لبنان: «ثورة الواتساب» الحكومة تهتزّ... هل فات الأوان!

المرصاد نت - الأخبار

فرقت القوى الأمنية اللبنانية المتظاهرين الذين احتشدوا لساعات في وسط العاصمة بيروت احتجاجاً على فرض الحكومة ضرائب جديدة. وعمت التظاهرات معظم المناطق اللبنانية وتخللها قطعKobnanao2019.10.18 طرق في أكثر من مدينة وسط غضب عارم من سياسات الحكومة الاقتصادية.

 وذكرت مصادر طبية أن المواجهات بين المحتجين والقوى الأمنية أدت إلى إصابة العشرات من الطرفين. وفي هذا السياق تعقد الحكومة اللبنانية اجتماعاً طارئاً اليوم الجمعة برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لبحث التطورات والمطالب الشعبية.

وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن أكدت أن غالبية التظاهرات التي شهدتها البلاد سلمية. وشددت على أنّ بديل الإجراءات الحكومية التقشفية هو الانهيار في لبنان. واعتبرت الحسن أن من الضروري للحكومة الموازنة بين الإجراءات التقشفية وتخفيف وطأتها على المواطنين.من جهته قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني النائب السابق وليد جنبلاط إن على جميع مكونات الحكومة تحمل المسؤولية تجاه ما يجري من دون أن يزايد أحد على الآخر. أما عضو كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني الوزير حسين الحاج حسن أكد انحياز الكتلة إلى المطالب الشعبية وشدد على ضرورة الإصلاح الحقيقي في البلد. وقالت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في الحكومة اللبنانية مي شدياق إن ما يجري يعكس نقمة شعبية في ظل عدم قدرة المواطن على تحمل الضرائب.

ووصل هاشتاغ #إجا_وقت_نحاسب و #أكرم_شهيب و #واتساب إلى الأكثر تداولاً على موقع تويتر بحيث عمد الناشطون إلى التعبير عن غضبهم من الضرائب الجديدة ومن سوء الأوضاع المعيشية في ظل أزمة الدولار.

«ثورة الواتساب» الحكومة تهتزّ... هل فات الأوان
لم يصمد قرار وضع رسم على اتصالات تطبيق «واتساب» طويلاً. في اليوم التالي لإقراره سقط في الشارع. تنقّل وزير الاتصالات من شاشة إلى أخرى ليعلن سحب القرار من التداول واعتباره كأنه لم يكن. مع ذلك لم تنته القضية. أعداد المتظاهرين كانت تتزايد باستمرار إلى ما بعد منتصف الليل. قرار «واتساب» كسر حاجز الصمت والتردد، فكانت مروحة الاعتراض الواسعة كفيلة بزعزعة التحالف الحكومي للمرة الأولى منذ تأليف الحكومة.

كيف سيكون المشهد اليوم؟ ينعقد مجلس الوزراء في جلسة يفترض أن تكون الأخيرة لمناقشة الموازنة. ونظراً لحساسيتها وحساسية الأوضاع تقرّر بعد اتصال الرئيس ميشال عون بالرئيس سعد الحريري مساء أمس نقلها من السرايا الحكومية إلى قصر بعبدا. ولأنها الجلسة الأخيرة فقد رُحّلت إليها كل «الإجراءات الموجعة» التي وُعد بها اللبنانيون وأبرزها الرسم على البنزين والضريبة على القيمة المضافة. لكن هذه المرة وخلافاً لكل الاجتماعات التي سبقت كل قرار سيتخذ لن يكون معزولاً عن الاحتجاجات التي شهدتها كل المناطق أمس.

والقرارات هنا لم تعد من فئة الضرائب والرسوم فقد اتخذت الجلسة مع كلام النائب وليد جنبلاط أمس منحىً أكثر «استراتيجية». كان الحديث مباشراً عن مصير الحكومة. وكان جنبلاط حريصاً على عدم تحميل سعد الحريري المسؤولية منفرداً. قال: «كلنا مسؤولون عما وصلت إليه الأمور وكلنا فشلنا في إدارة الأزمة الاقتصادية». كذلك ذهب في حديثه إلى «أل بي سي آي» إلى حد نعي حكومات الوحدة الوطنية. قال إنه لن يشارك في أي حكومة من هذا النوع. وعلى المنوال نفسه طالب النائب فيصل كرامي ممثل اللقاء الوزير حسن مراد بالاستقالة والنزول إلى الشارع. وليلاً أجرى الحريري سلسلة اتصالات لاستطلاع آراء شركائه الحكوميين وتحديداً لمعرفة إن كان أيّ منهم في صدد الانقلاب عليه. تيقّن من أن المكونات الرئيسية لمجلس الوزراء لن تتركه (وحدها «القوات» قالت إنها تنوي الاستقالة)، فخرجت وزيرة الداخلية ريا الحسن لتقول إنه لن يستقيل.Bairaot2019.10.18

باختصار الحكومة في مأزق. والائتلاف الذي يشكلها في مأزق. وتفصيلاً الموازنة دخلت في المجهول لكن الأكيد أن إجراءات من نوع زيادة الضريبة على القيمة المضافة وفرض رسوم على البنزين، لن يكون إمرارها سهلاً. المعارضة ستكون هذه المرة من داخل المجلس، وإن كان حزب الله قد كرّر أنه لن يوافق على أي موازنة تضم إجراءات تطال الفقراء، فإن جنبلاط ذهب أمس أبعد من ذلك. دعا إلى فرض الضريبة التصاعدية الموحدة وتساءل عن سبب اتفاق الجميع على تحصين الأملاك البحرية.

