المرصاد نت - متابعات
تحرير البوكمال يشكّل منعطفاً ميدانيّاً فائق الأهميّة انتزاع المدينة الاستراتيجيّة يأتي بمثابة مسمار أمانٍ في ما يخصّ ملفّ الحدود ومسمارٍ أخيرٍ في نعش «خلافة داعش».
هذا الانتصار خطف الضوء من معركة الرقّة وجعل كتابة السطور الأخيرة من أسطورة «داعش» امتيازاً لـ«محور دمشق» ووضع في الوقت نفسه تحالف «قسد» أمام اختبار وجوديّ
تستحقّ معركة البوكمال الانضمام إلى قائمة العلامات العسكريّة الفارقة في مسار الحرب السوريّة إلى جانب القصير وكويرس وحلب وسواها وكما مهّدت كلّ من المعارك المذكورة لمشهد سوري جديد تبدو البوكمال مؤهّلة للعب دور مماثل عبر تعزيز أوراق القوّة في قبضة معسكر دمشق وحلفائها في الميدان كما فوق طاولات التّفاوض وإذا كانت ترجمة معركة أحياء حلب الشرقيّة في المشهد السياسي قد استغرقت وقتاً لتظهيرها بشكل مقروء فإن الحال تبدو مختلفةً في شأن معركة البوكمال التي استُتبعت سريعاً بقمّة بوتين ــ الأسد تمهيداً للقاء سوتشي الثلاثي المرتقب (روسيا وإيران وتركيّا).
الانتصار العسكريّ الذي حقّقه الجيش وحلفاؤه في المدينة الاستراتيجيّة منحَ دول «محور دمشق» الفرصةَ لكتابة السّطور الأخيرة من عمر «داعش» بوصفه قوّة عسكريّة فاعلة في الجغرافيا السوريّة مع ما ينطوي عليه هذا الإنجاز من رمزيّة فائقة الأهميّة وكانت واشنطن قد طمحت إلى قطف هذه الثمرة ودرست سيناريوات عدّة لهذه الغاية غير أنّ الكفّة مالت في النهاية عكسَ مساعي اللاعب الأميركي.
الطريق إلى البوكمال لم يكن مفروشاً بالورود بطبيعة الحال وتطلّب قطعُه علاوةً على المعارك العنيفة تقديم تنازلاتٍ في ما يتعلّق بالآبار النفطيّة التي خضعت في النتيجة لسيطرة «قوّات سوريا الديموقراطيّة» الذّراع البرية لـ«التحالف الدولي».
ومع اعترافها بالأهميّة الاستثنائيّة لهذه السيطرة تقلّل مصادر سوريّة رفيعةٌ من تبِعاتها المُتوقّعة. وتوضح المصادر أنّ «الخطط العسكريّة على امتداد الحرب كانت تلحظُ دائماً التمييز بين خسائر يمكن تعويضُها متى دقّت الساعة المناسبة وأخرى تُشكّل مخاطر استراتيجيّة كبرى ما يجعل وقوعَها خطّاً أحمر» ويبدو جليّاً من كلام المصادر أنّ خطط دمشق وحلفاءها تلحظ سيناريوات مستقبليّة عدّة في ما يتعلّق بمناطق شرق الفرات الخاضعة حاليّاً لسيطرة «قسد» تبعاً لما تستوجبه كلّ مرحلة من المراحل القادمة. ومن المرجّح أن السيناريوات العسكريّة تأتي في ذيل القائمة من دون أن يعني ذلك انعدام فرص حدوثها بشكل كليّ.
وكانت تفاهمات موسكو وواشنطن قد أفلحت غيرَ مرّة في احتواء التأزّم العسكري بين الجيش السوري و«قسد»، غير أن التلويح بالخيارات العسكريّة عند الضرورة استمرّ حاضراً في تصريحات مسؤولي «محور دمشق». ورغم أن «داعش» لا يزال يسيطر على نقاط ومواقع في ريف دير الزور غير أن هذه السيطرة لا تتمتّع بثقلٍ استراتيجيّ مركزي وتبدو أشبه ببقعٍ آيلةٍ إلى الزوال، ولا سيّما إذا ما أفلح الجيش قريباً في وصل مناطق سيطرته جنوب الميادين بنظيرتها شمال البوكمال ضارباً طوقاً على عناصر «داعش» غرب الفرات وصولاً إلى جنوب السّخنة في تكرار لسيناريوات مماثلة سبق أن شهدتها معارك أرياف حلب وحمص وحماة ضد التنظيم المتطرّف.
ويخوض من تبقّى من مقاتلي «داعش» معركةً محسومة النتائج سلفاً، وبات اهتمام معظمهم منصبّاً على إيجاد فُرص لخروج آمن، سواء عبر اتفاقات سرّية يبرمها المقاتلون المحليّون وتضمن نقل بندقيّتهم إلى كتف أخرى أو عبر محاولات الذوبان في صفوف المدنيين النازحين من مناطق القتال. فيما ينقسم من تبقّى من «المهاجرين» (غير السوريين) إلى قسمين: يصرّ الأوّل على خوض المعارك حتى النهاية، ويسعى الثاني إلى انتهاز أي فرصة سانحة للحاق بركب «الترانسفير الجهادي».
وعلاوةً على ما يعنيه «أفول شمس الخلافة» من خروج «داعش» من المعادلات الميدانيّة التقليديّة ثمّة تفصيلٌ مهمّ مفادُه أنّ زوال «داعش» عن خرائط السيطرة يعني في الوقت نفسه بلوغ مغامرة «قسد» الميدانيّة أقصى مدى يمكن أن تصله ما لم تقرّر مهاجمة مناطق سيطرة الجيش العربي السوري في مسعى لتوسيع رقعة سيطرتها وهو احتمالٌ شبهُ مستحيل. وتدرك «قسد» جيداً أن الإقدام على خطوة من هذا النوع سيكون بمثابة مسمار أخير في نعش تفاهمات موسكو وواشنطن وضوء أخضر لـ«تحالف ضرورةٍ» عسكريّ بين أنقرة ودمشق.
ويمكن القول إنّ معركة الرقّة كانت آخر معارك «قسد» الهجوميّة نظراً إلى الملابسات الكثيرة التي أحاطت بسيطرتها على مناطق شرق الفرات في ريف دير الزور ولن يكون متاحاً لـ«قسد» فتح معارك هجوميّة جديدة لتوسيع رقعة سيطرتها الجغرافيّة باستثناء ما قد يتم تحصيله عبر تصفية جيوب «داعش» المتبقيّة شرق الفرات وسيكون على «قسد» مراقبةُ ما سنُفضي إليه قمّة سوتشي الثلاثيّة بقلق كبير ولا سيّما أنّ الأخيرة استُبقت بلقاء ثلاثي مهمّ بين رؤساء أركان روسيا وإيران وتركيّا.
في الوقت نفسه وبحذرٍ إضافي ينبغي على «قسد» العمل على تحصين تحالفاتها المحليّة ولا سيّما في ظلّ تزايد احتمالات حدوث انشقاقات بنيويّة تُسفر عن لحاق بعض المكوّنات العشائريّة بركب دمشق وأنّ الخيار المذكور محلّ بحث جدّي في صفوف بعض مكوّنات «قسد» العربيّة وبالتوازي مع مساعٍ استخباريّة تركيّة لإحداث اختراقات مؤثّرة في صفوف المكوّن التركماني في «قسد».
الي ذلك تغيرات كثيرة طرأت في العامين اللذين فصلا بين زيارتي الرئيس بشارالأسد لروسيا وكانت هزيمة «داعش» وسقوط رهان «إزاحة الأسد» أبرزها اليوم تقود موسكو حراكاً منسقاً مع إيران وتركيا في سوتشي وتوفد إلى الرياض مبعوثاً رفيعاً لضمان تحييد المعارضة «المتشددة» عن هيكل المعارضة الجديد مراهنة على قبول دمشق بالمضي قدماً نحو حل سياسي يبدأ بـ«إصلاح دستوري» وفق ما جرى التوافق عليه في بيان الرئيسين الأميركي والروسي المشترك الأخير.
وأعادت زيارة الرئيس بشار الأسد الي نظيره الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس في سوتشي إلى الأذهان؛ زيارته الماضية قبل ما يزيد على عامين والتي سبقت إعلان بدء التدخل العسكري الروسي لدعم الحكومة السورية وكما مهدت الزيارة الأولى لدخول متغيّر جديد ساعد في تحول الواقع الميداني تترافق الأخيرة مع خسارة «داعش» لجميع مدن «دولته» المفترضة ومع جهود غير مسبوقة لإطلاق مسار سياسي ضمن الأطر الأممية ويحظى بقبول نسبة كبيرة من الأطراف المعنية بالملف السوري.
الزيارة غير المتوقعة جاءت متوافقة مع المنهج الروسي الذي يركز على «الشرعية الدولية» ومراعاة «سيادة» سوريا وحكومتها فالقمة المرتقبة في سوتشي" اليوم الأربعاء " بين زعماء روسيا وإيران وتركيا إلى جانب ما يجري الإعداد له في الرياض تحضيراً لمحادثات سوتشي وجنيف سيقود الملف السوري إلى مرحلة مختلفة تتطلب قبول دمشق بخوضها، بضمانات روسية. وهو قبول أُعلن مبدئياً لدى زيارة المبعوث الروسي ألكسندر لافرينتيف لدمشق وجرى تأكيده أمس خلال لقاء سوتشي.
وضمن اللقاء الذي امتد لأكثر من ثلاث ساعات ناقش الرئيسان بوتين والأسد تفاصيل «التسوية السياسية» التي يجري العمل عليها كما النجاحات التي تحققت ضد الإرهاب. ووفق النص الذي نشره موقع الكرملين عن اللقاء شدد بوتين على أنه «يجري العمل مع الشركاء في إيران وتركيا... كما نعمل بنشاط مع بلدان أخرى منها العراق والولايات المتحدة ومصر والسعودية والأردن».
ولفت إلى أنه «بناءً على اجتماعنا سأجري مشاورات مع زعماء تلك البلدان» وقال إنه يود أن يناقش مع الأسد «المبادئ الأساسية لتنظيم العملية السياسية وعقد مؤتمر (شعوب سوريا)» بدعم من الحكومة السورية ولفت الرئيس الأسد في معرض رده إلى «النجاحات الكبيرة» التي تحققت «في ساحة المعركة أو سياسياً» منذ بدء العملية العسكرية الروسية، والتي «سمحت بالتوصل إلى تسوية سياسية». وأثنى على مساهمة روسيا في احترام سيادة سوريا واستقلالها، و«دفاعها عنها في مختلف المنابر الدولية بما في ذلك عملية أستانا.
وينطبق الشيء نفسه على خطط عقد مؤتمر (الحوار الوطني)». وكشف بوتين أن المبعوث الروسي لافرنتييف سيحضر اجتماعات الرياض الخاصة بالمعارضة التي تعقد بين 22 و24 تشرين الثاني الجاري. وأبدى الأسد اهتمام دمشق بتعزيز العملية السياسية مؤكداً أنها تعتمد على «دعم روسيا لضمان عدم تدخل الجهات الخارجية في العملية السياسية». وأضاف القول: «نرحب بكل الراغبين حقاً في التوصل إلى تسوية سياسية ونحن مستعدون لإجراء حوار معهم». وثمّن بوتين استعداد الأسد «للعمل مع جميع الذين يريدون السلام والاستقرار» مؤكداً أن «عملنا المشترك لمكافحة الإرهابيين في سوريا يقترب من نهايته».
والتقى الرئيسان الأسد وبوتين كبار القادة العسكريين الروس وقال الرئيس الروسي إن «السيد الأسد قال لي اليوم خلال محادثاتنا إنه بفضل الجيش الروسي، أنقذت سوريا كدولة... وآمل أن نضع في المستقبل القريب النقطة الأخيرة في مكافحة الإرهاب في سوريا» وأشار الرئيس الأسد إلى الدور الذي قامت به القوات الروسية... والإنجازات التي لا يمكن أحداً أن ينكرها» مضيفاً أنه «بفضل نشاطكم مع الجيش العربي السوري وحلفائنا تمكن العديد من السوريين من العودة إلى ديارهم». وعقب الاجتماع اللافت بن الرئيسان الأسد وبوتين تحدث الأخير هاتفياً مع كل من نظيره الأميركي دونالد ترامب والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني ويتوقع أن يستكمل عدداً إضافياً من الاتصالات الهاتفية مع زعماء عدد من البلدان المعنية بالملف السوري.
الاجتماع المهم في مضمونه ورسائله جاء في توقيت لافت قبل يومين من اجتماع القمة المرتقب اليوم في سوتشي وبعد يوم من انتهاء وزراء الخارجية الروسي والإيراني والتركي، اجتماعهم في أنطاليا كذلك تبعه أمس لقاء بين رؤساء أركان البلدان الثلاثة «الضامنة»، في سوتشي أيضاً واتفق المسؤولون العسكريون الثلاثة على زيادة مستوى التنسيق في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب ومحيطها حيث أن الاجتماع تطرق إلى اتخاذ خطوات «محددة» للقضاء على تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة». وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف في رده على سؤال عن دور الأسد في مستقبل سوريا في أعقاب زيارة سوتشي إن «دور الأسد أمر يعود للشعب السوري... وليس لروسيا أو غيرها رؤية حوله».
وعشية «القمّة الثلاثية» في مدينة سوتشي جاءت الزيارة المفاجئة للرئيس بشار الأسد بلقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتثبت أهمية القمة بين بوتين والرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني ..
إردوغان استمر في هجومه على الولايات المتحدة متسائلاً «لماذا تواصل واشنطن إرسال الأسلحة والمعدات الحربية إلى الشمال السوري بالرغم من القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق؟» واصفاً الموقف الأميركي بـ«العمل العدواني السافر» لأنه «يدعم أكراد سوريا» وقد أبدى الرئيس التركي تمسّك بلاده بـ«حق الرّد على أيّ عملٍ استفزازي أو عدواني مصدره الشمال السوري» أما الإعلام الموالي لإردوغان فقد شنّ بدوره هجوماً عنيفاً على واشنطن متهماً الإدارة الأميركية بـ«التآمر على تركيا من خلال دعم فتح الله غولن وإجبار المواطن التركي (المعتقل في الولايات المتحدة بتهمة الفساد) رضا زراب بالإدلاء بمعلومات مهمّة عن علاقاته بالمسؤولين الأتراك».
بدورها اعتبرت الأوساط السياسية والدبلوماسية هذه القمّة وفي هذه الحالة «ضرورةً ملحة» كاللقاء الثنائي الذي جمع بوتين وإردوغان الأسبوع الماضي حين بحثا في التفاصيل الخاصّة بسوريا وتحديداً إدلب وعفرين والميليشيات الكردية و«قوات سوريا الديموقراطية» الأمر الذي يفسّر تصريحات أنقرة خلال الأسبوع الماضي إذ أكّد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على ضرورة البحث في المزيد من التفاصيل الدقيقة عن سوريا وبشكلٍ خاص الحلّ النهائي في إدلب بعد حسم أزمة عفرين.
وترى أنقرة في عفرين أهمية كبرى تفوق أهمية إدلب إلى جانب اعتراف دمشق الضروري ببعض الحقوق للمكوّن التركماني وإشراك المعارضة السياسية والعسكرية (المدعومة منها) في السلطة بشكل فعّال وبأقرب فرصة وهو ما أكّد عليه إردوغان نهاية الأسبوع الماضي وقبل أيّامٍ من لقاء وزراء خارجية: تركيا - إيران - وروسيا في مدينة أنطاليا التركية.
ونقلت مصادر عن هذا اللقاء اتفاق الدول المذكورة على مواجهة أيّ مخطّطٍ أميركي في الشمال السوري ومنع أيّ توتّرٍ خطير في المنطقة مع استمرار التوتر السعودي - القطري، والاستفزازات السعودية في لبنان وضد حزب الله.
