المرصاد نت
يعد هذا المصطلح من اكثر المصطلحات اشكالا واتساما بالغموض، ومجانبة للدقة والتحديد المفاهيمي، ورغم الكثرة المفرطة للدراسات والقراءات والمقاربات التي تناولته وحاولت سبر أغواره، إلا أنها وقعت في ذات المزلق من الغموض، وانساقت وراء التمويه والمقولات المطاطية، مكتفية - في أحسن الأحوال - بمحاولة صياغة معادلة جديدة للعلاقة بين الذات العربية والاخر الغربي، في ضوء مفهوم الإرهاب، الذي تلاشت عموميته ومرونته وشموليته زمانيا ومكانيا، ليصبح أكثر خصوصية ولصوقا بالإسلام كدين ذي عمق ايديولوجي، وبالمسلمين كجماعات متطرفة ارهابية متشددة، تفتقر لمبادئ التعايش وقيم المدنية وأسس الحضارة، ومسلمات الإنسانية والوجود الإنساني، الذي لا يتحقق إلا بالمرونة والتعايش السلمي والقبول بالاخر والانفتاح عليه ومثاقفته والاندماج به وفيه، بعيدا عن التعصب للذات ورفض الاخر مطلقا، وهذا الانفتاح على الاخر والذوبان في تفاصيله، هو ما تصبو اليه الإمبريالية تحت عنوان "العولمة"، وهو أيضا أحد أهم مشاريعها في المنطقة والعالم وسنتحدث عنه لاحقا.
يمكن القول إن تمويه وتعويم مصطلح الإرهاب نتج عنه سوء فهم مقصود، او بالأصح توجيه لعملية التلقي، وتلقين المتلقي معنى مقصودا مسبقا، خلاصته ان الإسلام هو الإرهاب والعكس، مهما كانت عمومية الدعوات المنادية بضرورة توحيد الجهود وتوقيع الاتفاقيات لمحاربة الإرهاب أينما وجد وعلى اي شكل كان، غير ان ارتباط هذا المصطلح بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإعلان تنظيم القاعدة تبنيه لتلك الأعمال الإرهابية، ومن ثمَّ إعلان بوش الابن زعامة امريكا الحرب على الإرهاب،ووصفها بأنها حرب مقدسة، تمتلك حق التدخل والدخول وشن الحرب في بلد من العالم دون استثناء، مردفا ذلك بمقولته الشهيرة "من لم يكن معنا فهو ضدنا"وهي المقولة التي جعلت الزعماء العرب يتهافتون لمباركة هذه الحرب وتأييدها ومساندتها وفتح بلدانهم على مصراعيها لتكون ساحة مفتوحة دائماً لها، ظناً منهم أن هذا سيرضي أمريكا عنهم، وسيبقيهم على عروشهم، ويجنب بلدانهم ويلات الغضب الأمريكي، غير مدركين أنهم وضعوا أقدامهم في مسار النهاية، وأنهم قد أساءوا إلى دينهم وأوطانهم وشعوبهم، وفي حال كانت تلك مواقفهم لم يحاول أحدهم القول بأن الإرهاب ليس الإسلام كدين وليس المسلمين كجماعة، وإنما هو كل عنف مرضي يهدف إلى تحقيق الجريمة ذاتها ويسعى إلى الاستبداد ونشر الرعب، وهو كل عنف يرتكبه شخص أو جماعة أو دولة بدون مبرر أو وجه حق، كان هذا القول - على الأقل - سيضع مصطلح الإرهاب في مساره الصحيح.
لكن ما حدث هو العكس تماماً، حيث حاول كل واحد منهم نفي صفة الإرهاب عن شخصه وحزبه وتياره، موجهاً أصابع الاتهام إلى غريمه التقليدي وخصمه السياسي، فالسلطة تتقرب إلى أمريكا بالمعارضة والمعارضة تتهم السلطة وتحضر الأدلة والبراهين، مناشدة عدل وإنسانية البيت الأبيض، وفي خضم هذا الهوس والصراع السياسي، لم يقل إن القاعدة صنيعة أمريكية بامتياز، وإنها البطل الورقي في رواية الاستعمار، وإنها اليد الطولىٰ للإمبريالية في المنطقة، وإنها لا تمثل الإسلام ولا تمت إليه بصلة، وحين توجهت الأنظار نحو الجانب التوعوي التثقيفي حول الإرهاب، عقدت مئات الندوات والفعاليات والنقاشات حول مخاطر الإرهاب والتعصب والتشدد وضرورة محاربته ومواجهته، ومهما كانت تحاول نفي صفة الإرهاب عن الدين الإسلامي إلا أنها كانت تثبتها من الجانب الآخر، وبدلاً من وضع الإرهاب فكراً وسلوكاً في مساره العام، الذي يجرم كل من قام أو أتصف به، وبدلاً من وضع تنظيم القاعدة المتطرف في موضعه الخارج عن الإسلام المارق عن روحه السمحة وتعاليمه الغراء، وإعلان براءة الإسلام والمسلمين منه، وأنه يمثل الفكر الوهابي /اليهودي المتعصب، الذي اتخذ من الإسلام غطاءً لمشروعه الهدام بحق الإسلام والمسلمين.
