المرصاد نت - متابعات
"من شأن الظروف المعيشية لأطفال اليمن أن تجلب العار على البشرية. لا يوجد عذر لمثل هذا الوضع السوداوي في القرن الـ 21. الحروب والأزمات الاقتصادية وعقود من التراجع في التنمية لا تستثني أي فتاة أو فتى في اليمن. معاناة الأطفال هذه كلها من صنع الإنسان". بهذه الكلمات ختم خِيرْت كابالاري المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، زيارته لليمن ليُسدل الستار عن مأساة الأطفال والطفولة في اليمن.
كل الأطراف في اليمن منخرطة في تجنيد الأطفال واستخدامهم في المعارك لكن بحسب الأمم المتحدة ووفقاً للتقرير السنوي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الأنسان بشأن حالة حقوق الأنسان في اليمن فإن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة لديه معلومات مؤكدة تفيد بأن الحوثيين وحكومة هادي وقوي تحالف العدوان جميعهم يقومون بتجنيد الأطفال أو تطويعهم ضمن فصائلهم وقواتهم المسلحة وأنها تستخدمهم للمشاركة النشطة في الأعمال الحربية المختلفة ووثق الفريق الأممي نحو 842 حالة مؤكدة من التجنيد والاستخدام للأطفال في اليمن الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ 11 سنة فيما وصل عدد من تم تجنيدهم من الاطفال منذ بداية العدوان والحرب على اليمن الى أكثر من 2700 طفلاً تراوحت أعمار هم في معظم الحالات بين 11 و17 عاماً.
لا توجد إحصائيات موثقة لعدد القتلى من الأطفال المجندين لكن الكثير من اليمنيين لاحظوا تزايد كبير في عدد القتلى في صفوف الأطفال من خلال حضور الجنازات ومناسبات العزاء التي لا يكاد يمر اسبوع واحد إلا بوجود واحدة منها على الأقل في أغلب المناطق اليمنية. من حالفه الحظ من هؤلاء الاطفال المجندين الذين ذهبوا إلى الجبهات ولم يقتلوا فيها وكُتب لهم النجاة عادوا إما بعد تجربة اعتقال أو بسبب الإصابة والإعاقة الدائمة.
محمد منصور (14 سنة)، فقد كلتا رجليه بسبب لغم ارضي انفجر به وهو يقاتل في إحدى جبهات القتال رأيته جالساً على كرسيه المتحرك أمام باب منزله يراقب بحماس مصحوب بألم، الاطفال من سنه وهم يلعبون كرة القدم بينما هو لا يستطع أن يحرك رجليها، لأنها لم تعد أصلاً موجودة. أوقف محمد دراسته وهو في الصف الأول من المرحلة الثانوية يقول انه تحمس للذهاب للقتال بعد أن رأى الكثير من زملائه الذين ذهبوا للقتال وهم يحملون الأسلحة والجعب ولديهم أموال لا يحلم بها من هم في سنه. كان يحلم محمد بأن يصبح طياراً يجوب العالم ويلتقي بأشخاص من شتى الدول ويعيش تجارب لا حصر لها، أما الآن، أصبح حلمه الوحيد أن يتمكن من الحصول على أطراف صناعية، تساعده على استعادة بعضاً مما فقده.
ما يدعوا إلى الأسى أن أغلب الأطفال المجندين يتم الزج بهم في خطوط النار المباشرة من دون أي تدريب يذكر، كلما يعرفونه هو حمل السلاح وإطلاق النار، لذلك يسقط عدد كبير من القتلى، وتحدث الكثير من الإصابات في معظم الجبهات، نتيجة قلة التدريب وانعدام الخبرة. أخبرني محمد أنهم اخذوه لحضور دورة ثقافية لمدة أسبوع وأخرى عسكرية علموه خلالها طرق إطلاق النار الأساسية، واشياء أخرى بدائية لم يستفيد منها شيء على أرض الواقع عند ذهابهم إلى ساحة المعركة.