وفي موازاة الإصرار التركي على تحييد «الاتحاد الديموقراطي» شهد ريف حلب الغربي أمس تصعيداً جديداً بعد إعلان تركي عن تعرض إحدى «نقاط المراقبة» التي يشغلها هناك، لقصف بقذائف الهاون من طرف «وحدات حماية الشعب» الكردية وإن القصف لم يسبّب إصابة أي من الجنود الأتراك وإن وحدات الجيش التركي ردّت على مواقع إطلاق تلك القذائف.
وتتوقع الأوساط الدبلوماسية أن تضع «القمّة الثلاثية» النقاط على الحروف في ما يتعلّق بالعلاقات بين الدول الثلاث وإعادة بناء الثقة في ما بينها، وخاصّةً إيران وتركيا؛ وبالتالي توضيح الصورة النهائية في سوريا ومستقبل الوجود العسكري التركي في الشمال السوري وإنهائه وذلك بعد اتفاق الدول الثلاث على خطّة مشتركة لمواجهة أي مشروعٍ أميركي هناك الأمر الذي بحثه جنرالات الجيش الروسي مع الأسد.
وتتوقع المعلومات أيضاً توتراً خطيراً بين أنقرة وواشنطن بسبب محاكمة زراب بقضايا فساد خطيرة مع رفض الأميركيين تسليم غولن لتركيا ما قد يدفع إردوغان إلى تكثيف تنسيقه وتعاونه مع روسيا ومعها إيران إذ يراهن الكثيرون على موقف أنقرة المستقبلي ضد واشنطن و«حلف شمالي الأطلسي» مع استمرار تقارب إردوغان وبوتين وهو ما أوضحه بعزم تركيا على بناء المفاعلات النووية وفق ما تم الاتفاق عليه مسبقاً مع روسيا.
كما فرضت معادلات الميدان واقعاً جديداً بات على واشنطن وحلفائها التعامل معه يبدو المسار السياسي المربوط بالقرار الأممي 2254 طريقاً شائكاً لهياكل المعارضة العالقة قبل «جنيف 1». ومن المحتمل أن يقود التوافق الروسي ــ الأميركي على مرجعية «الحل» الأممية إلى إطاحة تلك الهياكل وعلى رأسها «هيئة التفاوض العليا»
تطرأ تغيرات كثيرة ومتسارعة على المشهد السوري بشقيه الميداني والسياسي تشير في معظمها إلى بدء مرحلة جديدة من عمر الحرب ومن المتوقع أن تكون المعارك المستقبلية فيها محدودة وواضحة بعد تثبيت خطوط «منع تصادم» واتفاقات «تخفيف تصعيد» على طول الجغرافيا السورية ولكن هذا «الاستقرار» مرتبط بقوننة تلك الاتفاقات عبر تقدم على المسار السياسي.
ومع التغيرات التي طرأت على طريقة إدارة الدول الداعمة للمعارضة السورية ــ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ــ للمحور المعارض يمكن التطلع إلى جولة محادثات جنيف المقبلة على أنها ستشكل نقطة مهمة في مسار الحل السياسي بمعزل عن نجاحها في تحقيق اختراق عن سابقاتها من الجولات. بواكير ما قد تشهده جنيف بدأت من أروقة اجتماعات الرياض التي يفترض أن تنطلق غداً.
إذ خرج عدد كبير من صقور «هيئة التفاوض العليا» المعارضة باستقالات «اعتراضية» أمس وعلى رأسهم كان المنسق العام رياض حجاب الاستقالات التي صوّرت كاعتراض على السقف المتدني لطروحات توحيد الوفد المعارض والذي لا تشترط رحيل الرئيس بشار الأسد أتت بعد ثلاثة أشهر من نفي «الهيئة» ممثلة بمنسقها العام أي ضغوطات سعودية بهذا الخصوص، وضمت عناصر من الجناح المحسوب على قطر. يومها خرجت أخبار تتحدث عن طلب الرياض اجتماع الغد، بسقف مطالب ضمن القرار الدولي 2254. وجاءت هذه الاستقالات بعد حديث مطوّل في كواليس المعارضة عن قرب تنحية حجاب من منصبه إلى جانب عدد كبير من شاغلي المناصب في «الهيئة».
