعي الغرب لمحاربته في سورية، من خلال استعارة استراتيجية الحرب المُعولمة التي تميزت بها “القاعدة”، فقام التنظيم بتفجيراتها الدموية في باريس و بروكسل وسان فيرديناندو بأمريكا، الأمر الذي أثار زوبعة من التساؤلات حول جدية أوباما في محاربة الإرهاب في العراق وسورية، وجاء تسونامي اللاجئين الذي لم يعرف العالم مثيلا له منذ الحرب العالمية الثانية ليزيد الطين بلة، وفضح الإعلام الغربي دور السلطان أردوغان في عمليات باريس وبروكسل الإرهابية، وكشف خطته الخبيثة لابتزاز أوروبا وتهديد أمنها واستقرارها بطوفان الهجرة غير الشرعية، في حين أن الهدف هو دفع أوروبا للاصطفاف وراء أمريكا في محاربتها للإرهاب في سورية والعراق لتقسيمهما، تماما كما حدث إبان ولاية بوش الصغير حين ضربت “القاعدة” بمساعدة المخابرات الأطلسية والصهيونية قطارات مدريد ولندن.
*** / ***
غير أنه وأمام سيل الاتهامات التي بدأ يكيلها الإعلام الغربي لنظام ‘آل سعود’ الإرهابي، لم يجد أوباما من ورقة يستر بها عورته غير تحويل ‘آل سعود’ إلى كبش فداء وغسل يديه من الدماء التي سالت أنهارا في المشرق والمغرب العربي، فعدّل من استراتيجيته وأعلن متأخرا أن أولوية بلاده هي لمكافحة الإرهاب لا لإرسال الجيوش لإسقاط الرئيس الأسد كما كانت تراهن على ذلك “السعودية”، وأن الحل في المنطقة يتطلب عقد سلام بارد بين الرياض وطهران، وهو ما ترفضه “السعودية” التي تقول أنها تحارب النفوذ الإيراني في المنطقة، لأن مجرد الجلوس مع إيران على طاولة الحوار هو اعتراف ضمني بهذا النفوذ كما يؤكد الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله.. وهذا ما لن تقبل به الرياض حتى لو أدى الأمر إلى حرق المنطقة برمتها..
والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: هل ‘آل سعود’ مستقلون فعلا ليفرضوا على أمريكا خياراتهم في المنطقة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة توزيع أدوار ليس إلا؟..
لكن في الجهة المقابلة، وأمام هذه الفضائح التي تزكم الأنوف برائحتها العطنة، سقطت مقولة الثورة والحرب الأهلية في سورية، ولم يعد الرئيس الأسد هو المغناطيس الذي جلب الإرهاب لبلاده، وخرج الكاتب الكبير الأستاذ ناصر قنديل ليذكر أوباما وحلفائه وأدواته، بأن “جبهة النصرة والجهاد في بلاد الشام” ظهرت أول مرة حين أعلنت مسؤوليتها عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، وحين خرجت “داعش” عن الدور الذي رسم لها في سورية وانقلبت ضد الجماعات التكفيرية المنافسة لها بدل مواجهة الجيش العربي السوري، أعلن ‘ديفيد بترايوس’ الرئيس السابق للمخابرات الأميركية أن “لا نصر على داعش بلا تعاون مع النصرة”، ووصلت الوقاحة بـ”النتن ياهو” ووزير حربه المجرم ‘موشي يعالون’ حد القول “إنّ جبهة النصرة مؤتمنة على أمن إسرائيل”، ثم خرج رئيس فرنسا الصهيوني ‘هولاند’ يدعو جهارا نهارا إلى “تأهيل النصرة كشريك محتمل في العملية السياسية في سورية” برغم أنها مصنفة كتنظيم إرهابي من قبل مجلس الأمن.. وإذا لم يكن هذا هو عين المؤامرة فعلى العالم البحث عن تعريف جديد للمصطلح.
وها نحن نلحظ اليوم، أن “السعودية” وتركيا وقطر يسعون جاهدين لتأهيل “جبهة النصرة” الإرهابية بمعية “أحرار الشام” و”جيش الفتح” و”جيش الإسلام” للقيام بدور “المعارضة المعتدلة” بعد أن فشلوا في إيجاد قوة بديلة على الأرض، وهو الأمر الذي أسال مدادا كثيرا في إعلام الغرب الذي لاحظ أن أوباما كلما تحدث عن الحرب ضد الإرهاب يركز على “داعش” دون الإشارة إلى “جبهة النصرة”.