وهكذا أصبحت الحرب على الإرهاب ذريعة أمريكا المثلىٰ لاحتلال وتدمير البلدان العربية والإسلامية بشرعية إلهية وموافقة عالمية، ليس لأحد الرجوع عنها أو مخالفتها أو رفضها، وانطلاقاً من حق الوصاية والأبوية الأمريكية، التي رافقها الصمت والخنوع العربي الإسلامي، بسطت أمريكا نفوذها وهيمنتها على شعوب العالم والشعوب العربية والإسلامية بالذات، وتم التعاطي مع الإسلام بوصفه دين الإرهاب، الذي يحرض أتباعه على إعمال السيف في مخاليفهم في كل الأحوال، وتم وصف المقاومة - بما هي فعل تحرير وبناء وحق مشروع - بالإرهاب والعنف، وأصبح كل ما يهدد مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة هو إرهاب، ويجب على العالم محاربته.
لم تتوقف حرب امريكا على الإرهاب في أفغانستان وتنظيم القاعدة واسامة بن لادن، بل تعدت ذلك لتصل الى العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس وغيرها، وما لم يحققه التدخل المباشر والغزو العسكري، أُوكل الى الربيع العربي اتمامه، لتلعب دور البطل هذه المرة الجماعات الإسلامية الإخوانية "الإخوان المسلمين"، بفكرها ذي الاصول الماسونية وزيها الاسلامي وحقدهم الدفين على الاخر المخالف لهم مذهبيا، ولكنهم سرعان ما فشلوا في تطبيق مشروعهم، ليخدموا امريكا بذلك الفشل، ويتسنى لها شن حملتها المعادية ضد الدين الاسلامي، بوصفه - حسب الزعم الامريكي - دين إرهاب وانتقام وعداء مطلق للاخر، ولا يصلح لبناء حضارة او مجتمع مدني يتعايش مع الاخر، وبهذا رأت امريكا ضرورة القضاء عليهم، بعد ان ادوا الدور الذي انيط بهم ووصلت الرسالة المبتغاة.
بعد ذلك ارادت امريكا تقوية حجتها والتركيز على الإسلام الفوضوي الهدام، فأوعزت الى داعش - الوجه الاخر للقاعدة - بإتمام المهمة، ولعب دور البطل المقاوم للأنظمة العربية الحاكمة، الساعي الى إقامة خلافة اسلامية، غير تلك المعروفة في الوجدان الجمعي العربي بشموليتها، وانما خلافة اسلامية على مقاس الاطماع والمصالح الإمبريالية في المنطقة المحددة جغرافيا بالعراق والشام، ويؤكد ذلك ظهور اسرائيل بكل قبح وصلف الى جانب هذه الجماعات مؤيدة ومباركة ومساندة لهم في حروبهم العبثية ضد أوطانهم، وبهذه الحالة من الفوضى العبثية العارمة التي غرقت المنطقة في اتونها، استطاعت القوى الاستعمارية - امريكا وإسرائيل - البدء في تنفيذ مشاريعها، وإدارة هذه الفوضى الهدامة بما يخدم مصالحها، تحت عنوان نظرية الفوضى او الفوضى الخلاقة.
إذا كانت المقاومة ضد المستعمر إرهابا يُمارس على مستوى الفرد والجماعة، فماذا نسمي الإرهاب المنظم والمنهجي والقتل والتدمير والتنكيل والقمع الذي يمارسه الكيان الصهيوني - كدولة - بحق ابناء الشعب الفلسطيني؟؟!!!!