لن يكون أحد اليوم قادراً على رفع يده مؤيداً لأي ضريبة تطال الفقراء. فرض الناس أجندتهم على الحكومة او هم يكادون يفرضونها في حل استمرّت التحركات واتجهت نحو العنوان الصحيح. والائتلاف الحكومي عليها أن تفكر في مستقبلها خاصة أن كرة الاعتراض تكبر، وتكشف أن القوى السياسية - الطائفية لم تعد قادرة على ضبط «شوراعها». الاتحاد العمالي أعلن الإضراب العام اليوم والتظاهر ووزير التربية أعلن أن اليوم عطلة للمدارس والجامعات نظراً للأوضاع الراهنة. فيما يتوقع أن ينزل حزب الله إلى الشارع، في 29 تشرين الأول الحالي، دعماً لتحرك الاتحاد العمالي.

نهاراً شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حالة كبيرة من الاعتراض الذي تفجّر مساء في الشارع وفي أكثر من منطقة. أدرك الناس بالملموس أن رسم «واتساب» ليس سوى البداية. ولم يزد الأمر سوءاً سوى تصريحات وزيري الاتصالات الحالي محمد شقير والسابق جمال الجراح اللذين ظنا أنهما بتوضيحيهما يمكن أن يخفّفا من هول القرار فعمد شقير إلى تفسير الماء بالماء ليوضح أن القرار فسّر خطأ وأن الـ20 سنتاً ليست على «واتساب» فقط بل على كل التطبيقات المشابهة! وللعلم قال إن «الزيادة على واتساب ليست ضريبة ولن نزيد أي شيء من دون إعطاء مقابل للمواطن» قبل أن يشدد على أن القرار هو قرار الحكومة بمختلف كتلها السياسية وليس قرار وزير الاتصالات وحده. كان حريصاً على القول «كلهم يعني كلهم وافقوا على رسوم الواتساب»، وهو الأمر الذي نفاه نواب ووزراء حزب الله قبل أن يصف النائب حسن فضل الله القرار بالتهريبة.

الجراح كان أوضح من زميله. لم يوارب. قال إن الحكومة أقرت رسماً بقيمة 20 سنتًا في اليوم على الـ«واتساب كول» وتطبق بدءاً من الأول من كانون الثاني 2020م لافتًا إلى أنّ «مداخيل الاتصالات تتدنّى بسبب «واتساب». كما ركّز على أنّ «الدولة تدفع ثمن ​الإنترنت​، مش ببلاش، وهناك كلفة على الدولة جراء واتساب».

في تصريح الوزير الخبير بالاتصالات تناسٍ متعمّد لأمرين أولهما أنه كما تدفع الدولة ثمن الانترنت المشترك يدفع ثمنها أيضاً لكن أضعاف مضاعفة. كذلك فإن استعمال واتساب ليس مجانياً، بل يكلّف المشترك ثمن الداتا التي يستهلكها الاتصال، بحسب مدته. أما الأمر الثاني، فهو أن وجوده على رأس الوزارة، لا الاتصالات عبر الانترنت كان السبب الأول في هدر أموال الاتصالات، على ما تؤكد أرقام الشركتين. فأيام الجراح شهدت أعلى مستوى من المصاريف التشغيلية والاستثمارية، وصل إلى 660 مليون دولار.

كل ذلك لم يعد مهماً. الأحداث تخطت مسألة الواتساب. وكل ما صدر من تصريحات لا يعبّر عن حقيقة ما حصل في مجلس الوزراء. كان الهم التبرؤ من كل ضريبة تفرض على السكان وهو سلوك سيتبلور أكثر اليوم. حتى وزير المالية علي حسن خليل نفض يده من أي ضرائب قد تقّر مذكراً أنه قدّم موازنة خالية من زيادة الضرائب. أحد الوزراء يجزم أن الحكومة ارتكبت خطأً استراتيجياً في التركيز على الإجراءات التي تطال الناس. قال إنه كان يفترض أن تبدأ بإجراءات تطال المصارف وأصحاب رؤوس الأموال. يعتقد أن تلك خطوة كانت ستعطي إشارة إلى أن اللبنانيين جميعاً سينالون نصيبهم لكن هذا لم يحصل، متسائلاً: هل فات الأوان؟

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية