لا نستطيع مجاوزة ان الجماعات والعمليات الإرهابية التي تتواجد وتتم في غير مكان في العالم تمثل مدخلا واسعا لأعمال تتم في منطقتنا العربية والإسلامية بشكل كبير وجوهري , ولا يفرق في كثير أمام هذه الأعمال ان تكون تلك الجماعات و العمليات الإرهابية مبرمجة كمدخل للقيام بتلك الأعمال في منطقتنا كما يتصور البعض او أنها خارجة عن سيطرة الجميع ولكنها تفرض التدخل في المنطقة والقيام بما يتم من أعمال لمكافحة الإرهاب كما يتصور بعض أخر .
.
في النتيجة ما يتم من أعمال ترتيبا على وجود تلك الجماعات والعمليات الإرهابية ليست بالأعمال العادية وإنما هي أعمال واسعة و هيكلية وتعيد بصورة مباشرة صياغة واقعنا برمته جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا و امنيا وثقافيا و قانونيا و إعلاميا وإداريا ولا يسلم منها أي جانب كان .
.
تحت مسمى مكافحة الإرهاب يعاد صياغة منطقتنا جغرافيا , تستقدم قوات عسكرية كبيرة إليها , تنفذ عمليات عسكرية واسعة داخل أراضيها , تعاد هيكلة الجيوش وأجهزة الأمن بها , تراكم البنية الاستخبارية وتوسع أدوارها , تستحدث وتعدل الكثير من قوانينها ونضمها , يعاد صياغة المناهج التعليمية لطلابها , يتم التدخل في الاقتصاد القومي لدولها , يتم التدخل لتصنيف الكثير من مواطنيها , يبرمج ويوجه أعلامها , تغير توجهاتها واهتماماتها , وتزيف مصالحها و مخاطرها , وغير ذلك مما بات جليا انه يتعرض لأعمال تجريف هادفة بحجة مكافحة الإرهاب .
.
هذا المستوى الجوهري من التبعات المترتبة على وجود الجماعات و العمليات الإرهابية يهيمن على إخراجها الى الواقع دول الهيمنة العالمية بينما تراوح دول المنطقة في وضعها كمادة يتم تشكيلها تبعا لروئ وتصورات و حاجات ومصالح وسياسات دول الهيمنة تلك , و تخرج تلك التبعات بصورة مباشرة الى الواقع تبعا لقرارات وتوجيهات و توصيات تلك الدول ولا تمثل دول منطقتنا سوى منفذ لا أكثر بل حتى ومنفذ عاجز لا يعتمد عليه في كثير .
.
استمرار هذا الحال السائد فيما يسمى بمكافحة الإرهاب يعني أننا نتخلى عن تاريخنا وواقعنا ومستقبلنا بصورة عابثة لا مبرر لها على الإطلاق , وسنجد أنفسنا في يوم ما مجرد مستعمرات وكنتونات تديرها عن بُعد دول الهيمنة تلك , و ستكون هي من يقرر لدولنا أنماط حياتها وعيشها وثقافتها وقيمها وقوانينها ومصالحها وعداواتها وصداقاتها ووجودها بالكامل , ولن تمثل دولنا أكثر من ” مُسوخ وطنية ” لا تقف على أي أساس متين في أي شي وفي أي جانب .
.
من الطبيعي ان من واجب دول منطقتنا ان تشارك وتتعاون في هذه المواجهة مع الإرهاب , وان يكون لها دورا كبيرا وفاعلا في هذه المواجهة هو أمر لا اعتراض عليه ولا محاذير فيه من حيث المبدأ , ولكن يجب ان نستوعب ما الذي يتم في منطقتنا تحت مسمى مكافحة الإرهاب وان نخرج من مراوحتنا في وضع المادة التي يشكلها الغير تبعا لرؤاه ومصالحه وأجندته , وان نتحول الى شريك حقيقي في هذه المواجهة مع هذه الآفة السرطانية .
.
مطلوب من دول المنطقة ان تستوعب ما الذي يتم تحت مسمى مكافحة الإرهاب ومدى جوهريته وأثاره عليها حاضرا ومستقبلا , وانه بوضعه الحالي يمثل خطرا كبير عليها بموازاة خطر الإرهاب لأنها غائبة فيه كمنفذ مؤهل فضلا عن مقرر . وفي ضوء تفهم دول المنطقة لذلك عليها ان تتجه جادة لبلورة آليات منطلقة من رؤى وطنية لمكافحة الإرهاب تضمن مواجهة فاعله معه من جهة وتضمن أن لا يكون هذا الباب مدخلا لفرض أجندات أخرى معادية او غير مطلوبة او غير ضرورية او تجريبية او مغامرة وتهدف الى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب من جهة ثانية .
