المرصاد نت
المرمنذ تأسيسه، ارتكز «المجلس الإنتقالي» على أفكار هلامية دون ضوابط وأدبيات واضحة تحدد ماهيته والهدف من إنشائه وطريقته وأسلوب عمله. وبعيداً عن الشعارات التي تدغدغ عواطف عوام الناس، ظهر المجلس في أول أيام مولده كأنه ينازع «الشرعية» اختصاصاتها، بل ينازعها حكم الجنوب بشكل عام، قبل أن يتم تنويمه لفترة، ثم إعادته إلى المشهد السياسي كمنازع لمكونات الحراك الأخرى في تمثيلها للقضية الجنوبية والشارع الجنوبي، في استعراض لحظي للحشد الجماهيري المؤيد، دون خطط أو أدبيات واضحة تميزه عن بقية مكونات الحراك، مع تلميح إلى أن الهدف من إنشائه مواجهة حزب «الإصلاح» (حركة الإخوان المسلمين) وبقية المنظمات الراديكالية الإسلامية في الجنوب في المستقبل.
بدا «المجلس الإنتقالي»، خلال الفترة الماضية، كعجينة يتم تشكيلها حسب الحاجة الآنية لدولة الإمارات المتحدة، الداعم المادي الوحيد لذلك المجلس (فالمجلس يفتقر لأي دعم سياسي من أي طرف خارجي، بما في ذلك الإمارات نفسها، التي يقتصر دعمها على الجانب المادي فقط حتى اللحظة)، دون تمكينه من رسم أهداف وأدبيات للمدى البعيد، أو حتى للمديين المتوسط والقصير، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن الحاجة لذلك المجلس قد تم استنفادها عند تأسيسه، في التلويح به لمساومة وابتزاز «الشرعية»، ولاحقاً التلويح به في مواجهة مكونات الحراك الأخرى الرافضة للإدارة والتواجد الإماراتي، وأنه بعد استخدامه لم يعد هناك حاجة له، وبالتالي هو في حالة الموت السريري ما قبل إعلان الوفاة رسمياً والدفن، بل ذهب الرئيس عبد ربه منصور هادي للتصريح بذلك بشكل رسمي عبر الإعلام، حيث اعتبر المجلس في حكم المنتهي، وكأن المسالة مسالة وقت فقط تقدر بالأيام أو الأسابيع في أقصى الإحتمالات.
ذلك التصريح المغلوط من الرئيس ساهم في تكريس تلك الفكرة، التي وإن كانت في جزء منها صحيحة، وهو الجزء الذي فشل فيه «المجلس الإنتقالي» في أن يكون بديلاً «انقلابياً» على السلطة «الشرعية»، وتَبدَّد الأمل في نجاح ذلك الإنقلاب وماتت المحاولة، إلا أنه كتنظيم أو كمكون ما زال قيد التنشئة، وما زال فاعلاً ولو إعلامياً وتنظيمياً فقط، وله شعبيته وجماهيره، إضافة إلى بعض المؤشرات الأخرى التي تدل على أن الإمارات، وهي الجهة التي تمسك بناصيته وبيدها حياته ومماته، لم تستغن عنه بعد على ما يبدو، والشواهد على ذلك كثيرة أهمها:
1- استمرار النشاط التنظيمي للمجلس في تأسيس فروع له في المحافظات والمديريات.
2- تجيير الحملات الأمنية الصورية ضد المنظمات الإرهابية للموالين للمجلس، واعتبارها من منجزاته.
3- سيطرة «الحزام الأمني» في عدن، وكذا القيادات المدعومة إماراتياً على مواقع ووحدات تابعة لـ«الشرعية»، وبالقوة، وبتدخل الطيران الإماراتي أحياناً للمساندة لصالح تلك القوات الموالية للمجلس أو المقربة منه أو المحسوبة عليه.
4- منع رموز في «الشرعية»، مثل الرئيس ونائبه، من العودة للمحافظات الجنوبية «المحررة»، والسماح لأعضاء «المجلس الإنتقالي» بالسفر والعودة والتحرك بحرية في إطار تلك المحافظات.
وعليه، ووفقاً لتلك المؤشرات فإن مسألة وفاة «المجلس الإنتقالي» لا يبدو أنها واقعية، بل من الواضح أنه يتم تأهيله والاحتفاظ به للعب دور ما في المستقبل ربما ليس كسلطة بديلة لـ«الشرعية» لكن ربما كبديل لمكونات الحراك الأخرى المناهضة للتواجد الإماراتي، أو كعصا لمن عصى من تلك المكونات لأهداف دول «التحالف» عموماً والإمارات العربية خصوصاً، أو ربما سيتم تحويله إلى مليشيا ضاربة مساندة لدولة الإمارات لمواجهة المليشيات الأخرى المتمردة أو التي قد تتمرد، ودون أن يكون له مشروع سياسي وقيادة سياسية.