ونذكر جميعا كيف كشف جو بايدن نائب الرئيس عن الدور التآمري لـ”السعودية” وقطر وتركيا في تمويل ودعم الإرهاب في سورية، في خطوة استباقية تشي بأن تبدلا كبيرا على وشك الحدوث في السياسة الأمريكية تجاه أدواتها الفاشلة لمعاقبتها.. وخوفا من أن يطاله ما طال والده ووزير خارجيته من قبل، خرج أمير قطر الصغير ليقول للإعلام بالواضح الفاضح، أن “ما طبخناه في سورية كان بعلم المخابرات الأمريكية”، وهذا يعني أن من اتهمهم ‘جو بايدن’ بدعم الإرهاب ليسوا سوى أدوات تنفيذية، وأن المخابرات الأمريكية والأطلسية والصهيونية هي العقل المدبر والمخطط للمؤامرة.. فأين يذهب أوباما من هنا؟.
وإمعانا منه في غسل يديه من المؤامرة بعد أن بدأ الإعلام الأمريكي يشير إلى الدور التخريبي الذي تقوم به “السعودية” وقطر وتركيا في المنطقة ما أدى إلى انتشار الإرهاب وتهديده للأمن والسلم العالميين، وبدأت التساؤلات تطرح بقوة حول جدلية “القيمة الأخلاقية والمصلحة النفعية” التي تدفع بدولة غربية “متحضرة” كأمريكا تدّعي الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لتتحالف مع نظام استبدادي فاسد ورجعي متخلف كنظام ‘آل سعود’، وعن علاقة مملكة ظلامية قروسطية تصنف الأسوأ عالميا في مجال حقوق الإنسان بنشر الحرية والديمقراطية في سورية.. هنا لم يجد أوباما من حل لمعضلته غير كيل سيل من الاتهامات للمهلكة مُحمّلا إياها مسؤولية انتشار شر الإرهاب، معتقدا أن من شأن مواقفه الإعلامية هذه أن تبيّض وجهه الأسود المنافق، وتغسل يديه من دماء الأبرياء الذين سقطوا بسيف ونار الإرهاب الأمريكي والصهيو – وهابي..
لكن ما لم يكن متوقعا، هو ما نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية الدولية للأنباء أمس الأحد، عن ‘رونالد ارنست بول’ عالم الفيزياء والسياسي الأمريكي السابق، تأكيده أنه اطلع على اعتراف “السعودية” بإنشاء عصابة “داعش” الإرهابية بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، وأن صحيفة “فایننشال تایمز” الأمريكية الشهيرة نقلت ما دار في جلسة سرّية بين مسؤولين سعودیین ووزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ خلال زيارة الأخير للمهلكة تمهيدا لزيارة أوباما، في رسالة موجهة من ‘آل سعود’ للرئيس الأمريكي تقول، أننا كلنا في المؤامرة سواء، وأنه في حال أصدر الكونجرس قانونا يقضي بمتابعة “السعودية” عن أحداث 11 أيلول/شتنبر 2001، فإن المهلكة ستكشف للعالم الغطاء عن سر الطبخة بكل بهاراتها بما يشمل “القاعدة” و”داعش” وغيرها، لأن البقرة بعد ذبحها لا تخشى سكين من يسلخها أو يقطع لحمها.
*** / ***
وإذا كان أوباما قد نجح في عقد صفقات تسليح جديدة بعشرات مليارات الدولارات مع ‘آل سعود’ أثناء زيارته الأخيرة إلى الرياض، بحيث تحول من رئيس دولة إلى وكيل تجاري لشركات التصنيع الحربي الأمريكي، فإنه من جهة ثانية قد فشل فشلا ذريعا في فرض رؤيته للحل في المنطقة، حيث لا تزال “السعودية” تكابر وتتمرد وتتحدى من أجل إتمام ما بدأته في سورية والعراق واليمن ولبنان دون حاجة لأمريكا، معتقدة أن تحالفاتها الجديدة ستعوّض عنها ما أحدثه التراجع الأمريكي والغربي من فجوة.. لذلك قال أوباما أن هناك اختلاف بين بلاده ومشيخات الخليج في الأسلوب لا الأهداف، في حين أكدت “السعودية” أن هناك اختلافا كبيرا في الأسلوب والأهداف معا، وأنها لم تعد تثق بأمريكا، وأن العلاقة معها لن تعود لسابق عهدها، لأن واشنطن فضلت التقارب مع إيران على حسابها، وتخشى من أن شيئا ما يحضر للمهلكة، عبّر عنه العاهل المغربي بقوله، أن “هناك مشروعا لتقسيم الدول الإسلامية، وأننا لا نعرف ماذا تريد منا أمريكا” (؟؟؟)، وهو ما فهم منه أن “السعودية” مستهدفة أيضا بالتقسيم، وأن الحديث عن حقوق الإنسان ووضع الأقلية “الشيعية” في المنطقة الشرقية ما هو إلا مدخل لمشروع التقسيم، وأن الجزار الذي سيقطع لحم البقرة بعد ذبحها بالوكالة هو الجمهوري ‘دونالد ترامب’ في حال وصوله للسلطة.