وهذا ضمن تفاهم روسي ــ أميركي أُشركت فيه السعودية كراعية لحوار منصات المعارضة وتم البت فيه خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المطوّلة إلى دول الخليج. الانزياح السعودي لتشكيل وفد موحّد لا يخرج عن فحوى البيان المشترك الذي خرج قبل أيام عن الرئيسين الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. هذا البيان طلب بوضوح من جميع الأطراف الانخراط الفاعل ضمن محادثات جنيف محدداً القرار الدولي 2254 كمرجعية وحيدة لأيّ حلّ سياسي وهو قرار يؤكد أن الانتقال السياسي يجري عبر حوار بين المعارضة والحكومة.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون السياسية والاقتصادية عادل بن سراج مرداد كان قد استقبل في الرياض قبل ثلاثة أيام المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف وهو المكلّف التنسيق مع القوى الإقليمية بمستجدات مسار «التسوية السورية».
وشهدت بعض الأوساط المعارضة أمس حملات تضامن مع المستقيلين من «الهيئة» في وقت نقلت فيه مصادر معارضة أنه يجري الإعداد لتحرك في عدد من الدول تضامناً مع حجاب وغيره من المستقيلين ومنهم سهير الأتاسي وعبد الحكيم بشار. وترافقت بحملة مضادة ضد منصة موسكو التي جددت تأكيدها أن مطلب «إزاحة الأسد» عن الحكم كشرط مسبق مرفوض بالكامل وينتظر ما سيخرج عن اجتماع الرياض الذي يفترض أن يمتد على يومين في ضوء الاتصالات الواسعة التي أجراها أعضاء من «الهيئة» خلال الشهر الماضي في محاولة لضم أكبر طيف من الشخصيات المستقلة المقربة منها، لضمان تمثيل أوسع ضمن الوفد الموحّد، على حساب منصتي القاهرة وموسكو.
وفي مقابل الخلافات الداخلية بين المعارضات تخوض موسكو وأنقرة تحدياً خلافياً جديداً حول مشاركة «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في مؤتمر «الحوار الوطني» الذي تعد له روسيا. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة تمثيل كافة مكونات المجتمع السوري بدوره أشار مستشار السياسة الخارجية في الكرملين يوري أوشاكوف إلى أن موضوع مشاركة القوى الكردية في المؤتمر سيُتناوَل خلال القمة الثلاثية المرتقبة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في مدينة سوتشي الروسية.
ومع إعلان موسكو حضور ممثل رفيع عنها في الرياض شهد المحور المعارض انقسامات واسعة في كل من «هيئة التفاوض العليا» و«الائتلاف» ونقلت وكالة «رويترز» عن أحد أعضاء «الهيئة» المستقيلين هو رياض نعسان آغا قوله إن عمل «الهيئة» انتهى وأضاف أنها تعرضت للتهميش ولم يتلقّ عدد كبير من أعضائها دعوات للمشاركة في مؤتمر الرياض الحالي ولفت إلى أن «الروس عملياً هم مسؤولون عن قلب موازين المعادلة لكي تكون لمصلحة الأسد بدلاً من أن تكون ضده».
وفي أول موقف روسي رسمي من «الاستقالات» التي طاولت «هيئة التفاوض العليا» المعارضة قبيل اجتماع الرياض المرتقب انطلاقه اليوم أمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي مع نظيره الأرميني أدوار نالبانديان أن «يسمح رحيل المعارضين المتشددين بتكوين مجموعة متنوعة تخرج بمواقف معقولة وواقعية وبناءة» مشدداً على تأييد بلاده للجهود التي تبذلها السعودية في هذا الاتجاه.
الي ذلك أبدى السفير الروسي لدى إسرائيل ألكسندر شين استنكاره لردّ الفعل الإسرائيلي السلبي تجاه اتفاق «تخفيف التصعيد» في الجنوب السوري ورأى أنه «لا يوجد ما يدعو إلى المبالغة في تأثير هذه المذكرة الخاصة على المصالح الأمنية لإسرائيل».