لم تكن الإصابات والإعاقات الجسدية هي الأضرار الوحيد التي أصابت الأطفال المجندين الذين نجوا من القتل في المعارك واستطاعوا العودة إلى عائلاتهم، فقد خلفت مشاركتهم في الحرب، مشاكل نفسية لا حصر لها اضافة الى تجارب الاعتقال التي مر بها الكثير منهم وعاشوا خلالها تجارب قاسية جداً لم يستطيع اغلبهم تجاوزها إلى حد الآن دُمرت خلالها طفولتهم البريئة وانتهكت فيها حقوقهم وحرياتهم الشخصية، عادوا إلى عائلاتهم شبه أحياء، عادوا أجساد بلا أرواح.
تتعدد الأسباب التي جعلت أطفالاً أبرياء يتحولون في ليلة وضحاها إلى جنود مقاتلين أغلبها لها علاقة بالوضع المعيشي الصعب والأوضاع الاقتصادية القاسية الذي تعيشها أغلب الأسر اليمنية، في ظل انقطاع شبة تام لرواتب الموظفين الحكوميين وانعدام الوظائف في القطاع الخاص وشح الأعمال اليومية لأصحابه المهن كل هذا أجبر اليمنيين على إرسال ابنائهم للقتال، طمعاً في الأموال التي يحصلون عليها مقابل ذلك.
وهنالك أسباب أخرى لها علاقة بالتحشيد والاستقطاب الذي تقوم بها الأطراف المتصارعه والذي يتم في الغالب داخل المدارس ومن قبل أشخاص محسوبين على قطاع التعليم. في إحدى المدارس بالعاصمة صنعاء تفاجئ الطلاب بوفد من الوزارة حضر لإعلان النفير العام، ولتثقيف الطلاب عن الجهاد وحثهم على المشاركة في القتال على الجبهات اعتلى أحد أعضاء هذا الوفد منصة الاذاعة المدرسية وصرخ بأعلى صوته، مخاطباً الطلاب الذين لم يتحاوز اغلبهم سن الـ16 عاماً بقوله " لا خير في التعليم والدراسة هذه المرحلة تحتاج إلى مقاتلين على الجبهات لا إلى طلاب في المدارس" واستمر يخطب فيهم نحو ساعتين وفي نهاية كلمته اخبرهم أن هنالك استمارات ستوزع عليهم للانضمام لجماعته المسلحة للقتال في إحدى الجبهات المشتعلة في اليمن.
يأتي أغلب الأطفال المجندين والمقاتلين عموماً من القرى النائية لذلك ذهبنا إلى إحدى القرى في ضواحي العاصمة صنعاء وكالعادة كان هناك الكثير من المقابر المستحدثة على طول الطريق فما إن تدخل قرية حتى ترى أمامك مقبرة بل أن بعض القرى الصغيرة، التي لا يتعدى سكانها الـ 500 شخصاً لديها أكثر من مقبرة اُستحدثت مؤخراً. تحدثت مع أحد الآباء الذي قتل ابنه في إحدى الجبهات، عن سبب ارسال ابنه للقتال وهو بهذا السن الصغير، فأجاب "أبني الأول مات شهيد والثاني سيذهب، بعد انتهاء عزاء اخوه للقتال واتمنى أن ينال "الشهادة" كما نالها اخوه من قبله" وهذا بالمناسبة كلام يتكرر على لسان الكثير من أباء القتلى في هذه القرى، لحظة دفن ابنائهم في المقابر.
أكثر من 6700 طفل قُتلوا أو أُصيبوا بجراح بالغة. فيما أجبر حوالي 1.5 مليون طفل على النزوح أغلبهم يعيشون حياة بعيدة كل البعد عن الطفولة. نحو 7 مليون طفل يخلدون للنوم كل ليلة وهم جياع. وفي كل يوم يواجه 400 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد وهم معرضون للموت في أي لحظة. وأكثر من 2 مليون طفل لا يذهبون إلى المدرسة بحسب منظمة اليونيسيف. هذه الأرقام المهولة هي باختصار حكاية الطفولة في اليمن وهؤلاء هم المستقبل الذي ينتظره اليمن. إذا كان نريد خلق مستقبل آمن يجب البدء بخلق بيئة سوية يحمل فيها الأطفال الأقلام بدلاً من البنادق ويعيشون فيها مرحلة طفولتهم الطبيعية كأطفال لا كجنود مقاتلين. نناشد كل الأطراف المتصارعين في اليمن أن يعملوا على ايقاف هذه الحرب أو على الأقل تحييد الأطفال عن حروبهم سواء كان ذلك بالتجنيد أو بالاستهداف.