وهذا ما يفسر خوف ‘آل سعود’ وهجومهم الكبير ضده من خلال لوبياتهم في واشنطن من مدخل اتهامه بتشجيع الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام والمسلمين، وتركيزهم على تمويل حملة ‘هيلاري كلينتون’ التي يعتقدون أنها ستكون حليفة وفية لبلادهم وستعدل من سياسات الإدارة الأمريكية لتشن الحرب على سورية وتحاصر إيران لمصلحة نفوذ ‘آل سعود’.
*** / ***
لكن ما لا يدركه ‘آل سعود’، أن ما يحدث اليوم في واشنطن هو انعطافة كبيرة في السياسة الخارجية، بعد إدراك الدولة العميقة أن للقوة حدود، وأن مصلحة أمريكا تكمن في الانكفاء نحو الداخل والكف عن لعب دور شرطي العالم.. حتى هيلاري كلينتون نفسها سبق وأن قالت أن أمريكا دخلت مرحلة أفول الإمبراطورية، وأن التداعيات قد لا تظهر إلا بعد بضع سنوات، وأنه آن الأوان لكي تغيّر الولايات المتحدة من سياساتها ونهجها.
والمفاجأة التي صُعق بها آل سعود، هي أن ‘هيلاري كلينتون’ نفسها، وبعد قول الرئيس أوباما أنه ليس من مصلحة أمريكا أن يصدر الكونجرس قانونا يسمح بمقاضاة ‘آل سعود’ بسبب أحداث نيويورك، لأن من شأن ذلك أن يؤثر على الاقتصاد الأمريكي وقوة الدولار كعملة مرجعية في النظام الرأسمالي العالمي، أعلنت ‘كلينتون’ تأييدها لحق الأمريكيين في مقاضاة المسؤولين عن تفجيرات نيويورك، لإدراكها أن ما قاله أوباما قد ينقلب سلبا على حملتها ويدعم حملة ‘دونالد ترامب’، لأن الشعب الأمريكي لا يمكن أن يوازن بين حقوق الضحايا والمصالح مهما كلف الأمر من تضحيات، والعدالة بالنسبة له مسألة مقدسة لن يتنازل عنها مهما كانت ألاعيب السياسة ومؤامرات الساسة، وها نحن نشهد اليوم تظاهرات كبيرة في أمريكا تطالب بتطهير الحملة الانتخابية من المال السياسي، وفك الارتباط بين الساسة ولوبيات المصالح، وهي حملة مرشحة لأن تتصاعد في الأسابيع القادمة لتؤثر في المشهد القادم في الولايات المتحدة عميقا.
أما بخصوص تهديد الوزير الجبير ببيع المهلكة لأصولها المالية في الولايات المتحدة في حال أقر الكونجرس قانون مقاضاة ‘آل سعود’، فهو لا يعدو أن يكون مجرد تهديد فارغ، لأن الخطورة لا تكمن في 750 مليار دولار من الاستثمارات الرسمية، بل في أزيد من 8 تريليون دولار من الأموال المنهوبة من قبل أمراء آل سعود والمودعة في حسابات سرية في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي حال قررت واشنطن ملاحقة آل سعود، فستحجز على كافة أموالهم الرسمية والخاصة، وخصوصا التريليونات المسروقة من مقدرات الشعب والتي عليهم إثبات شرعيتها.
لكن ما نعلمه يقينا، هو أن “السعودية” يستحيل أن تتخذ أي إجراء انتقامي يؤثر على الاقتصاد الأمريكي أو وضع الدولار في العالم، وهو الأمر الذي لم تقم به حتى الصين أو روسيا، لأن “المهلكة وكما يعرف العالم، هي مجرد وكالة بنكية لتمويل حروب امبراطورية روما الجديدة، ومحطة وقود لم تعد ذات جدوى بعد أن استغنت أمريكا عن زيتها بالنفط الصخري.
وبالتالي، ما تحدث عنه الوزير الجبير هو تعبير عن إحساس عميق بقرب نهاية ‘آل سعود’، يشبه إلى حد بعيد حشرجة الديك المذبوح قبل السقوط المريع.