.
يجب ان نستوعب بكل جدية وبكل اهتمام أننا نواجه خطرين في آن واحد و كلاهما له أثاره السلبية الجوهرية على واقعنا وحياتنا وحاضرنا ومستقبلنا ما لم يكن لدينا رؤية وطنية لمواجهة الإرهاب هي ما يتحدد في ضوئها دورنا في هذه المواجهة , ويتمثل الخطر الأول في الإرهاب ذاته بينما يتمثل الثاني في خطر مواجهة الإرهاب بوضعها الحالي , و هو ما يفرض علينا ان ننتقل الى واقع الشريك الحقيقي في هذه المواجهة وليس واقع المستخدم التابع والا سنخسر كثير نتيجة لهذا الفرق الذي لا يلتفت له الكثير من أصحاب القرار في دولنا ومنطقتنا .
المزيد في هذا القسم:
- التسويات الجديدة لتحالف العدوان على اليمن! المرصاد نت التسويات الجديدة لتحالف العدوان على اليمن كتب: أ .عبدالباسط الحبيشي* تأتي اللقاءات والإتفاقات والتربيطات الحالية التي تدور رحاها هذه الأيام بين آ...
- من الذي يقف وراء تفجيرات مطار عدن الدولي؛ مغزى التوقيت والاهداف؟ كتب: عبدالله سلاّم الحكيمي:التفجيرات والاشتباكات التي حدثت في مطار عدن الدولي اليوم الاربعاء بالتزامن مع وصول الطائرة التي تقل اعضاء في حكومة مرتزقة تحا...
- الاستبداد .. المثقفون العرب أمام امتحان السياسة! المرصاد نت كارثة أن تفكر الأمة من قفاها تاركة دماغها منتجعاً لأبخرة متصاعدة من معدة مليئة بالهامبرغر والدجاج المقلي على الطريقة الأميركية. التحالف القومي الدي...
- في نعي الأمم المتحدة ! بقلم : حنان محمد السعيد المرصاد نت أثار القرار الغريب الذي اتخذته الأمم المتحدة بالتراجع عن إدراج التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن ضمن القائمة السوداء للدول والجماعات التي ت...
- مجتمعات لا تنسى ولا تنام على وجع ! بقلم : محمد عايش المرصاد نت وهناك شوية خضعان جالسين من أمس يجادلوا بأن قانون “جاستا” لا يعني السعودية وحدها بل سيشمل دولا أخرى على رأسها اليمن!! قلدكم الله منكم ص...
- هذا هو باسندوة ! بقلم : عبدالله مصلح المرصاد نت في مثل هذه اليوم من العام 2014م قدم الأستاذ المناضل محمد سالم باسندوة رئيس حكومة الوفاق الوطني استقالته للشعب اليمني.ورغم أن بعض أصدقائي يعاتبوني ع...
- لماذا يستهدف اكاديميو أنصار الله في كل البلدان والأمصار المتنوعة تهتم السلطات والشعب بكل فرداً يحمل فكراً باعتباره هو ذلك الوجه المشرق الذي يعمل على تحقيق النهضة في البلاد من خلال صياغة الاست...
- للمجتمع الدولي.. أوقفوا العدوان على اليمن قبل المساعدات! المرصاد نت أقيم خلال الأسبوع الماضي مؤتمر دولي بدعوة من الأمم المتحدة للبحث عن زيادة المساعدات لليمنيين الذين يعانون من أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ المع...
- الخطاب الطائفي والقطيعة مع اليسار بوابة العودة لقوى النفوذ التاريخي! مع فرار اللواء علي محسن الأحمر، وسقوط مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع، مساء 21 سبتمبر 2014، على أيدي مقاتلي "أنصار الله" واللجان الشعبية للثورة، متزامنا مع سقوط ال...
- لماذا المراوحة ؟؟؟؟ التأخير والإطالة بخصوص تنفيذ اتفاق السلم والشراكة وتشكيل الحكومة الوطنية يتم المراوحة فيه لاستكمال سياسات الأزمات والحنبات والأمر الواقع وإجراء ممارسا...