وإذا كان ما ستتعرض له مصالح امريكا وإسرائيل في المنطقة من تهديد افتراضي مزعوم إرهابا، ففي اي سياق إرهابي وإجرامي يمكن تصنيف جرائم تحالف العدوان - السعوصهيوامريكي - العالمي على اليمن، وأي توصيف قانوني يمكنه بلوغ مئات المجازر بحق المدنيين الأبرياء وبحق الطفولة المستباحة، وماذا تسمى الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدوان بحق ثلاثين مليون إنسان، من خلال الحصار المطبق برا وبحرا وجوا، ونشر الأمراض والأوبئة، واستخدام الأسلحة الفتاكة بجميع أنواعها؟؟!!!!!!
هل آن الأوان لتعرف شعوب العالم الحر من يمثل الإرهاب الحقيقي، وأن تعود للإسلام صورته الناصعة وحقيقته المحمدية وليس الوهابية .. ترى هل ستبلغ أصواتنا أسماعهم؟؟!!!!.
على الأقل هذا ما يجب أن يكون.
بقلم : إبراهيم الهمداني
المزيد في هذا القسم:
- الرئيس هادي والزنابير الحُمر يبدو أن كثير من المفاهيم السياسية ماتزال مُختلِطة ومُختبِطة على كثير من الناس وخاصة فيما يتعلق بقضايا الحُكم لا سيما الحُكم الرشيد. فمفهوم (الدولة) يعني...
- سأتوقف عن الكتابة لمدة عامين كاملين إعتذارا لـ"الإصلاح" إذا تحقق هذا: هاتوا لي اتفاقا واحدا من اتفاقات الصلح أو وقف النار، منذ العام 2004 حتى يوم أمس، لم يشن "الإصلاح" حملة ضده أو لم يتعامل معه كـ"خيانة وطنية"..!! اتفاق واحد...
- بركان2 هل سيكون بداية لنهاية البربرية السعودية ام نهاية لمن اطلقوه؟ المرصاد نت من البداية ومكونات المحاصصة بالارض والانسان يعملون على خط واحد هو استخدام الرد اليمني المشروع على البربرية السعودية كرسائل لاقناع السعودي بهم لا من...
- هل الشماليين سبب مشاكلنا ؟ بقلم : د. حسين اليافعي المرصاد نت في الجنوب عند حصول الاغتيالات ترتفع الاصوات وتقول الشماليين هم السبب واذا رأيت الفوضى والهمجيه قالوا بسبب الشماليين واذا رايت الفقر والجهل والمر...
- معوقات الانفصال و وهم انتزاع حضرموت ! بقلم : جمال عامر المرصاد نت جرى الحديث ولا زال يجري حول انفصال الجنوب اليمني عن شماله، قبل أن يصاحبه حديث أكثر تفكيكا عن تحرير حضرموت عن من وصفوه باحتلال اليمن الجنوبي والشمال...
- الغام الخارطة الاممية ' تحليل لكواليس المفاوضات ' ! بقلم : حُميد منصور المرصاد نت في الذكرى الاولى لاحتلال المحافظات الجنوبية يواصل العدوان جرائمه و استهدافه لليمن ارضا وانسان .. قد يعتقد البعض ان الحرب على وفي اليمن هي من اجل...
- السعودية والإمارات .. الخلاف الوهمي ! بقلم : حسن الوريث المرصاد نت مرتزقة السعودية يحاربون مرتزقة الإمارات في المحافظات الجنوبية ومرتزقة السعودية يسيطرون على مناطق معينة ومرتزقة الإمارات يسيطرون على مناطق أخرى ومرت...
- هذا هو المشروع ! بقلم : أ. عبدالباسط الحبيشي المرصاد نت لم يكن حِينَئِذٍ من وجود إلا من القائد الوحدوي الفذ الرئيس علي عبدالله صالح على الساحة اليمنية بأكملها الذي لو أمر اليمنيين عندئذٍ؛ أن أعبرو الصحرا...
- التقرير الأممي.. إلى أين؟ المرصاد نت جانب من المأساة و جزء من الحقيقة المرعبة و الإجرام اللامسبوق في التاريخ المعاصر هو ما خلص اليه التقرير الأممي الذي خرج على خجل واستحياء بعد تأخر ٍ ...
- عاجل لحكومة الوفاق بغير تحية. لحكومة الارتزاق أوجه نيابةً عن ابنائنا المتفوقون اليوم في المسابقة العلمية ،،التربوية ،،، رسالة عاجلة ،،اردتم تجهيلنا فحلينا في المرتبةالاولي للعام الثاني على...