خصوصا وأن تهديده هذا لن يشكل ورقة ابتزاز صالحة ليستعملها أوباما من أجل تعطيل القانون، لأن السيف سبق العدل هذه المرة، خصوصا بعد صدور حكم ظالم لا أساس قانوني له من قبل المحكمة العليا الأمريكية قضى بحجز ملياري دولار من الأموال الإيرانية لتعويض عوائل الجنود الأمريكيين الذي سقطوا في ثكنة عسكرية ببيروت عام 1982، وهي عملية فدائية ضد عسكر محتل لا مدنيين، ولا يوجد دليل على تورط المخابرات الإيرانية في العملية، وحتى لو ثبت ذلك، فهي عملية فدائية ضد الاحتلال بكل المقاييس.. فما بالك بعملية إجرامية قام بها بندر بن سلطان وعناصر في السفارة “السعودية” في واشنطن بضوء أخضر من أعلى سلطة في الرياض وبالتواطؤ مع المخابرات الأمريكية والصهيونية، لأنها كانت حاجة سياسية لإعلان أمريكا حروبها الاستعمارية في أفغانستان والعراق؟..
هذه سابقة فضائية متينة، وفي فقه القانون، تعتبر السابقة القضائية بمثابة قانون، لا بل تلغي السابقة القضائية نص القانون الرسمي وتحل محله، وتلزم المحاكم بتطبيق مقتضياتها (أي السابقة) حتى لو تعارضت مع القانون الأصلي ومصلحة الدولة التي لا يجب بحال من الأحوال أن تسمو على حقوق المواطن الشرعية.
أحمد الشرقاوي _ بانوراما الشرق الاوسط
المزيد في هذا القسم:
- ضباط في الموساد الإسرائيلي بضيافة أردوغان والمصالحة مستمرة المرصاد نت - متابعات كشفت تقارير عن عودة التعاون والشراكة بين الاستخبارات التركية وجهاز الموساد الإسرائيلي رغم الحديث السابق الزعم بأن رئيسها الحالي هاكان...
- مواجهات عنيفة بعد تصفية منفذ عملية الدهس بالقدس حوّلت الشرطة الإسرائيلية مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية بعد المواجهات العنيفة التي اندلعت في مختلف أحياء المدينة عقب الإعلان عن استشهاد الشاب عبد الرحمن الشلودي؛ م...
- فوضى دولية في ليبيا: حرب الكلّ ضدّ الكلّ ! المرصاد نت - متابعات منذ إعلان المشير خليفة حفتر، الخميس الماضي، «الساعة الصفر» لدخول قلب العاصمة طرابلس، تزايدت التحركات والاتصالات الدولية بشأن ليبيا. وتأتي...
- مصر: تعديل وزاري وشيك والغاز الإسرائيلي يصل بداية 2020! المرصاد نت - متابعات تترقّب مصر تعديلاً وزارياً خلال أيام بناءً على تقديرات سيادية فيما يتوقع أن يمرره مجلس النواب كآخر التعديلات الحكومية قبل إجراء الانتخابا...
- الحرب المفتوحة .. طهران أبلّغت موسكو تبليغ الرسالة للأميركيين المرصاد نت - ماجدة الحاج لم يكن سقوط خان طومان حدثاً ميدانياً مفاجئاً هزّ دمشق وحلفاءها كما صوّره الإعلام الخليجي و”الإسرائيلي” قياساً بما...
- موسكو: سنسلّم دمشق نظام «إس ـ 300» خلال أسبوعين المرصاد نت - متابعات أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو اليوم أن موسكو ستسلم منظومات الدفاع الجوي «إس-300» إلى سوريا خلال أسبوعين على خلفية سقوط ...
- الاتفاق النووي يهتزّ: خرق «تعويضي» لا يغلق باب الدبلــوماسية ! المرصاد نت - متابعات دخلت إيران المرحلة الثانية من مسار يستند إلى برنامج شامل أعدّته عقب تجدد الحملة الأميركية عليها منذ الانسحاب من الاتفاق النووي. مرحلة خُر...
- وساطات غزة: قطر من البوابة الإسرائيلية ومصر من الأميركية المرصاد نت - متابعات تستمر الجعجعة حول غزة ولا طحين يقي أهلها شرّ الفقر والمرض والحصار. فإذا كان الأمر يتخطّى مسألة شراء الوقت تجنّباً لحرب كبيرة كما يكرر الم...
- ثلاث قمم عربية وخليجية وإسلامية في مكة المكرمة .. لماذا؟ المرصاد نت - متابعات تعقَد اليوم في مدينة مكة المكرمة ثلاث قمم عربية وخليجية وإسلامية لبحث عدد من القضايا. وكان قد عقد أمس اجتماع لوزراء الخارجية تمهيداً لهذه...
- 4 قتلى في المواجهات .. الإكوادور تثور ضدّ لينين ! المرصاد نت - متابعات تشهد عاصمة الإكوادور مواجهات جديدة بين الشرطة والمحتجين احتجاجاً على إجراءات التقشف. وقد استخدمت القوات الأمنية قنابل الغاز المسيل للدموع...