لا نستطيع أن نجزم في الدور الذي تطمح الإمارات إلى أن تجعل ذلك المجلس يلعبه في المستقبل، إلا أننا نستطيع أن نؤكد، من خلال تلك الشواهد، أن ذلك المجلس لم يمت كما يعتقد البعض، بل هو في حالة نوم مؤقت. كما أننا نستطيع أن نجزم أيضاً أن ذلك المجلس ما زال في حالة مواجهة لم تحسم مع المكونات الجنوبية الأخرى، وينازعها تمثيل القضية الجنوبية سياسياً، كما أنه يمتلك قوات عسكرية لا بأس بها تحتفظ بها الإمارات ليوم وغرض ما.
بقلم : ازال الجاوي
المزيد في هذا القسم:
- 11 فبراير بعد سبع سنوات عجاف ! المرصاد نت عندما يبحَثُ الإنسانُ اليمني عن أسباب الصراع المستمرّ منذ عام 2011 إلى اليوم يجدُ أن أحد أهَـمّ هذه الأسباب هي ثورة الحادي عشر من فبراير، ولكن لو نأ...
- بعض المثقفين ..بين تشوش الرؤية وفقدان بوصلة الاتجاه! المرصاد نت أن يقف الأنسان وخاصة المثقف ضد الحروب فذاك موقف أخلاقي وأنساني نبيل لكن أن تتشوش رؤيته ويفقد بوصلة تحديد الاتجاهات الصحيحة فيخلط بين الحروب العدوان...
- أسطورة وطن في عامه الخامس! المرصاد نت لستُ أنسج قصة خيالية أو رواية خُرافية ؛ بل أسردُ حكايتي عن وطنٍ ساد عظمته وشموخه وثباته طيلة ٥ أعوام ولم يُهزم رغم إجتماع ١٧ دولة ذات قوّة عُديّة و...
- خطوة في الاتجاه الصحيح ! بقلم : حميد دلهام المرصاد نت ونحن نعيش اجواء العدوان الغاشم، والحصار الخانق، والاستهداف المباشر لشعبنا العظيم.. وما يطالعنا به وفد الرياض من جديد التعطيل، والتعليق، على طاول...
- قمة الـسقوط والكـوميديا السوداء ! بقلم : عبدالله صبري المرصاد نت - انحطاط غير مسبوق تعيشه الأنظمة العربية والإسلامية ومن حولها من نخب ثقافية وإعلامية وعلمائية، وهي تحتفي وتهلل لزيارة ترامب إلى الرياض وللقمة الأمري...
- حزب الإصلاح إعلان للنهاية في ذكرى البداية ! بقلم : سمية الطائفي المرصاد نت بعد ستة وعشرين عاما يلجاء اليدومي للتعريف من جديد عن حزب الإصلاح بقولة نجد لزاماً علينا أن نستمر في تقديم ( الإصلاح ) إلى كل يمني على أرض الوط...
- عن خطاب السيد اليوم ! بقلم : أزال الجاوي المرصاد نت تحدث السيد لاول مرة بطريقة مباشرة حول الهم الوطني بشكل عام وهموم المرحلة بشكل خاص ودون اسقاطات تاريخية او دينية لعله اراد من ذلك ايصال مايريد قوله ...
- اتفاق السويد خطوة إلى الأمام ! المرصاد نت هكذا يفسر هذا الاتفاق من وجهة النظر الوطنية لذلك حرص الجانب الوطني ممثلاً في كل هيئات الدولة بدءً بقيادة الثورة ورئاسة المجلس السياسي الأعلى ومرورا...
- اعادة الوحدة اليمنية وأسباب تراجعها كتب : عبدالباسط الحبيشي للمؤمنين بالوحدة فقط ما سأكتبه في هذا المقال يتجاوز التفكير العقلاني او بالأصح الوعي الإصطناعي الذي تفرزه الثقافة السائدة المبنية على التفكير المادي. لذا اقترح...
- طفل الميزان.. طفل من بلاد الحرب المنسية المرصاد نت لا رفيق يؤنس وحشة ساعات يومي الثقيلة التي أكابدها بين لفحات الشمس الحارقة أتأمل وجوه المارة بصمت سوى رفيقي الذي يشاركني حياتي القاسية ويقاسمني المك...