تقرير : بلال الشقاقي - الجزيرة نت
المزيد في هذا القسم:
- قائد عسكري رفيع ينجو من محاولة إغتيال في إب وإصابة أربعة من مرافقية . نجا قائد عسكري رفيع من محاولة اغتيال، الثلاثاء، وأصيب 4 من مرافقيه، إثر تعرّضه لكمين مسلح بمديرية السدة بمحافظة إب (وسط اليمن). وحسب وكالة خبر للأنباء فقد أوضح...
- الاقتصادُ اليمني : عامان من التدمير.. عامان من الصمود المرصاد نت - رشيد الحداد تكبَّدَ الاقْتصَادُ اليمني بمختلف قطاعاته خسائرَ فادحةً جراء العدوان والحصار خلال العامين الماضيين ولاستمرار العدوان والحصار وإمعانه ف...
- الساحل الغربي :مواجهات عنيفة بين القوات اليمنية ومليشيات العدوان المرصاد نت - متابعات نفذت قوات الجيش واللجان هجمات مضادة على المليشيات الموالية للسعودية والإمارات بعدما استطاعت الأخيرة السيطرة على مفرق الوازعية غرب تعز مُه...
- ترتيب «البيت الجنوبي» قبيل المفاوضات: السعودية تَخْلُف الإمارات في عدن! المرصاد نت - رشيد الحداد تعزّز الرياض وجودها العسكري في المحافظات الجنوبية بعد تسلّمها في الأيام الماضية من أبو ظبي المواقع العسكرية التي كانت تشغلها الأخيرة....
- تحرّك سعودي لنسف أتّفاق المهرة والقبائل تحذِّر من أستفزازها المرصاد نت- متابعات شهدت محافظة المهرة شرقي اليمن توتراً كبيراً بعد أن استولت قوات تابعة للتحالف العسكري على إحدى النقاط الأمنية خارج الغيضة عاصمة المحافظة مصا...
- طيران العدوان يشنّ سلسلةَ غارات هستيريه على عدد من المحافظات المرصاد نت - متابعات شَنَّ طيرانُ العدوان الأمريكيِّ السعودي اليوم الخميس سلسلةَ غارات إجرامية على عدد من المحافظات مخلفاً أضراراً جسيمة بالممتلكات العامة وال...
- صحيفة سودانية: إنتهى عهد الخداع .. أعيدوا أبناءنا من اليمن فوراً المرصاد نت - متابعات خبر إعفاء الفريق طه عثمان الحسين من منصبه وزير دولة بوزارة رئاسة الجمهورية ومدير عام لمكاتب الرئيس السابق مايزال في صدارة الأنباء الأكثر ...
- مارتن غريفيثس إلى اليمن: هل من جديد متوقَّع؟ المرصاد نت - متابعات عقد "منتدى مقـــــــــاربات" الذي ينظمه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني ندوة بعنوان " مارتن غريفيثس إلى اليمن: هل من جديد متو...
- المهرة : اشهار المجلس الوطني للإنقاذ الجنوبي وفصيل باعوم ينسحب! المرصاد نت - متابعات أشهر اليوم السبت مكون جنوبي جديد في مدينة الغيضة عاصمة محافظة المهرة أقصى شرق البلاد وحمل المكون الجديد مسمى المجلس الوطني للإنقاذ الجنوب...
- الحديدة.. زيارات ومبادرات ورؤي لا تغير من الواقع شيئاً! المرصاد نت - متابعات يواصل فريق الخبراء التابع لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي زياراته الميدانية لموانئ الحديدة الثلاثة في اطار المهمة المكلف بها لتقييم الموان...