واعتبر أن بلاده «تتصرف باستمرار وفقاً لمعايير القانون الدولي ومبادئه التي تشرعن وجود قوات إيرانية في سوريا والتي يقتصر هدفها على مكافحة الإرهاب» مضيفاً أن موسكو «تتعاون مع إيران لتحقيق هذا الهدف» ولفت إلى أنه «في فترة ما بعد الصراع، يبقى الحق للسوريين في القرار حول أي وجود أجنبي في بلادهم ضمن إطار حوار وطني شامل... هذه المسألة مرهونة بالحوار بين الحكومة والمعارضة وروسيا تبذل كل جهد لإقامة مثل هذا الحوار».
المزيد في هذا القسم:
- تشديد الخناق على دمشق: عقوبات أميركية على ناقلي نفط روس! المرصاد نت - متابعات لا تكفّ واشنطن عن التصعيد ضد دمشق في سياق ممارستها سياسة الحصار و«الضغوط القصوى». ضغوط لا تقتصر على ما تمارسه الولايات المتحدة ضدّ الدول ...
- عدوان جديدان للسعودية بعد الرئيس بشارالأسد .. من هما ؟ المرصاد نت - سامي كليب يكفي أن يقرأ المرء أمس تعليقات اثنين من كبار الكتاب السعوديين هما خالد الدخيل (الحياة) وعبد الرحمن الراشد (الشرق الأوسط)، ليفهم أن ز...
- . عاااااجل* روسيا أمسكت الشيطان متلبس فهل يتحد العالم للقضاء عليه المرصاد-متابعات جلسه صاخبه بمجلس الأمن بناء بشأن تطوير اميركا لأسلحه بيولوجيه على حدودها داخل اوكرانيا: 1- تسليم المندوب الروسى وثائق وادله فى مضبطة الجلسه تؤك...
- قمة بين الكوريتين تبحث نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية المرصاد نت - متابعات استقبل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الثلاثاء رئيس كوريا الجنوبية مون جي إن في مطار بيونغ يانغ. وستسمر زيارة الرئيس الجنوبي للجارة ال...
- القرن الإفريقي بين قواعد عسكرية إماراتية وضعف للأمن الجماعي! المرصاد نت - متابعات هو القرن الإفريقي على البحر الأحمر صاحب الأهمية التجارية العالمية كونه يربط قارات العالم الثلاث (آسيا، أفريقيا، أوروبا) ولذلك يُعدّ من أه...
- الوفود السورية تصل أستانا مع وقف الجيش عملياته في درعا المرصاد نت - متابعات صرّح "أنور جايناكوف" مدير المكتب الصحفي لوزارة الخارجية الكازاخستانية اليوم الثلاثاء أنه وصلت كافة الوفود المشاركة في الجولة القادمة من ا...
- خطط بن سلمان تفشل وحلقة جديدة من مسلسل القمع! المرصاد نت - متابعات يصطدم طرح «أرامكو» السعودية في البورصة المحلية بعراقيل كثيرة حتى بات يمكن القول إن الخطوة تمثّل عبئاً على المملكة وسط غياب المستثمرين الأ...
- منسق العلاقات السعودية اسرائيلية أنورعشقي يصل تل ابيب ! المرصاد نت - متابعات لمحت مصادر سياسية اسرائيلية كبيرة الى أن الجنرال السعودي أنور عشقي رئيس المعهد السعودي للدراسات الاستراتيجية يعقد لقاءات مع مسؤولين في إس...
- قوات النظام السعودي تقصف العوامية بالأسلحة الثقيلة ومعدلات الإعدام في السعودية هي الأعلى... المرصاد نت - متابعات قصفت قوات النظام السعودي بصورة عشوائي صباح اليوم الأربعاء الأحياء السكنية في منطقة العوامية بالقطيف ذات الغالبية الشيعية والغنية بالنفط ش...
- فورين بوليسي : المشرعون الامريكيون ينفجرون غضباً بوجه السعودية ويتهمونها بنشر الارهاب المرصاد نت - متابعات شن عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي انتقادات لاذعة وغاضبة متهمين السعودية بنشر التطرف وتمويل “قادة الجريمة” وذلك أثناء مناقش...